365 يوماً مليئة بالغيوم، والأرقام المخيبة للطموحات، والتحذيرات المتشائمة؛ ليكون 2019 شاهداً على أسوأ أداء سنوي منذ الأزمة المالية العالمية، ويعتبر هذا الأداء بمثابة إشارة على قرب توديع الاقتصاد العالمي سنوات متتالية من التعافي، وهو ما بدأ يلوح في الأفق مع نهاية 2018 مع حقيقة أنه كان كذلك العام الذي قامت خلاله البنوك المركزية الكبرى بالابتعاد عن السياسات التحفيزية رويداً رويداً.
لكن هذه الإشارات تحولت إلى واقع فعلي بمرور الوقت يتجسد في تباطؤ ملحوظ في النشاط الاقتصادي؛ ليرفع الجميع راية التحذير من عاصفة الركود الاقتصادي، الأمر الذي دفع البنوك المركزية العالمية بقيادة مجلس الاحتياطي الفيدرالي لتبديل موقف سياستهم النقدية من التشديد إلى التيسير.
وفي العام الذي شارف على الانتهاء، تعززت تلك الإشارات ليتعرض الاقتصاد العالمي إلى كبوات جمة، دفعت المراقبين الدوليين إلى خفض تقديرات نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي مرات عدة حتى باتت رؤيتهم الأخيرة تتمثل في أن 2019 سوف يسجل أقل مستويات نمو منذ 10 سنوات مضت.
وتكمن تلك الكبوات في قضايا شائكة لا تزال قائمة بالفعل؛ كالاحتكاكات التجارية مع عدم اليقين السياسي أو الجيوسياسي بالإضافة إلى موقف السياسة النقدية، وتعتبر الخلافات الجيوسياسية بمثابة محرك رئيسي للاقتصاد والأسواق على الصعيد العالمي، مع تصدر التوترات بين الولايات المتحدة والصين المشهد وإن كان هناك بعض التهدئة من حين لآخر، إضافة إلى عدم اليقين بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفقاً لبلاك روك.
ولا يمكن إنكار حقيقة أن المخاطر ذات الصلة بالبريكست ألقت بظلالها السلبية على المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي معاً في هذا العام وسط عدم اليقين الذي ألحق الضرر بالنشاط الاقتصادي، ولم يكن تباطؤ النمو الاقتصادي مسألة مقتصرة على اقتصاديات بعينها، لكنه امتدت إلى كافة أنحاء العالم مع حقيقة أن الانكماش الاقتصادي أصاب دول مثل ألمانيا وهونج كونج وغيرهما الكثير.
وفي غضون أربع مرات متتالية، خفض صندوق النقد الدولي تقديرات النمو الاقتصادي العالمي خلال عام 2019 من 3.5 بالمائة إلى 3 بالمائة والتي من شأنها أن تكون أدنى وتيرة نمو منذ الأزمة المالية العالمية، ويرجع الصندوق الدولي الضعف في النمو - الذي كان وراء تلك المراجعات بالخفض - إلى التدهور الحاد في النشاط الصناعي والتجاري العالمي مع التعريفات الجمركية المرتفعة إضافة إلى عدم اليقين الذي يُدمر الاستثمار والطلب على السلع الرأسمالية.
وتراجع مؤشر مديري المشتريات الصناعي والخدمي في دول كثيرة هذا العام دون مستوى 50 نقطة، وهو الحد الفاصل بين التوسع في النشاط وانكماشه، ويعتقد كذلك صندوق النقد أن صناعة السيارات التي شهدت تراجعاً في الأداء بسبب مجموعة من العوامل؛ كالاضطرابات الناجمة عن معايير انبعاثات الوقود الجديدة في منطقة اليورو والصين، كانت ذو آثار سلبية دائمة على الوضع الاقتصادي بشكل عام.
ولعبت السياسة النقدية دوراً كبيراً في دعم الاقتصاد العالمي وتقليل المخاطر الهبوطية على النمو، إلا أن بيئة معدلات الفائدة المنخفضة للغاية إضافة إلى التحول للنطاق السالب في بعض الحالات يعني أن البنوك المركزية باتت تفتقر لما يمكن أن تفعله، ومن الجدير بالملاحظة أنه مع حقيقة وجود معدلات الفائدة عند مستويات متدنية بالمعايير التاريخية، فإن المساحة تبدو محدودة أمام صناع السياسة لمواجهة المأزق الاقتصادي أو تحفيز النمو في ظل نفاد أدوات البنوك المركزية.
وتعتبر البنوك المركزية في موقف ضعيف للغاية ولا تستطيع فعل المزيد، وفقاً لما يقوله المستشار الاقتصادي في مجموعة أليانز العالمية "محمد العريان"، وتواصل الاقتصادات المتقدمة التباطؤ صوب أدنى إمكانياتها على المدى الطويل، حيث خفض صندوق النقد تقديراته في تلك الدول إلى 1.7 بالمائة خلال عام 2019 مقارنة مع 2.3 بالمائة المسجلة في العام السابق.
وتنجح تلك الدول في الصمود بسبب ظروف سوق العمل القوية وتحفيز السياسة النقدية؛ كونهما يصلحان ما أفسده الطلب الخارجي الأضعف، وبالنسبة للنمو داخل الأسواق الناشئة والاقتصاديات النامية، فشهد تعديلاً كذلك بالخفض إلى 3.9 بالمائة في العام الحالي مقارنة مع 4.5 بالمائة المسجلة في عام 2018.
وبحسب نموذج تقييمات المؤسسة البحثية "أكسفورد إيكونوميكس" والذي يرصد أداء 200 دولة حول العالم، فإنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنحو 2.5 بالمائة في عام 2019، وهي القراءة التي من شأنها أن تكون الأضعف منذ عام 2009،وفي رسالة جديدة تأكيدية على هذا الوضع غير المريح هذا العام، قررت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هي الأخرى تقليص توقعاتها للنمو العالمي منذ الأزمة المالية العالمية عند 2.9 بالمائة.
ويأتي الخفض هذه المرة وسط قلق أكبر حيال فشل الحكومات في التغلب على التحديات العالمية كتغير المناخ ورقمنة الاقتصاديات إضافى إلى استمرار حالة عدم اليقين بشكل مرتفع،ولم يكن الوضع أفضل حالاً على صعيد تهديد الديون العالمية كونها تتراكم يوماً بعد يوم منذ عام 2008 وتضغط على الاقتصاد العالمي.
وبلغ الدين العالمي 250.9 تريليون دولار في غضون أول ستة أشهر من عام 2019 لكن يتوقع أن يكسر حاجز الـ255 تريليون دولار بحلول نهاية العام، طبقاً لحسابات معهد التمويل الدولي، ويقف الدين العالمي عند مستوى 320 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو الأمر الذي يفاقم من المخاوف حيال التعثر عن السداد.
كما أن ديون الشركات العالمية تُنذر بخطر آخر، بحسب صندوق النقد، حيث يتكالب المستثمرون على هذا السوق رغبةً في تحقيق عوائد أعلى عبر الأصول ذات المخاطر المرتفعة في ظل بيئة معدلات الفائدة المنخفضة للغاية، ويُشكل تغير المناخ عبئاً إضافياً على الاقتصاد العالمي، حيث تشير دراسة حديثة أجرتها وحدة المعلومات الاقتصادية إلى أن هذه القضية قد تؤدي إلى خفض قدره 3 بالمائة في النمو في غضون الثلاثين عاماً القادمة.
قــــــد يهمــــــــــك أيضًـــــا:
عضو بالمجلس الاحتياطي الفيدرالي يطالب بعدم تحريك الفائدة الأميركية في 2020
دونالد ترامب يضاعف هجماته على المجلس الاحتياطي الفيدرالي وعلى بكين
أرسل تعليقك