دبي - صوت الامارات
يقدم المخرج عمرو عرفة والمؤلف أيمن بهجت قمر، في فيلم "من 30 سنة"، عملاً يمكن وصفه بأنه مكتمل العناصر في الصناعة، على الرغم من أن طول مدته كان عيباً فيه، بسبب مشاهد وشخصيات كان من الممكن أن تكون أقل أو أكثر تكثيفاً، لكن هذا لا ينفي أن الفيلم "من 30 سنة" الذي طرح في عطلة العيد الأخيرة، يستطيع أن يجعلك تتابع كل تفاصيله من دون ملل، بل حالة التشويق والترقب والأداء المميز لأبطال العمل، من بينهم أحمد السقا وشريف منير ومنى زكي وميرفت أمين وغيرهم، كانت جزءاً من العوامل التي من السهل أن يكون الفيلم ناجحاً بسببها.
هذا الفيلم، الذي يدور في قالب تشويقي، ينقسم الى مراحل متعددة بسبب طول مدته، ومن الممكن اختصار تلك المراحل الى ثلاث قواعد انطلق منها شكل الفيلم كي يحقق العناصر الأساسية التي تتمثل بالبداية والحبكة والنتيجة، "العاطفة، التشويق، المفاجأة"، وبين تلك المراحل ثمة عقبات عديدة واجهت كل فرد له دور في الفيلم، اعطى عرفة لكل شخصية مساحتها بشكل متزن حيناً وبشكل مبالغ فيه أحياناً أكثر.
لكن الأكيد أن كل اسم ظهر في الفيلم ترك أثره الايجابي، من ناحية الأداء على الأقل، وبناء الشخصية الدرامي لها، فلم تظهر شخصية الا وكانت تؤدي دورها بشكل محترف، خصوصاً شخصية منى زكي التي لعبت دور شاعرة اسمها حنان البغدادي من الاسكندرية، ولتلك الشخصية الكثير لتقوله، والكثير لتكون جزءاً مهماً من كل مرحلة من مراحل الفيلم.
دائماً وأبداً ينساق الناس بمشاعرهم لصالح الفقير، وهذا الفقير سيكون عماد الذي أدى شخصيته الممثل أحمد السقا الذي ينتمي لعائلة ثرية أساس ثروتها التجارة بالسلاح، لكن تلك العائلة ظلمت أمه الطيبة وأعطتها من الإرث الفتات، فظل فقيراً مقارنة بأبناء خالاته وأخواله، فقرر أن يعتاش من الأدب، فهو يصف نفسه بالأديب، الذي يستغرب من عدم تحقيق كتاباته المتعلقة بالنقد شهرة عالمية، ومع المشهد الأول الذي يعرف نفسه من خلاله، تدرك أنك ستعيش تفاصيل الفيلم من رواية قرر أن يكتبها، المشهد الأول الذي بدأ من نافذة مطلة على شارع، مفتوحة مع هواء عليل يحرك الستائر، كان كفيلاً بتحريك مشاعر المشاهدين بأنهم سيستمتعون بفيلم نجح من اللقطة الأول بتصدير مشهد بصري فني متكامل. فمن صوت عماد وتلك الغرفة الجميلة، بالرغم من فقرها، وأوراق كثيرة ومرآة يجلس أمامها، تبدأ الانتقال مع حكايته، وقد عاد ابن خاله عمر، الذي أدى دوره شريف منير، من بريطانيا والسمعة التي سبقته أنه عاد مليارديراً، وهو الآخر من الذين ظلموا من قبل العائلة في توزيع الإرث.
لعنة المال هي عنوان القصة الرئيسة في الفيلم، حيث يستخدمها عمر أكثر من مرة في حديثه، بعد أن عاد ولاقى استقبالاً حافلاً من قبل عائلته التي كانت تنبذه يوماً، وبالرغم من ثرائهم الا أنهم يتمنون أن يكون لهم نصيب من أمواله، خصوصاً رشا ابنة عمه التي رفضت حبه في الماضي بسبب فقره، والتي مازلت معتدة بنفسها أنها ستوقعه في شباكها مرة اخرى، وقد أدت دورها الممثلة نور، بعد غياب ست سنوات عن السينما منذ فيلم (ميكانو).
قصة ثراء عمر، التي نقلها بعد سرد لمعاناته في بريطانيا عندما بدأ عمله كحمال حقائب في فندق كبير، وثقة صاحب الفندق به، وهذه الثقة هي التي جعلته ثرياً، لكنه على يقين أن تلك الأموال لعنة، لأنها حرمته من الانجاب بعد ثلاث زيجات فاشلة، وأنه على يقين أن من يرث هذا المال يجب أن لا يكون من صلبه، لذلك قرر توزيع ثروته على أفراد عائلته وهو على قيد الحياة، وستبدأ مع تلك القصة التعرف الى أفراد العائلة فرداً فرداً، ستتعرف الى قصصهم، وستدخل أكثر الى طريقة تفكيرهم، ستدرك أن المشاعر العاطفية لا مكان لها أمام سطوة المال، وقد تتلخص بجملة قالها هاني، الذي أدى دوره نبيل عيسى، "احنا منبيع الموت"، كناية عن تجارة عائلته بالسلاح، ومن يتاجر بالسلاح كيف سيكون لديه عاطفة حتى لو كان السلاح لصيد الحيوانات، هاني هو ابن الخالة نجوى التي أدت دورها ميرفت أمين، يعاني يأساً بسبب أمه المتصابية التي أحبت صديقه، ما جعله أضحوكة أمام اصحابه، فلجأ الى المخدرات والكحول لينسى كل هذا الذل. في المقابل، هناك حسن الذي أدى دوره صلاح عبدالله، وهو أب نهى التي أدت دورها جميلة عوض، وسليم الذي أدى دوره محمد مهران، نهى وسليم اللذان يعيشان اصعب أوقاتهما بسبب خيانة زوجيهما لهما مع بعضهما بعضاً، يحاولان طوال الوقت أن يبحثا عن العاطفة مع أب لا يهمه سوى استعادة النقود من نسبائه الذين غدروا بأبنائه، وهنالك نبيلة التي أدت دورها رجاء الجداوي التي تعتبر الأكبر في العائلة، وتعيش الزهايمر بسبب تقدم عمرها، ووالد رشا الذي أدى دوره أحمد فؤاد سليم.
ويكاد يكون مصطلح اللعنة الذي يكرره عمر بعد سرد قصته هو مربط وحبكة الحكاية، وتبدأ بأن المال الذي ورثه ما هو الا لعنة، ومع ذلك يتقرب منه أقرباؤه لينالوا حصتهم، ولكن وبعد مرور الأحداث تبدأ بالفعل بتصديق تلك اللعنة، فبدل أن يقوم عمر بتوريث ماله الى اقربائه، وعددهم تسعة، تظهر شخصية يتصادف معها عمر كل فترة وهي أقرب الى الشخصية الفقيرة المتنبئة، ويقول له "ستقتل تسعة"، ومن تلك الجملة تبدأ خيوط الفيلم بالظهور أكثر وأكثر، خصوصاً بعد أن تشهد موت كل فرد في العائلة بطريقة غريبة.
عنصر المفاجأة كان حاضراً في الربع الأخير من الفيلم، خصوصاً مع تفادي الموت لشخصية عمر وشخصية عماد التي تتعاطف معها منذ البداية وتشعر بالظلم الذي وقع عليها، لكن فقر حال الشخصيتين المادي وظلم العائلة لهما في توزيع الإرث، بدأ يخلق الشكوك من قبل المشاهدين، حتى بعد أن سافر عماد وترك عمر، والجواب لن يكتمل الا بنهاية الفيلم، التي تعتبر حقاً مفاجأة غير متوقعة، وهذا شيء يحسب لصناع الفيلم، في مثل هذه النوعية من الأفلام العربية، حين يتوقع المشاهدون النهاية منذ منتصف الفيلم، لكن حالة التشويق بالرغم من تسلسل منطقي للأحداث أخّرت التوقعات، ومع شخصية حنان تكتمل نهاية الفيلم.
أرسل تعليقك