ألقت الولايات المتحدة بثقلها السياسي، أمس الأربعاء، في محاولة وساطة جديدة لحل الأزمة الليبية، رغم إعلانها فرض حظر على الطيران المدني الأميركي، فيما كرّر مسؤول أميركي رفيع المستوى الاتهامات إلى روسيا بالتدخل العسكري في ليبيا، تزامنا مع اجتماع لسفير أميركا لدى ليبيا مع رئيس حكومة الوفاق فائز السرّاج، التي سعت قوات موالية له إلى فتح جبهة قتال جديدة ضد قوات الجيش الوطني، بقيادة المشير خليفة حفتر، بعدما سيطرت على حقل الفيل النفطي بجنوب البلاد.
وتزامنت هذه التطورات مع تقارير لوسائل إعلام محلية عن اعتزام السراج التوقيع، رفقة بعض وزرائه في أنقرة، على اتفاق للتعاون العسكري مع تركيا، يتيح له جلب قوات تركية إلى الأراضي الليبية.
ميدانيا، شن أمس الجيش الوطني، حسبما أعلنت شعبة إعلامه الحربي، غارات جوية على مواقع بمحيط حقل الفيل، جنوب غربي مدينة سبها، استهدفت تمركزات المجموعات المسلحة التي قامت بالهجوم على الحقل، ووصفهم بأنهم "مجموعة إجرامية مسلحة"، محذرا من "العبث بأمن الجنوب وثروات الشعب الليبي".
وكانت مؤسسة النفط، الموالية لحكومة السراج، قد طالبت في بيان لها أمس بوقف العمليات العسكرية بالقرب من الحقل، بعدما سيطرت عليه قوات تابعة للحكومة بقيادة الفريق علي كنة، حيث نقلت وسائل إعلام موالية للسراج عن مصدر عسكري أن عملية السيطرة جرت بعد دخول القوة للحقل دون أي اشتباكات، وذلك بعد التفاهم على تسليمه مع القوة الموجودة به.
وتحدثت المؤسسة في بيان لها أمس عن وجود نشاط عسكري في منطقة الحقل؛ لكنها قالت في المقابل إنه "لا توجد تقارير تفيد بحصول أي أضرار مادية أو بشرية". ونقل البيان عن مصطفى صنع الله، رئيس المؤسسة، قوله: "ندعو كافّة الأطراف لوقف العمليات في محيط الحقل... وضمان سلامة عاملينا هي أولويتنا القصوى؛ وأي تصعيد لأعمال العنف سيترتّب عليه إخلاء الحقل ووقف الإنتاج".
وكانت قوات الجيش قد أعلنت في فبراير (شباط) الماضي سيطرتها على الحقل، الذي يبلغ إنتاجه 70 ألف برميل يوميا.
من جانبه، اعتبر الفريق عبد الرزاق الناظوري، رئيس الأركان العامة للجيش الوطني، أن "الموارد الوطنية هي ملك مقدس للشعب الليبي، ولا يمكن المساومة على الوطن"، قائلًا إن "هذا أمر محسوم ولا جدال حوله، ولا تفريط فيه تحت أي ظرف ومهما كانت الأسباب".
إلى ذلك، كشفت السفارة الأميركية لدى ليبيا عن فرض إدارة الطيران الفيدرالي الأميركي حظرا في نهاية الشهر الماضي على عمليات الطيران المدني الأميركية على جميع الارتفاعات في أراضي ليبيا ومجالها الجوي، مشيرة إلى وجود خطر غير مقبول على عمليات الطيران المدني. ولفتت إلى أن مطار معيتيقة الدولي في العاصمة طرابلس ما زال مغلقًا، وسط قيود كبيرة على السفر الجوي التجاري العابر إلى المجال الجوي الليبي، أو عبره بسبب النزاع الأهلي المستمر، كما أن الحكومة الأميركية غير قادرة على تقديم المساعدة الطارئة أو الروتينية للمواطنين الأميركيين في ليبيا، بسبب وقف السفارة الأميركية عملياتها في طرابلس عام 2014. لكن هذا التطور لم يمنع الإدارة الأميركية من إطلاق وساطة دبلوماسية لحل النزاع في ليبيا، حيث اجتمع سفير الولايات المتحدة نورلاند بالسراج، رئيس حكومة الوفاق الاثنين الماضي، وذلك بعد مرور يوم واحد على اجتماع وفد أميركي رفيع المستوى مع المشير حفتر.
وطبقا لبيان أصدرته السفارة الأميركية، فإن الاجتماع ناقش آفاق وقف الأعمال العدائية حول طرابلس، والجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي للنزاع في ظل ما وصفه بتصاعد التدخل الروسي.
بدوره، قال ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، إن الولايات المتحدة "تحث جميع الأطراف في ليبيا على وقف تصعيد القتال، والموافقة على وقف إطلاق النار، واتخاذ خطوات ملموسة نحو حل سياسي"، مضيفًا في مؤتمر صحافي وزعت الخارجية الأميركية أمس نصه، أن بلاده "ملتزمة بمستقبل آمن ومزدهر لشعب ليبيا"؛ لكنه زاد مستدركا "لكي يصبح هذا حقيقة واقعة، نحتاج إلى تعهدات حقيقية من الجهات الخارجية للتوقف عن تأجيج العنف". واعتبر أن ما وصفه بالتدخل العسكري الروسي يهدد السلام والأمن والاستقرار في ليبيا، لافتا إلى أنه تم نقل هذه الرسالة نفسها في مناقشات رفيعة المستوى مع الجيش الوطني وحكومة الوفاق الوطني أخيرًا.
وأضاف موضحا "نحن منخرطون في محاولة لإيجاد حل لليبيا. وكذلك في عملية دبلوماسية يديرها الألمان، كما نشارك بشكل ثنائي مع الفرنسيين. وأنا أتحدث مع الإيطاليين حول هذا الأمر ومن ثم نظرائي البريطانيين". ورأى أن المشير حفتر هو جزء من المشكلة، لكنه سيكون بالضرورة جزءًا من الحل، لافتا إلى أن "الرجل يسيطر على نحو 80 في المائة من أراضي البلاد في الوقت الحالي، على الرغم من أنه نسبة مئوية أصغر من السكان، لكن لديه دروع وقوات كبيرة تحت سيطرته".
وأوضح شينكر أن الاجتماع الذي عقده وفد أميركي رفيع المستوى مع المشير حفتر "ليس الأول من نوعه"، مضيفا: "لدينا موظفون بالسفارة يذهبون إلى ليبيا للقاء حفتر وللقاء سراج".
وزاد موضحا: "حكومة الولايات المتحدة تعتقد أن أي هجوم لمحاولة دخول طرابلس عسكريًا ستكون له عواقب وخيمة حقًا، وسيضع الكثير من المدنيين في خطر، ويجب ألا نبحث عن حل عسكري لهذا الصراع".
في المقابل، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن "الولايات المتحدة تحاول اتهام روسيا بما يحدث في ليبيا، وتجري اتصالات مع كلا الجانبين".
من جهة أخرى، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عقب اجتماعه مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، عن امتنانه العميق لمبادرتها بشأن عقد اجتماع دولي حول ليبيا في برلين في موعد لم يحسم بعد.
قد يهمك أيضًا :
قوات حفتر تشنّ سلسلة غارات استهدفت "الوفاق" في سرت الليبية الأربعاء
أرسل تعليقك