كشف وزير الأوقاف في المملكة الأردنية الهاشمية سابقًا، المفكر الإسلامي الدكتور محمد نوح القضاة، عن أنَّ دولة الإمارات العربية المتحدة بما تقوده من منهج في تكريس الاعتدال وتعزيز سماحة الإسلام إنما تقوم بدور رائد في خدمة الدين الحنيف وسط متغيرات إقليمية ودولية تستهدف النيل من قيم التسامح والتعايش المشترك التي أمرنا بها الله تعالى.
وبين أنَّ الإمارات دولة كبيرة بما تحمله الكلمة من دلالات على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وقادرة على مواجهة التحديات، واكتسبت ثقة العالم بما تنتهجه من اعتدال في جميع مواقفها، وأن إرث الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ينمو يومًا بعد يوم، وهي دولة وقفت وتقف مع الحق والعدل أينما كان.
وشدد على أن دولة الإمارات تقوم بدور قيادي في العالم العربي والذي يؤهلها لهذا الدور عدة عناصر مهمة، أبرزها قيادتها ورؤيتها وإمكاناتها، فالقيادة الإماراتية طموحة وترغب بالتحدي، وتستنير بالرؤية الواضحة في منهج الشيخ زايد.
وأوضح أنَّ مواجهة الفكر المتطرف والجماعات التي تتستر بعباءة الدين لتحقيق أغراض سياسية وغيرها، تتطلب تغييرا في استراتيجية التعامل معها، بعد أن طورت هذه التيارات التكفيرية من وسائلها، ودعا إلى إنشاء مجلس وطني لمواجهة الفكر المنحرف، لافتًا إلى وسائل الجماعات المتطرفة لاستغلال الشباب، وشدد على أهمية وضع مناهج تربوية وزيادة الجرعات الدينية في المدارس والجامعات وتحصين الشباب.
وأضاف أنه بداية لا يمكن للإنسان أن يقضي على المرض نهائيًا، لأنه من سنن الكون، وصراع الخير والشر موجود وسيستمر، وما نستطيع فعله هو أن نطعم أبناءنا ضد هذا المرض، حتى إن أصيب به تكون لديه مناعة تقيه من شرور هذا المرض الذي يصل إلى قتل الناس، وقال إن هناك دولا وجماعات لديها أهداف تسعى لتحقيقها والتطعيم للوقاية منها مرتبط بثلاثة محددات وهي «الإعلام المميز والتعليم والعدول من رجال الدين».
وأكد أن بعض المنابر مختطفة ومليئة ببث الحقد والكراهية والدعاء على الناس، بتيتيم الأطفال وترميل النساء، في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع على المشركين ولا غير المشركين، وهو في قمة معاناته عليه الصلاة والسلام مع كفار قريش، بل قال «لعل الله يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله»، واختطاف المنابر تم في غيبة وعدم وعي، ومن اختطفوها باستعلاء عليها وتوجيهها حسب أهوائهم الشخصية ونزعاتهم الاستعلائية، وليس لها علاقة بالشرع الحنيف، فيقوم هؤلاء المختطفون بتفريغ آرائهم الشخصية في أفراد المجتمع، ولا يجد الشباب سوى ذلك فيعتقد أن ذلك هو الدين.
وانتقد الفراغ الإعلامي الديني الموجود على الساحة العربية والإسلامية، وهو مسؤول عما يحدث في مجتمعاتنا، وقسمه إلى قسمين، أو صورتين، قنوات تنعدم فيها البرامج الدينية مطلقًا، وقد تكون قنوات ذات اهتمام إخباري واسع النطاق، وقد تكون منتشرة بين أفراد المجتمع، بشكل كبير للغاية، ولكن تفتقر إلى أي وقت مخصص للبرامج الدينية، والصورة الثانية هي وجود برامج بقنوات تليفزيونية، إلا أنها هامشية وتفرض قضايا هامشية، وفارغة من الداخل.
ونبه إلى أن ذلك أدى إلى اتساع الفراغ الإعلامي الموجود، مع غياب المنبر الذي تم اختطافه، أثمر في النهاية اعتقاد فريق من الجمهور أو أفراد المجتمع انطباع بأن ذلك هو الدين الإسلامي، ولا يدركون أنه إسقاط لآراء شخصية غلفت بشعارات دينية، إضافة إلى أن المناهج التعليمية تفتقر إلى إفهام الطلاب واليافعين أمورهم، ودينهم وبعض الكتب الدينية الموجودة تحتاج إلى تنقية المناهج من خطابات الكراهية، وتحتاج المناهج التعليمية في الوطن العربي إلى غرس المبادئ الصحيحة والحقيقية عن الدين الإسلامي، دين الرحمة والعدل والتسامح.
وشدد على أنَّه في حالة وجود حالة من عدم الاستقرار فإن ذلك يتطلب عقد مجلس أمن قومي للحالات الطارئة، يضم أشخاصا معنيين، لتشخيص الحالة وبدء التنفيذ، مشيرًا إلى أننا في حالة طارئة من الإرهاب، ولذلك مطلوب مجلس طوارئ، يتدارس حالة الإرهاب التي تمر بها بلداننا، ولكل دولة مجلسها الخاص، ويجري التنسيق إن رغبوا، وكل مجلس ينتهي إلى خطة تنفذ حسب اختصاص كل واحد، ولا يجب أن تنتظر الدول وقوع الضرر الإرهاب عليها، بل يتوجب أن تكون هناك استباقية لمنع وقوع الجرائم أصلًا.
ولفت إلى أن زيادة الجرعة الدينية مطلوبة من الجهات المختصة، وأنه أكبر في الإمارات استضافتها مئات العلماء، وتنظيمها لتظاهرة علمية سنوية في شهر رمضان المبارك من كل عام، وبرامج محكمة ومدروسة، وتوزيعات مقننة للعلماء، وإفساح المجال لهم لتوضيح صورة الإسلام للمواطن والمقيم، وهو يحتاج إلى جهد كبير ونفقات باهظة التكاليف، من أجل إيصال المعلومة السليمة، وهي بذلك تنفذ خطوات استباقية في إيصال مفاهيم الشرع الإسلامي وإبراء الذمة من خلال تلك الجهود.
وأكد أنَّ الفترة الماضية شهدت عمليات استقطاب وإحداث فتنة بين أوساط الشباب، والمسؤول الوحيد عن توريط الشباب وجذبهم نحو فخ الإرهاب، هو الغفلة التي عاشوها في السنوات الماضية، وهذا اعتراف وليس لوما، والاعتراف بالخطأ هو بداية لتصحيح المفاهيم، وكانت دولنا في السابق وبعد حقبة الاستعمار، قد انشغلت في أعمال البناء والتعمير والتطوير، والقضايا العالمية، ومن ثم دخلت القضية الفلسطينية، وكانت ولا تزال القضية الكبرى، وقضايا أخرى أسهمت في إحداث غفلة غير مقصودة، عن القضايا التعليمية والدينية والإعلامية، والأمر ببساطة أن الإسلام كان مستبعدًا عن الأذهان أن يكون الإسلام سببًا في القتل، وكيف يخرج من منبع التسامح ورحمها هذا القتل.
وأشار إلى أنَّ التركيز على البناء والعمران، استغلته الجماعات التي تزينت بزي الإسلام للوصول إلى الحكم، فدخلت بين أوساط الشباب، واندست بينهم، في ظل الغفلة، وهذه الجماعات أرادت خلع حكام، باسم الدين وقتل آخرين، وتم اختطاف المنابر، وأصبح الخطيب يوجه الخطبة كما يحلو له وطبقًا لميوله السياسية حيث يقوم بتوجيه المصلين وعقولهم، وفق أجندته الشخصية، وليس بناء على منطلقات وأسس دينية بناء على تعاليم الدين الإسلامي، وكل التحليلات التي يقولها على المنبر المختطف تخدم أجندته، والمصلون محكومون بعدم التحدث أو إيقاف الخطيب وبالتالي هو المتحدث الأوحد، وأشخاص غير مؤهلين، وأصبح المنبر والمصلون مختطفين.
وتابع: كثيرا من الجماعات التي تسمى بالإسلامية، يقوم عليها أشخاص لا يملكون التعليم الشرعي، ولكن قد يملكون العاطفة الدينية، والتي لا نشكك فيها، ولكن هم لا يملكون علمًا شرعيًا الموثوق المتلقي كابرًا عن كابر، وجيلًا بعد جيل، ثم يقومون بتوجيه عقول الشباب وفق آرائهم الشخصية، وليس وفق منهج الله.
ودعا كل علماء الوسط بتكثيف تواجدهم على وسائل التواصل الاجتماعي وأدعو الشباب المتدينين والمعتدلين، أن يسهموا في نشر مقتطفات من كلمات العلماء الموثوقين، وأن يتوجهوا إلى هؤلاء العلماء، ممن قد لا يجددون الفراغ من أجل وسائل التواصل الاجتماعي فيسهموا معهم في اقتباس كلماتهم وأفكارهم وتحويلها إلى مدونات وتعليقات تنشر في وسائل التواصل، و يجب أن يكون لهؤلاء العلماء تلاميذ ومحبون وناصحون يسهمون معهم في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
وأكد أن تفجير المساجد من أبشع الجرائم التي ارتكبت باسم الدين، والسبب أن النبي عليه الصلاة والسلام، يقول: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله فذلك المسلم)، وتفجير المسجد قتل لمسلم، ولا يوجد حق للقتل، مسألة القتل بشعة، ومن يأمر بالقتل ولي الأمر ومن يأمر بالجهاد ولي الأمر وليس مجموعة من الأشخاص، يستبيحون الدماء، مسألة القتل ليست بالسهولة التي يقومون بها، فضلًا عن أنهم يعانون من عدم فهم من هو المسلم لذلك أنا أرى ضرورة تأمين بيوت الله، وأن مسألة الحماية مطلوبة والإمام مالك يقول (كل ما أحدث الناس ذنبًا أحدثنا له عقوبة) العقوبات لا يشترط ذكرها في القرآن والسنة بخلاف الحدود التي شرعها الله وهي محددة في كتابه العزيز، وفي ظل ما تم به من اعتداء على المساجد فأدعو إلى وضع كاميرات مراقبة في محيط المسجد لحماية المصلين ومرتادي المساجد وخاصة أن من ارتكب الحادث في الكويت تم الوصول إليه من خلال الكاميرات.
وأضاف: هناك كثيرًا من المفاهيم كانت في وقتها صحيحة، لأنها رؤية بشرية لحل مشكلة لكن لا يجوز إنزال هذه الحلول مع تغير الزمن أو الحال، والتمسك بالقرآن يختلف عن التمسك للمفهوم البشري بالنسبة للقرآن، لذلك القرآن صالح لكل زمان ومكان وفي كل زمن تعتمد على تفسير ومعان ومفاهيم، فالقرآن ثابت والمفهوم له متغير.
وأشار إلى أن هناك قاعدة كونية اسمها السذاجة، وهي أن نسير في نفس الحلول والاتجاهات، وأن نبحث عن حل جديد لمشكلة قائمة، ولا يمكن القضاء على الإرهاب، بذات الحلول والوسائل التي مورست سابقًا مع الإرهاب والمتطرفين، والأمر ببساطة هو أن الإرهاب أصبح يطور أساليبه، وبالتالي يجب أن تتطور أساليب مقاومته، وباعتقادي أن أنجع وسيلة في المواجهة هو تكاتف «ديني، إعلامي، تربوي» وهذه الجهات مرتبطة بسلطة لها صلاحيات تنفيذية، واتخاذ الإجراءات، دون المرور بالحركات البيروقراطية، القاتلة التي تجعل المصلحين في تأخر بسبب إجراءات بيروقراطية، ونحن نواجه معركة غسل العقول باستخدام مصطلحات دينية لخدمة أغراضهم، ومنها مصطلح الجهاد والشهادة، وغير ذلك من المصطلحات، التي تجتذب إليها الشباب.
أرسل تعليقك