لندن ـ ماريا طبراني
كشف عدد من أثرياء العالم، عن أنهم ليسوا سعداء بما حققوه من ثروات ويتطلعون إلى المزيد، وأن الحصول من خلال المنصب التنفيذي على الكثير من الثروات ليس بأمر مفيد، وأن القيمة بالنسبة للأغنياء هي الدخل النسبي، فإذا تم دفع 5% للمديرين التنفيذيين في المستويات الحالية، فلن تصبح المنافسة بينهم أقل شراسة. وأكد الرئيس التنفيذي السابق لبنك "باركليز"، بوب دايموند، أنه "لم يفعل أي شيء من أجل المال،
ولم يضعه كهدف بالنسبة له، ولكنه كان نتيجة"، في تصريحات تبرر أنه وغيره من أبناء طبقته، واعتذاراتهم التي لا تعد ولا تحصى في الحكومة ووسائل الإعلام، يقدمون مستويات سريالية من الأجر لتحفيز العمل الجاد والموهبة، والوضع الاجتماعي، والسلطة بالنسبة لهم هي حوافز كافية.
وعلق أحد الأثرياء، وهو اتش أل هانت، منذ عقود عدة، أن "المال هو مجرد وسيلة لحفظ النتيجة"، فيبدو أن الرغبة في التقدم على هذا المستوى نهم دائم، ففي أذار/مارس نشرت مجلة "فوربس" مقالًاً عن رجل الأعمال الأمير السعودي الوليد بن طلال، مثل بقية الأمراء السعوديين، يرجع الفضل في الحصول على مثل هذه الثروة إلى العمل الشاق والمشاريع، حيث قال أحد موظفي الأمير السابقين، لقائمة الأثرياء العالمية في مجلة "فوربس"، "كيف يريد أن يحكم العالم على نجاحه أو مكانته، والنتيجة هي ربع قرن من الضغط المتقطع، والتهديد عندما يتعلق الأمر بالقيمة الصافية في القائمة"، فيما كتبت الباحثة المسؤولة عن حساب ثروته، في العام 2006، "عندما قدرت (فوربس) أن ثروة الأمير كانت في الواقع بقيمة 7 مليار دولار، وهي قيمة أقل مما قال، وبغض النظر عن أنه يمتلك الطائرة (747) الخاصة ليجلس على العرش أثناء الرحلة الجوية، وأن القصر الرئيس مكون من 420 غرفة، وعن أنه يمتلك متنزهًا خاصًا وحديقة حيوان، ويدعي أنه يمتلك مجوهرات قيمتها 700 مليون دولار، وهو أغنى رجل في العالم العربي، وتقدر قيمة ثروته من قبل مجلة (فوربس) بـ 20 مليار دولار، وشهدت ثروته زيادة تقدر بـ 2 مليار دولار في العام الماضي، إلا أنه لا شيء من هذا يكفي، ليس هناك مكان لوصوله، ولا يوجد هبوط سعيد، حتى في طائرته الجامبو الخاصة، لأن سياسة الحسد لا يوجد حرص عليها بين الأثرياء".
ويبدو في الفيلم الوثائقي الرائع لورين غرينفيلد "The Queen of Versailles "، أن ديفيد سيغل قد تخلى عن كل مباهج الحياة، لأنه يواجه خسارة تاجه الملكي، وأنه لا يزال يستحق مئات الملايين ولا يزال لديه زوجة عاشقة وأطفال، كما أنه لا يزال يبني أكبر منزل خاص في أميركا، ولكن عند بيع ناطحة السحاب التي تحمل اسمه وترمز له، غرق في الاكتئاب وجلس وحيدًا في السينما الخاصة به، وهو يفتش بقلق شديد في القطعة نفسها من الورق، كما لو أنه سيجد في مكان ما بينهم المفتاح لاستعادة ثروته، في حين رفض الانخراط مع عائلته، كما لو كان مستعدًا لتدمير نفسه بدلاً من تفقد "البرج الغبي".
من أجل منح الأغنياء هذه المتع، يجب إعادة تكوين العقد الاجتماعي، حيث يتم تفكيك دولة الرفاهية، ويتم قطع الخدمات العامة الأساسية بحيث يدفع الأغنياء ضرائب أقل، ويتم خصخصة الممتلكات العامة، ويتم التخلي عن لوائح التقييد للأثرياء والشركات التي يسيطرون عليها، فيما يبرر الساسة هذه التغييرات عندما لا يقرأون الحجج الزائفة بشأن العجز، مع حوافز المشاريع التي يقومون بإنشائها، ويكمن الوعد أو التلميح وراء ذلك بأنهم سيكونون جميعا أكثر سعادة وأكثر شعورًا بالرضا نتيجة لذلك، ولكن هذه الإجراءات الطائشة، والتي لا معنى لها، لا يمكن أن ترضي حتى المستفيدين منها، ربما باستثناء الرجل المتذبذب الذي يجلس أعلى المباني الضخمة.
وينطبق الأمر نفسه على النمو الجماعي، فالحكومات اليوم ليس لديها رؤية، ولكن هناك نمو اقتصادي لا نهاية له، ولا يتم التحكم فيه من قبل عدد الموظفين، ناهيك عن عدد الناس في الوظائف الممتعة، وليس عن طريق سعادة السكان أو حماية العالم الطبيعي، فعالم الفرص الخالية للعمل والنمو الغذائي في العالم على ما يرام، طالما هناك نمو ولا يوجد نهايات بعد الآن، هناك معاني فقط.
ولاحظ روبرت وادوارد سكيدلسكي، في كتابهما المثيرة للاهتمام، "How Much is Enough"، أن "الرأسمالية تقع بالضبط على هذا التوسع الذي لا نهاية لها من الأهداف والمطالب، ولهذا السبب ورغم جميع النجاحات، فإنه لا يزال مكروهًا، لقد تم إعطاءنا الثروة من دون حساب، ولكن أخذ منا الهدف الرئيس من الثروة، وهو الوعي بوجود ما يكفي وتلاشي جميع الغايات الجوهرية التي تتركنا أمام خيارين: إما أن تكون في المقدمة أو في الخلف، فالنضال الموضعي هو مصيرنا".
وأشاروا إلى أن الدول التي لديها أطول ساعات عمل (الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا)، في الرسم البياني لدول OECD منظمة التعاون والتنمية والذي نشر في الكتاب، هي التي يوجد بها أكبر تفاوت، وهي أيضًا أدنى ثلاثة دول في مستويات الحراك الاجتماعي.
ويمكن استخلاص أربعة استنتاجات، الأول هو أن عدم المساواة في الواقع يشجع الناس على العمل بجدية أكبر، كما يقول الليبراليون الجدد: كلما كانت الفجوة أكبر ، كلما سعى المزيد من الناس لمحاولة إغلاقها، أو ربما لأن المزيد من الناس، الذين إغراقهم الفقر والديون، أصبحوا أكثر يأسًا. ويقول تفسير بديل إن عدم المساواة الاقتصادية والسياسية دائمًا مرتبطان، ففي الأمم الأكثر تفاوتًا، أصاب العمل قادرون على دفع العاملين لديهم للعمل بشكل أكبر، أما الملاحظة الرابعة هي أن التفاوت في العمل الشاق قد يحفز على عدم إغلاق الفجوة ولا يعزز الحراك الاجتماعي، ولكن على ما يبدو، أنها لا توافر لنا بشكل جماعي، أي ثراء، حيث يحصل الهولنديون على متوسط 42 ألف دولار للفرد الواحد على 1400 ساعة في السنة، والبريطانيون على 36 ألف دولار مقابل 1650ساعة، ويظهر عدم المساواة والتنافس وهاجس الثروة والترتيب إلى أن كل ذلك يعمل على زرع اليأس، فلا يمكننا الارتفاع فوق هذا؟ ويجب أن يكون الهدف الرئيس لأي دولة غنية الآن هو قول: "هذا يكفي بالفعل".
أرسل تعليقك