تدخل دولة الإمارات العام الجديد 2020، مستكملة منظومتها التشريعية المالية والاقتصادية، بقانوني «الإفلاس» الذي دخل حيز التنفيذ فعلياً، ويختص بالشركات والمستثمرين، و«الإعسار» الذي يبدأ العمل به مطلع يناير 2020، ويتعلق بالأفراد.ويهدف القانونان إلى خدمة مصلحة كلٍّ من «الدائن» و«المدين»، عبر تشريعات قوية تحمي حقوق الأول، ونصوص قانونية واضحة وشفافة تفتح الفرصة أمام الثاني لتنظيم شؤونه المالية، وجدولة ديونه، ما يوفر بيئة استثمارية لا يتردد المستثمرون في دخولها، واعتبارها إحدى المناطق الآمنة للاستثمار دون مخاطر، و«خروجاً آمناً» للمستثمر من السوق، أو الاستمرار بمزاولة النشاط في حال نجاح عملية إعادة الهيكلة وسداد الديون.
وأكدت وزارة المالية حرص دولة الإمارات على تبني أفضل الممارسات والمعايير الجاذبة للاستثمار، موضحة أن الإفلاس لا ينتج بالضرورة عن تقصير أو فساد مالي أو إداري في الشركة، ذلك أن معظم حالات الإفلاس تنتج عن عوامل السوق والعرض والطلب، وارتفاع كلفة الإنتاج مع اختلال في عوامل المنافسة. وشددت «المالية» على أن إقدام شركات عالمية كبرى على فتح إجراءات الإفلاس أمر صحي وبديهي للغاية في الدول المتقدمة.
وجاء قانون الإفلاس، الصادر بموجب المرسوم الاتحادي رقم (9) لعام 2016، مبنياً على أفضل الممارسات الدولية، والمبادئ القانونية والاقتصادية الحديثة والمتطورة، التي تميزه عن بقية القوانين المرادفة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وتتناسب مع النظام التشريعي للدولة. وتكمن أهمية القانون في تلبية طموحات الحكومة لتحقيق «رؤية الإمارات 2021»، وفي كونه ضرورة للاقتصاد الوطني، من خلال إسهامه بدرجة كبيرة في حماية حقوق الأطراف دائنين ومدينين، ويساعد على توفير فرص جيدة لاستمرار أعمال الشركات التي تمر بظروف مالية صعبة. ويعمل القانون، أيضاً، على رفع مستوى الائتمان والضمان المالي، من خلال تعزيز الثقة لدى المستثمرين وتحريك عجلة اقتصاد الدولة، وتشجيع أصحاب رؤوس الأموال الذين يبحثون عن مناخ آمن للاستثمار بتوجيه استثماراتهم إلى الدولة.
أما قانون الإعسار الصادر بموجب المرسوم الاتحادي رقم (19) لعام 2019، فجاء ليؤكد المكانة الريادية للدولة، إذ يندر وجود تشريعات مستقلة تعالج مسألة إعسار الشخص الطبيعي، من خلال تشريع مستقل متخصص، رغم أهمية ذلك.
ومن المتوقع أن يؤدي وجود قواعد متخصصة، تحكم حالة إعسار الشخص الطبيعي، إلى زيادة الشفافية حول معاملات سداد الديون المدنية، وزيادة الضمان العام للمعاملات المالية، وبالتالي تعزيز الاستقرار المالي في الدولة. كما يتوقع أن يزيد التشريع الجديد سرعة النمو، ويُسهل على الأفراد فرصة الحصول على القروض، إذ تصبح هناك قواعد واضحة سهلة التطبيق، لتحصيل الديون المتعثرة وإعادة تأهيل الوضع المالي للمدين، ما يزيد من ثقة البنوك الدائنة بعمليات إقراض الأفراد، ويشجع الأفراد على الإقبال على الاقتراض المدروس المخاطر.
«الإفلاس»..حامي الشركات وجاذب الاستثمارات
قال وكيل وزارة المالية، يونس حاجي الخوري، إن عملية إعداد القوانين المعنية مرت بمراحل تشريعية عدة، إذ تم عرض مشروع كل قانون على جهات متخصصة في الدولة، لمناقشة مسودة القانون وإجراء التعديلات التي يتم الاتفاق عليها قبل صدوره.
وأضاف: «كانت بداية إعداد المسودة الأولى، من خلال استشارة مكاتب محاماة متخصصة ومعتمدة، أعدت بدورها مسوّدة تستند إلى الآليات المتبعة في التشريعات الحديثة، والمفاهيم المتطورة في مجال الإفلاس، لاسيما من حيث ترك الفرصة لإمكانية إعادة هيكلة مديونية (المدين)، وإمكانية حصوله على تمويل، على الرغم من تعرضه لإجراءات الإفلاس، وإعادة الهيكلة، أو إجراءات التسوية المالية في قانون الإعسار».
وأكد الخوري أنه تمت دراسة تلك المسوّدات الأولية من قبل متخصصين، فضلاً عن دراستها من حيث المواءمة بينها وبين التشريعات السارية في الدولة، مع ضمان الاحتفاظ بمواكبتها للتطور التشريعي الدولي، والتأكد من مواكبة القانون للمعايير التي يتطلبها التطبيق الدولي، خصوصاً المعايير التي يضعها البنك الدولي. كما تمت مناقشة المسودات مع اللجان المتخصصة لدى الجهات الحكومية المحلية والاتحادية، التي تدرس القوانين بناء على استشارة الجهات المحلية الحكومية والخاصة.
قانونان جديدان
أوضح الخوري أنه في ما يتعلق بتطبيق النماذج الغربية على الوضع في المنطقة، ودولة الإمارات تحديداً، فإن المرسوم بقانون بشأن الإفلاس، والمرسوم بقانون بشأن الإعسار، لا يبتعدان كثيراً عن التشريعات السارية في الدولة، فقانون الإفلاس مثلاً تضمن العديد من الأحكام المنصوص عليها في قانون المعاملات التجارية، في وقت يعتبر فيه القانونان من القوانين الجديدة تماماً، من حيث تركيبتهما، وطريقة عرضهما للحلول.
«الدائن» و«المدين»
وتابع: «وفي كل الأحوال، هدف هذين القانونين هو خدمة مصلحة (الدائن) و(المدين)، فالدائن يحتاج إلى تشريعات قوية تضمن النفاذ وحماية حقوقه، وعدم بيع أموال المدين بطريقة مجحفة في حقه، وبسعر أقل من السوق، حتى لا يؤدي ذلك للانتقاص من تحصيل دينه. أما بالنسبة للمدين، فهو يحتاج إلى قانون يضمن المرونة، ويتضمن نصوصاً قانونية واضحة وشفافة تفتح الفرصة له كي ينظم شؤونه المالية، ويجدول الديون التي تراكمت عليه، ويضع خطة لتسوية تلك الديون كي يعرضها على الدائنين، وتسوية الدين خلال مهلة معقولة. وبالتالي، فإنه وفي حال وجود قانون يضمن هذا التوازن، فإن ذلك يخدم المجتمع ككل، خصوصاً جذب الاستثمارات التي تقدم التمويل للمشروعات الاقتصادية والأشخاص. وهو أمر لابد أن يساير التطور الدولي، وما يألفه المستثمرون من أحكام، حتى لا يترددوا في دخول أسواق الدولة، واعتبارها إحدى المناطق الآمنة للاستثمار دون مخاطر».
مساعدة الشركاتوعن مدى إلزام قانون الإفلاس للحكومة بمساعدة الشركات مالياً، بيّن الخوري أن قانون الإفلاس لا يتعلق بتقديم مساعدة مالية للشركات المتعثرة، بل وجد لتنظيم حالة تعثر تلك الشركات، ووضع ضوابط وإجراءات قانونية لضبط تلك الحالة، وضمان حقوق الدائنين، مع ترك الفرصة للمدين لإعادة تنظيم التزاماته المالية وفق إطار قانوني محدد، وبالتالي لا يتضمن ذلك تدخل الحكومة لتقديم مساعدات مالية.
حقوق الدائنين
ورداً على سؤال يتعلق بإعفاء الشركات من الالتزامات المترتبة عليها من حقوق موظفين ودائنين، في حال دخولها تحت مظلة قانون «الإفلاس»، قال الخوري: «لا يؤدي دخول الشركة في حالة الإفلاس إلى إعفائها من سداد ما عليها من ديون والتزامات وحقوق للغير، سواء كان موظفاً في الشركة أو أحد مزوديها بالخدمات والبضائع. أما بالنسبة للموظف الذي يعمل لدى مؤسسة تدخل حالة الإفلاس، فإن له معاملة خاصة، إذ يعتبره القانون (دائناً صاحب امتياز) له أولوية لتحصيل حقوقه قبل غيره من الدائنين العاديين، وهذه المعاملة الخاصة المضمونة، تهدف إلى تشجيع العامل على مواصلة الإنتاج في المؤسسة التي تدخل حالة مالية صعبة، وذلك كجزء من إسهامه في إعادة هيكلة مديونية الشركة، ومواصلة خطوط الإنتاج فيها، حتى تتمكن من سداد ديونها خلال المدة التي يتفق عليها في خطة إعادة الهيكلة»
قــــد يهمـــــــــك أيضًــــــــــا:
الأمم المتحدة والبنك الدولى يُشيدان بفرص التنمية الشاملة فى العالم العربى
السعودية تقترح تعزيز مشاركة القطاع الخاص لتمويل خطة الأمم المتحدة
أرسل تعليقك