وضعت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة بالتنسيق مع الجهات المعنية خططًا طموحة متكاملة وبرامج شاملة للتوسع في السياحة الثقافية بإمارة أبوظبي وزيادة تنوعها وجعلها لاعبًا رئيسًا في الطفرة الكبيرة التي يشهدها القطاع السياحي في الإمارة منذ سنوات عدة بعد أن صارت دولة الإمارات محط أنظار الإعلام العالمي، بما تمتلكه من مقومات سياحية بتوافر الأمن والاستقرار والأسعار المعتدلة والخدمات الراقية والشواطئ النظيفة والبنية التحتية المتطورة مع مواقع ثقافية وتراثية متميزة ذات طابع خاص.
وتؤكد كل المؤشرات أن أبوظبي تتأهب لانطلاقة نوعية جديدة لتتحول خلال العقد الحالي إلى مركز عالمي للسياحة الثقافية في ظل تركيز سياسات عمل هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة وخططها وبرامجها على حفظ التراث والثقافة وحماية المواقع الأثرية والتاريخية وتطوير قطاع المتاحف وفي مقدمتها إنشاء متحف زايد الوطني ومتحف جوجنهايم أبوظبي ومتحف اللوفر أبوظبي، التي تعد أيقونات جديدة لرسم مستقبل جديد واعد للإمارة.
فيما تدعم الهيئة أنشطة الفنون الإبداعية والفعاليات الثقافية بما يسهم في إنتاج بيئة حيوية للفنون والثقافة ترتقي بمكانة التراث في الإمارة، حيث تقوم الهيئة بدور رئيس في خلق الانسجام وإدارته لتطوير أبوظبي وجهة سياحية وثقافية من خلال التنسيق الشامل بين جميع الشركاء.
وتنفذ هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة استراتيجية لحفظ وحماية تراث وثقافة إمارة أبوظبي والترويج لمقوماتها الثقافية ومنتجاتها السياحية وتأكيد مكانة الإمارة العالمية باعتبارها وجهة سياحية وثقافية مستدامة ومتميزة تثري حياة المجتمع والزوار، كما تتولى الهيئة قيادة القطاع السياحي في الإمارة والترويج لها دوليا وجهة سياحية من خلال تنفيذ العديد من الأنشطة والأعمال التي تستهدف استقطاب الزوار والمستثمرين.
وأكد مسؤولون وخبراء سياحيون أن إمارة أبوظبي قطعت شوطًا كبيرًا لترسيخ موقعها مركزًا إقليميًا وعالميًا للسياحة الثقافية، مؤكدين أن الإمارة لديها كل المقومات التي تؤهلها لذلك من خلال البنية التحتية السياحية وفق المعايير العالمية وامتلاكها أكثر من 20 مركزًا ومتحفًا وموقعًا أثريًا ومزارا سياحيًا بطبيعة خاصة بنكهة محلية تؤرخ لحضارة إماراتية مميزة ضاربة في أعماق التاريخ، متناغمة مع معالم سياحية ثقافية عصرية مصممة وفق أرقى المعايير الدولية تشكل مجتمعة عناصر جذب قوية للسائحين من مختلف دول العالم الراغبين في التعرف إلى معالم وتاريخ وثقافة هذه الدولة الفتية التي حققت في نحو أربعة عقود من الزمان ما لم تحققه دول أخرى في مئات السنين.
وأوضح مدير عام المجلس الوطني للسياحة والآثار، محمد خميس المهيري، أن إمارة أبوظبي ودولة الإمارات بوجه عام مؤهلة للعب دور محوري وتبوؤ مكانتها مركزًا رئيسًا على خريطة السياحة الثقافية العالمية، مشيرًا إلى أن الثقافة المحلية تتميز بشخصية مميزة ونكهة خاصة تجمع بين العراقة والحداثة في آن في ظل اهتمام كبير بالتطوير المستمر للمواقع الأثرية والحضارية والثقافية وإظهارها في أبهى صورها بالاستعانة بأحدث الوسائل المستخدمة في الإبهار والعرض الجذاب المشوق للمعلومات، وذلك بدعم كبير من الجهات الحكومية وكذلك القطاع الخاص.
وأكد أن إمارة أبوظبي ودولة الإمارات عمومًا تتميز بتاريخها العريق الذي يعود إلى آلاف السنين، وتثبت الآثار التي تم العثور عليها في مختلف أنحاء الدولة مدى عمق الحضارة التي توالت على هذه المنطقة حيث اكتشف عدد من المواقع الأثرية، تعود إلى الفترة من الألف الثالث قبل الميلاد إلى الألف الأول قبل الميلاد مثل قرية هيلى قرب مدينة العين وأم النار على الشاطئ قرب أبوظبي والقصيص في دبي، وغليلة في منطقة رأس الخيمة، ودبا على الساحل الشرقي، ومن العصر الإسلامي الأول هناك عدد من الآثار منذ القرن السادس عشر في مدينة العين والعوهة ورأس الخيمة والرم.
وأوضح أنه من أهم عوامل نجاح السياحة الثقافية محليا إدراك الجهات المعنية منذ سنوات عديدة للمفهوم الصحيح للسياحة الثقافية وأثرها في إنعاش القطاع السياحي بشكل عام، مشيرا إلى أن السياحة الثقافية هي التي يكون الباعث الأساسي عليها الثقافة وزيارة المواقع الأثرية والمعالم التاريخية والمتاحف والتعرف على الصناعات التقليدية أو أي شكل من أشكال التعبير الفني والحضور في بعض الفعاليات الثقافية مثل المعارض أو المهرجانات وتعد السياحة الثقافية هي المقوم السياحي غير المتكرر أو المتشابه أو القابل للمنافسة.
وذكر أن المحتوى الثقافي المميز الموجه للسياح لا يمكن أن تكون الغاية منه إلا غاية إنمائية للقطاع السياحي وتحقيقًا للتنمية الشاملة للبلاد ولتحقيق تمكنت الجهات المختصة من توفير مجموعة من الأطر التي أمكن من خلالها إيجاد مجموعة وشبكة متكاملة من المتاحف والمزارات الثقافية التي تم تجهيزها وفق أرقى المعايير الدولية وتقديم النشاطات الثقافية المختلفة التي تساعد على تشجيع السياحة الثقافية.
ولفتت مديرة مشروع متحف زايد الوطني في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، سلامة الشامسي، أن عدد زوار المتاحف العديدة التي تزخر بها الإمارة في تزايد مستمر في ظل المشاريع الثقافية الكبيرة المهمة التي نفذت خلال المرحلة الماضية وتشهد أعمال تطوير مستمرة والمشاريع العملاقة التي لايزال بعضها قيد التنفيذ، مشيرة إلى أنه من أبرز المتاحف والمزارات الثقافية المنتشرة في الإمارة وتشهد نموًا ملحوظا في عدد زوارها عاما بعد عام متحف العين الوطني، الذي يقع على طرف واحة العين بالقرب من قلعة الشيخ سلطان بن زايد (أو الحصن الشرقي) في المجمّع نفسه ويعرض تراث المدينة وتاريخها الفريدين، حيث ينقسم المتحف إلى ثلاثة أقسام قسم الآثار وقسم الإثنوغرافيا وقسم الهدايا التذكارية ويقدم لمحة من مختلف أوجه الحياة في دولة الإمارات بمجموعات مثيرة للاهتمام من مقتنيات البدو كالمجوهرات والآلات الموسيقية والأسلحة ومجالس عربية أعيد بناؤها.
ويرجع تاريخ بعض المعروضات مثل تلك المستخرجة من قرن بنت سعود (12 كيلو مترا شمالي هيلي) إلى الألفيّة الأولى قبل الميلاد ويحتوي قسم الهدايا على مجموعة استثنائية من الهدايا التي تلقّاها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في حياته، التي تتضمن سيوفًا ذهبيّة وخناجر فضية ونخلة ذهبيّة وهناك بطاقات باللغتين العربية والإنجليزية لشرح القطع المعروضة.
وأشارت إلى أنه من هذه المتاحف كذلك متحف قصر العين الذي كان البيت السابق لمؤسس دولة الإمارات المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وكان مركزا للنشاطات السياسية والاجتماعية وبني في العام 1910 وتحوّل في عام 1998إلى متحف وكذلك قلعة المويجعي، فيما تعدّ قلعة الجاهلي المهيبة في مدينة العين واحدة من أهمّ المباني التاريخية في دولة الإمارات وبُنيت عام 1891 للدفاع عن المدينة وحماية مزارع النخيل الثمينة وتمّ تجديد القلعة بعناية وهي حاليا مقرّ المعرض الدائم لأعمال المغامر البريطاني السير ويلفريد ذيزيغر (الذي أطلق عليه السكان المحليون تحببا اسم "مبارك بن لندن") واشتهر بعبوره عام 1940 صحراء الربع الخالي.
وأكدت أن المنطقة الثقافية في السعديات تعد منطقة مخصصة للثقافة والفنون، مشيرة إلى أن هذا المشروع الثقافي الطموح العملاق سيشكل ملتقى للثقافة العالمية يستقطب الزوار محليا وإقليميا وعالميا من خلال مجموعة من المعارض الفريدة والمجموعات الفنية الدائمة والمنتجات وعروض الأداء المتنوعة التي تنظم على مدار العام وستطبع مبانيها بصمة مميزة على الفن المعماري في القرن الحادي والعشرين بما في ذلك متحف زايد الوطني واللوفر أبوظبي وجوجنهايم أبوظبي وستعمل هذه المتاحف بالتعاون مع نخبة من أبرز المؤسسات الفنية والثقافية المحلية والإقليمية التي تبنى في السعديات بما في ذلك جامعة نيويورك.
وأوضحت سلامة الشامسي أن هذه المشروعات المهمة التي ستشكل نقل نوعية بقطاع السياحة الثقافية تأتي لتحقيق الأهداف المنشودة لـ"رؤية أبوظبي 2030"، مشيرة إلى أن "متحف زايد الوطني" الذي يقف شامخًا وسط منطقة السعديات الثقافية سيفتتح في عام 2016 يروي من مكانه في أعلى نقطة في المنطقة الثقافية قصة تاريخ المنطقة من خلال استعراض سيرة حياة وشخصية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، (1918-2004) وتوحيده للإمارات العربية المتحدة تحت لواء واحد وروابطها الثقافية مع جميع أنحاء العالم.
وأوضحت أن أبرز القصص التي يسردها المتحف تتناول القيم الراسخة التي لطالما تمسك بها الشيخ زايد إلى جانب إيمانه العميق بضرورة الاهتمام بمجالات التعليم والحفاظ على العادات والتقاليد والاستدامة البيئية والتراث والثقافة انطلاقًا من حسه الإنساني العالي وإيمانه العميق، مشيرة إلى أن "متحف زايد الوطني" وجهة للجميع من دون استثناء لمواطني دولة الإمارات والمقيمين على أرضها و للزوار صغارهم وكبارهم للذين أمضوا حياتهم في زيارة أعرق المؤسسات الثقافية في العالم ولأولئك الذين يزورون المتاحف للمرة الأولى.
وأكدت الخبيرة في القطاع السياحي، آمنة عبدالله خوري، وجود اهتمام متنام ومتسارع من قبل السائحين القادمين إلى دولة الإمارات والمقيمين في الدولة بالتركيز على الأنشطة الثقافية والتعرف إلى المتاحف والمناطق الأثرية والمزارات الثقافية في إمارة أبوظبي مرجعة هذا الاهتمام الكبير إلى عاملين أساسيين الأول يتمثل في البنية القوية التي تمكنت إمارة أبوظبي من تكوينها قاعدة صلبة لسياحة ثقافية ناجحة من خلال زيادة عدد المتاحف الوطنية التاريخية والعالمية والثقافية وإبراز وتطوير المواقع الأثرية العديدة التي ترصد حضارة إمارة أبوظبي الضاربة في جذور التاريخ القديم والمعاصر، فيما يتمثل العامل الثاني في زيادة إقبال السائحين على هذا القطاع السياحي مع زيادة أعداد الراغبين في التعرف إلى تاريخ دولتنا الفتية التي أبهرت العالم بالنقلة الحضارية التي شهدته خلال العقود الماضية.
وأشارت إلى أن هناك العديد من مناطق الجذب السياحي المتنوعة في إمارة أبوظبي تجذب أعدادا كبيرة من السائحين سنويًا، حيث تشكل المتاحف والمراكز والمزارات الثقافية ركنًا أساسيًا وركيزة محورية للنشاط السياحي في الإمارة.
وأشارت آمنة عبدالله خوري، أنه إضافة إلى المتاحف العديدة والمتنوعة بالإمارة فإن هناك العديد من المراكز والمزارات الثقافية التي تثري السياحة الثقافية ومن أبرزها مسجد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي يعتبر أجمل المعالم الدينية ومن أهم الكنوز المعمارية في دولة الإمارات المعاصرة وأحد أكثر المعالم إبداعا وجمالًا في العالم، كما أن قرية التراث قرب كاسر الأمواج توفر للزوار لمحة عن نمط حياة البدو الذين كانوا يقطنون أبوظبي عندما يشاهدون مشاهد تجسد المخيمات الصحراوية التقليدية ومن بينها الخيام المصنوعة من شعر الماعز وموقد النار مع دلات القهوة العربية، حيث تعرض قرية التراث مشاهد لعملية استخراج الماء من الآبار القديمة ونظام الري ومشاهد لبيوت من الطين وقرى صيد السمك القديمة والأسواق العتيقة.
أرسل تعليقك