اتخذت الحكومة السودانية إجراءات للسيطرة على سوق إمداد الدقيق في البلاد، وذلك مع استمرار ظاهرة طوابير الخبز في الخرطوم ومدن أخرى. وفي حين بدأت بوادر انفراج الأزمة في الخرطوم، مع تشغيل وإمداد مطاحن الدقيق بكامل حصتها، وإعطائها الأولوية في الإمداد الكهربائي، تشهد أسعار الدقيق المخصص للمنتجات الأخرى دون الخبز في الخرطوم ارتفاعًا في الأسعار بنسب تصل إلى 200 في المائة، خاصة في البقالات والكناتين.
ويصل عدد مواطني الخرطوم إلى نحو 10 ملايين سوداني، كانوا يستهلكون قبل أربعة أعوام 30 مليون قطعة خبز في اليوم. وارتفع سعر جوال دقيق القمح خلال الأزمة الجارية التي بدأت منذ عشرة أيام، من 550 إلى 900 جنيه.
وتدعم الحكومة الفارق في السعر في كل عام، إلا أن مشكلة شح النقد الأجنبي في السودان هذا العام حالت دون توفير هذه السلعة الأساسية في الوقت المناسب. وشهدت البلاد إثر ذلك نقص في إنتاج المخابز، وهو ما تسبب في ظاهرة الطوابير الطويلة للحصول على الخبز، والتي يتم تداول صورها على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الصحف.
وتتشابه الأزمة الحالية، مع آخر أزمة خبز شهدتها البلاد في يناير/كانون الثاني الماضي، والتي ارتفع فيها سعر جوال الدقيق إلى 550 جنيها (نحو 30.5 دولار)، بعد أن كان في حدود 175 جنيها، إثر إجازة موازنة عام 2018، والتي تم فيها تحريك سعر صرف الدولار الأميركي رسميا من 6.9 جنيه سوداني إلى 18 جنيها دفعة واحدة، وحاليا يصل السعر التأشيري في البنك المركزي للجنيه السوداني مقابل الدولار 28 جنيها.
ووفقا لمصادر "الشرق الأوسط" في وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي السودانية، فإن أزمة السلع الأساسية الحالية تعود إلى ضعف احتياطات النقد الأجنبي، مع عدم توافر عائدات كافية من العمليات الإنتاجية أو التصديرية في البلاد.
وبينت المصادر أن بوادر هذه الأزمة تجلت في الشهر الأول لميزانية العام الجاري 2018، حيث حدث خلل في ميزان المصروفات والإيرادات، وتفاقم الخلل بضعف الإيرادات الجمركية والضريبية في البلاد خلال الستة أشهر الأولى من العام الجاري، وعبرت المصادر عن قلقها من استمرار الخلل بين المصروفات والإيرادات حتى نهاية العام المالي الجاري.
وكشفت المصادر المطلعة عن انتشار عمليات ومنافذ التهريب، مع تخلي القطاع الخاص عن الاعتماد على البنك المركزي، وقيامه بمفرده بعملياته التجارية، ما فاقم من أزمة النقد الأجنبي في البلاد ورفع سعر الدولار إلى مستويات قياسية، حيث بلغ 46 جنيها.
وتدعم الحكومة السودانية القمح بنحو 500 مليون دولار كل ثلاثة أشهر، لكن هذا الدعم، تستفيد منه دول الجوار، حيث يبلغ سعر جوال القمح المدعوم نحو داخل السودان نحو 7.5 دولار، فيما يصل سعره بواحدة من دول الجوار الغربية إلى 30 دولارا. وأدى الفارق الكبير في السعر إلى نمو وازدهار تهريب القمح والدقيق إلى خارج البلاد.
وكان وزير المالية السوداني الدكتور محمد عثمان الركابي قد تعهد بمنع أي زيادات قد تطرأ على أسعار السلع الأساسية في ميزانية العام 2018، بسبب الزيادات في الدولار الجمركي وخفض قيمة الجنيه. كما تعهد رئيس القطاع الاقتصادي بمجلس الوزراء ووزير الاستثمار مبارك الفاضل المهدي بأن خطته للعام الجاري القائمة على مشاريع تنمية بقيمة 7 مليارات دولار، ستعمل على تحسين أوضاع المعيشة لملايين السودانيين.
وتستهدف ميزانية السودان للعام الجاري خفض التضخم إلى 19.5 في المائة هذا العام، وتحقيق نمو اقتصادي بنسبة 4 في المائة، مقارنة بـ3.5 في المائة العام الماضي. وبلغ مجموع نفقات الموازنة الجديدة نحو 173 مليار جنيه (9.6 مليارات دولار) بعجز 28.4 مليار جنيه يشكل 2.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
ويأمل السودان في أن تزيد صادراته في 2018 من 3.9 مليار دولار إلى 6.1 مليار دولار، كما يظهر في الأهداف الكمية لمشروع الموازنة، وتتطلع البلاد إلى زيادة إنتاج الحاصلات الزراعية الضرورية ومنتجات الثروة الحيوانية والذهب والنفط.
أرسل تعليقك