في الوقت الذي مازالت تخيم فيه أجواء عدم اليقين والضبابية على آفاق الاقتصاد العالمي للسنوات الثلاث المقبلة، بسبب هشاشة النمو في الاقتصادات المتقدمة والأوضاع الاقتصادية غير المواتية في العديد من الاقتصادات المتقدمة وكذلك الاقتصاد الصيني، رسم الاقتصاد الهندي طريقاً مغايراً له ليحافظ على وتيرة نموه المتسارعة التي تعد الأعلى بين الاقتصادات الصاعدة، ليحقق هدفه المنشود بأن يصبح خامس أكبر اقتصادات العالم بحلول عام 2020.
ووفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي يتوقع أن يتفوق الاقتصاد الهندي الذي يحتل حالياً المرتبة السابعة عالمياً على كل من الاقتصاد البريطاني صاحب المرتبة الخامسة حالياً والاقتصاد الفرنسي صاحب المرتبة السادسة، مع وصول الناتج المحلي الإجمالي للهند إلى 3.29 تريليون دولار، مقارنة مع 2.99 تريليون دولار حالياً، فيما يتوقع أن يبلغ 2.92 تريليون دولار والفرنسي 2.85 تريليون دولار.
ويحظى أداء الاقتصاد الهندي بإشادة المؤسسات الدولية، ومنها صندوق النقد الدولي الذي توقع أن يسجل الاقتصاد الهندي نمواً في عام 2017 يصل إلى 7.9% وفي عام 2018 بنسبة 7.6%، وذلك صعوداً من نمو مقدر في العام 2016 بنحو 6.2%، وهو أعلى معدل نمو متوقع في الاقتصادات العالمية المتقدمة والصاعدة حتى 2018.
وذكر الصندوق في تقريره السنوي عن حالة الاقتصاد الهندي، أن الهند تحتاج إلى تنشيط دورة الاستثمار وتسريع الإصلاحات الهيكلية، من أجل الحفاظ على هذا الاتجاه الإيجابي للاقتصاد، مؤكداً أن الاقتصاد الهندي يشكل نقطة مضيئة في مشهد الاقتصاد العالمي، وأصبح أحد أسرع الاقتصادات الصاعدة الكبرى في العالم.
ووفقاً لصندوق النقد الدولي، استفاد الاقتصاد الهندي من تراجع أسعار السلع العالمية؛ إذ حقق مكاسب تجارية ضخمة دفع التضخم إلى التراجع أكثر مما كان متوقعاً. فضلاً عن أن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، تمكن منذ انتخابه في 2014 من تطبيق بعض الإصلاحات المتعلقة بالأسواق، لتعزيز النمو الاقتصادي.
وباتت الهند واحدة من القوى الاقتصادية الكبرى التي تشكل تهديداً للقوى التقليدية في العالم، بعد أن تمكنت من التفوق على الصين في النمو الاقتصادي، لتتربع بذلك على عرش أكبر نسبة نمو اقتصادي في العالم، وتتجه سريعاً لتستحوذ على حصة أكبر من الاقتصاد العالمي.
وأظهرت البيانات الرسمية في الهند أن اقتصاد البلاد حقق نمواً بنسبة 7.9% خلال الربع الأول من العام 2016، في الوقت الذي حقق فيه الاقتصاد الصيني نمواً بنسبة 6.7% خلال الفترة ذاتها، وبدأت الهند تتفوق على الصين في نسب النمو الاقتصادي منذ الربع الأخير من العام 2014، وهو ما يعني أنها تتجه سريعاً لتتفوق على الصين التي تشكل حالياً ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وتمكنت الهند في السنوات الأخيرة من استقطاب عدد كبير من الشركات العالمية التي تنتمي إلى مختلف القطاعات والصناعات بدءاً من الإنتاج الدوائي، ووصولاً إلى صناعات التعدين وتكنولوجيا الفضاء، وهو ما قاد إلى تحقيق هذه الثورة الاقتصادية الكبيرة في ثاني أكبر دولة بالعالم.
أهم المؤشرات
تمتلك سابع أكبر اقتصاد على مستوى العالم، حيث بلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي (بالأسعار الجارية)، حسب إحصاءات البنك الدولي قرابة 2,182.577 مليار دولار خلال عام 2015، محققاً نمواً مقارنة بعام 2014 بنسبة وصلت إلى 6.4%. وتعتبر الهند من الاقتصاديات الآسيوية النامية التي حافظت على وضعها الاقتصادي خلال فترة الأزمة المالية العالمية، نتيجة التنشيط المالي الكبير الذي أتاحته سياستها وانتهاجها أيضاً لسياسة خفض أسعار الفائدة على أدوات السياسة النقدية، بالإضافة إلى ارتفاع الإنتاج الصناعي فيها وخفض اعتمادها على الصادرات.
التجارة الخارجية
تعتبر الهند من الدول المهمة والمؤثرة في حجم التجارة العالمية، حيث جاءت في المرتبة الثانية عشرة بالنسبة للواردات خلال عام 2014، بينما حلت في المرتبة 19 بالنسبة للصادرات، حسب إحصاءات مركز التجارة الدولية.
وبلغت قيمة صادرات الهند خلال عام 2014-2015 قرابة 310.34 مليار دولار مقابل 314.41 مليار دولار في عام 2013-2014 بنسبة تراجع في القيمة بلغت 1.29%. في حين تركزت صادراتها خلال عام 2014-2015 بنسبة 43% في عشر سلع.
وتصدر هذه السلع "زيوت نفط وزيوت متحصل عليها من مواد معدنية قارية" بإجمالي قيمة وصلت إلى 55.93 مليار دولار بوزن نسبي 18% من إجمالي صادراتها وبنسبة تراجع مقارنة بالعام السابق بلغت 10.7%، وجاء الماس في المرتبة الثانية بإجمالي قيمة وصلت إلى 24.23 مليار دولار بوزن نسبي 7.8% من إجمالي صادراتها وبنسبة تراجع بلغت 7.3% مقارنة بعام 2013-2014، وحلت "الحلي والمجوهرات والمعادن الثمينة" في المرتبة الثالثة بإجمالي ما قيمته 13.2 مليار دولار وبوزن نسبي وصل إلى 4.3% من إجمالي صادراتها وبنسبة نمو وصلت إلى 22%.
وحول واردات الهند السلعية من دول العالم، فقد حققت خلال عام 2014-2015 تراجعاً بنسبة 0.48 في المائة لتصل قيمتها إلى 448.03 مليار دولار، مقارنة بـ 450.2 مليار دولار في عام 2013-2014. وتركزت وارداتها بنسبة 54% في عشر سلع، تتصدر الزيوت النفطية وزيوت المواد المعدنية القارية الخام قائمة هذه السلع المستوردة بإجمالي قيمة وصلت إلى 116.44 مليار دولار، وبوزن نسبي مرتفع وصل إلى 26% بنسبة تراجع، مقارنة بعام 2013-2014 بلغت 18.9%. وحلَّ الذهب بشكل خام أو نصف مشغول أو مسحوق في المرتبة الثانية بإجمالي قيمة بلغت 34.4 مليار دولار وبوزن نسبي مقداره 7.7%، لتحقق واردات الهند من هذه السلعة نمواً بنسبة 20% عن عام 2013-2014.
وتشير الإحصاءات الصادرة عن منظمة التجارة العالمية، ضمن تقرير التجارة العالمي 2015، إلى أن الهند احتلت المرتبة 19 عالمياً من حيث الصادرات العالمية بإجمالي ما قيمته 317 مليار دولار وبنسبة مساهمة من الصادرات العالمية بلغت 1.7%، كما جاءت في المرتبة 12 عالمياً بالنسبة للواردات العالمية بإجمالي ما قيمته 460 مليار دولار وبنسبة مساهمة من واردات العالم بلغت 2.4%.
وتعد الخدمات التكنولوجية والمعلوماتية واجهة الاقتصاد الهندي وصاحبة أعلى مشاركة في الاقتصاد، حيث بلغت صادرات الهند 465 مليار دولار منها 155 مليار في البرمجيات، حسب بيانات العام 2015، وتبلغ مساهمة الزراعة 25% من الناتج المحلي الإجمالي الهندي، وتشارك قطاعات أخرى في الناتج مثل التعدين والبترول وصقل الألماس وصناعة الأفلام والمنسوجات والحرف اليدوية.
العاشرة بين البلدان الأكثر جذباً للاستثمار الأجنبي
فيما يتعلق بقيمة الاستثمار الأجنبي المباشر، فقد بلغت قيمة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل إلى الهند لعام 2014 قرابة 34.4 مليار دولار، بنسبة نمو بلغت %22.1 مقارنة بعام 2013 البالغة قيمتها 28.2 مليار دولار، وفي المقابل ارتفعت قيمة الاستثمارات الهندية في الخارج من 1.68 مليار دولار في عام 2013 إلى ما يقارب 9.8 مليار دولار في عام 2014 بنسبة نمو سنوية وصلت إلى %487. ذلك بحسب “تقرير الاستثمار العالمي 2015” الصادر عن الاونكتاد.
وتبوأت الهند مكانة متقدمة من بين دول العالم في قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتحتل المرتبة العاشرة من بين دول العالم بحسب البيانات الصادرة عن تقرير الاستثمار العالمي الصادر عن الاونكتاد.
ويعود ذلك لعدة أسباب منها: إنها واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم، والموقع الاستراتيجي المميز، وأنها سوق استهلاكي كبير ونسبة نموه مرتفعة ومتسارعة، وتمتلك وفرة في الأيدي العاملة الماهرة والمدربة بتكلفة منافسة، وأنها تمثل واحدة من أكبر قطاعات التصنيع في العالم، وتغطي جميع الأنشطة والمجالات الصناعية، كما أنها واحدة من أكبر تجمعات العلماء والمهندسين والفنيين في العالم.
وتعتبر غنية بالموارد الزراعية والمعدنية، وتمتلك البنية التحتية الممتازة، وتتضمن قطاعاً مالياً متطوراً، وتمتلك أيضاً بيئة سياسية وتجارية مرنة مع المستثمرين تقدم كافة التسهيلات والحوافز الضريبية وتسهيلات في عمليتي الاستيراد والتصدير، وتعتبر بيئة قانونية متطورة، وتكفل تحويل رأس المال بشكل كامل وبكل سهولة، وفيها يمكن استخدام أسماء العلامات التجارية بكل سهولة ويسر، ولا يوجد ضريبة دخل على الأرباح الحاصلة من عملية التصدير، ولديها إعفاء كامل من الرسوم الجمركية على المدخلات الصناعية.
وتتنوع القطاعات الجاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر في جمهورية الهند لتشمل قطاع الخدمات المالية وغير المالية، الاتصالات السلكية واللاسلكية، النقل، الصناعة، الوقود، المواد الكيميائية، أنشطة البناء، العقاقير والمستحضرات الصيدلانية، تجهيز الأغذية، الأسمنت ومنتجات الجبس، المعدات الكهربائية.
أرسل تعليقك