رغم أننا نعيش عصراً يتسم بازدهار استخدام الناس لوسائل الإعلام الجديد، إلا أن الأفلام السينمائية التي تناولت الموضوع محدودة للغاية، قد يكون السبب في ذلك أن التقنية تتطور بسرعة كبيرة، ما قد يجعل مادة فيلم ما تبدو عتيقة بمرور بضع سنوات فقط، وبالتالي تكون مثاراً للسخرية.
فمثلاً فيلم "الشبكة" عن مبرمجة كمبيوتر تجد نفسها وسط مؤامرة. الفيلم كان في 1995، وعندما شاهده الناس بعد خمسة أعوام سخروا منه، لتقنياته البدائية، وبالتأكيد هو اليوم قد لا يصلح للمشاهدة إلا لهؤلاء الذين يحنون إلى الماضي.
وهناك أيضاً مشهد لتوم كروز في فيلم "مهمة مستحيلة"، الجزء الأول 1996، يرسل بريداً إلكترونياً، لكن الذي كتبه وظهر على الشاشة لا علاقة له بالبريد الإلكتروني، لأن المراسلات الإلكترونية وقت صدور الفيلم لم تكن منتشرة، ومن سيشاهد تلك اللقطة اليوم سيضحك عليها بشدة.
فيلم (Nerve) أو "عصب" هو آخر تلك الأفلام التي تتناول تأثير التقنية في حياة الناس "نعم، سيكون مصيره كالأفلام المذكورة آنفاً بعد مرور خمس سنوات أو أكثر". الغريب أنه يأتي متزامناً مع جنون لعبة "بوكيمون جو" المنتشرة في كل أنحاء العالم.
الفيلم مقتبس من رواية لجيان رايان، وهو عن فتاة مراهقة مهمشة، تدعى فينوس (إيما روبرتس)، تتعرض لضغوط من أصدقائها للانضمام إلى لعبة "نيرف" الشعبية على الإنترنت، التي تطلب من المشاركين فعل تحديات تتطلب الكثير من المجازفة، وقد يصل الأمر ببعض اللاعبين إلى المخاطرة بحياتهم. عندما تأخذ لعبة "نيرف" في التصعيد باتجاه منحى شرير، تجد فينوس نفسها أمام خيارات صعبة، قد تؤثر في مستقبلها.
لعبة "نيرف" تطلب من المستخدم فعل شيء به مجازفة، وتكافئه على عمله بمبالغ مالية، وكلما ازدادت خطورة الطلب ارتفعت معه قيمة المكافأة المالية، وعدد المتابعين، حيث يصبح الأمر مزيجاً من الطمع والإدمان.
مادة الفيلم دسمة ومتشعبة، وهي الشغل الشاغل للناس في عالم اليوم، فنحن في العالم العربي لسنا بمعزل عما يحدث في المناطق الأخرى من العالم، وتأثير ما يعرف بوسائل التواصل الاجتماعي ـ أو دعونا نختر تسمية أدق وهي "وسائل التظاهر الاجتماعي" ـ أصبح مهيمناً على المجتمعات التي تعيش في الدول المتطورة والنامية على حد سواء.
فمثلاً، لو أخذنا دولة الإمارات كمثال، سنجد أن المستخدم المراهق لتلك الوسائل يفعل التصرفات والسلوكيات نفسها التي يفعلها نظيره في السن في الولايات المتحدة، ما يعكس التقارب في مستوى التفكير. المتفحص لحسابات "إنستغرام"، و"سناب شات"، وهي الأكثر شعبية بين أفراد تلك الفئة، يجد فيها الكثير من التهريج، وإصرار صاحب الحساب على تسفيه نفسه، طمعاً في زيادة أعداد متابعيه الذين يصفقون له ويمنحونه نقرات الإعجاب (لايك) كلما ازداد حماقة في تصرفاته. هذه الفئة ليست محصورة في الإمارات، بل نجدها منتشرة في بقية دول الخليج، وحتى أميركا، كما يوضح لنا الفيلم.
فيلم "نيرف" هو عن تلك الفئة تحديداً التي تعيش في المجتمع الأميركي، قد يجد المشاهد في الفيلم الكثير من المبالغة، لكن الذي قرأ أخبار تأثير لعبة "بوكيمون جو" على الناس سيتقبل مبالغات الفيلم. ورغم محاولات صانعي الفيلم (أخرجه هنري جووست وأيريال شولمان) تهويل تأثير اللعبة، إلا أنهم وقعوا في أخطاء عدة، لا نقول ذلك تقليلاً من جهودهم، لكن كان بالإمكان تلافيها.
هناك تعميم في الفيلم بأن جميع الآباء غافلون عن مراقبة أبنائهم، والنموذج الذي اختاره الفيلم لعرض القضية قد لا يكون مناسباً، والسبب أنه اختار أسرة متعلمة. الأم (جولييت لويس- جميل جداً تحول لويس من دور الابنة في تسعينات القرن الماضي إلى دور الأم الآن)، تعمل في مستشفى، وابنتها بطلة الفيلم في سنتها الأخيرة في المدرسة الثانوية، حيث تظهر الأم غافلة، ونوعاً ما لا تفقه في التقنية، بينما نحن نشهد أن الآية مقلوبة في الكثير من العوائل هنا، حيث نجد الوالدين مدمنين لوسائل التظاهر الاجتماعي أكثر من أبنائهما!
نقطة أخرى هي أن إيما روبرتس لا توحي بأنها مراهقة (25 عاماً)، ولا رفيقها في الفيلم (يجسده ديف فرانكو وعمره 31)، وكان الأفضل جلب ممثلين مراهقين للدورين معاً، إذ ظهر كومبارس الفيلم المشكل من مجموعات من المراهقين أصغر سناً من البطلين.
ونتساءل: ما الذي يجعل صانعي الفيلم يصرون على حصر الأحداث في مدينة نيويورك فقط، وكأن الولايات الأخرى في أميركا أو حتى دول العالم في معزل عما يحدث! لعبة مثل "نيرف" مجنونة، وتأثيرها كان سيأخذ العالم إلى حافة الهاوية، خصوصاً في الدول التي بها نسبة شباب عالية.
الفيلم يبدأ بطريقة غبية بصورة ممتعة، ثم يتحول في النهاية إلى متعة بصورة غبية! أي أن المشاهد سيستمتع بانجراف الشخصيات غير المبرر خلف لعبة تطلب منهم تسفيه أنفسهم، قبل أن يبدأ في الاستنساخ بامتياز من أفلام أخرى، أبرزها (The Hunger Games ) أو ألعاب الجوع كمثال.
"نيرف" أو "عصب" قد يفقد المشاهد أعصابه في المشاهد الأخيرة، عندما تهزم التقنية المنطق بأن تصبح فتاة مهمشة أشبه ببطلة قومية في عالم يشبه عالم فيلم "الهروب من نيويورك".
أرسل تعليقك