واشنطن صوت الامارات
عُرفت شركات التقنية الأميركية الكبيرة على مرِّ الزمان، بمقدرتها في الوصول إلى حلبات المنافسة الخارجية والتغلب على منافسيها. ومنذ الشكاوى التي رفعها أعداء "مايكروسوفت" المحليون التي أسهمت في بروز عدد من إجراءات محاربة الاحتكار من قبل بعض السلطات الأوروبية، والتي عرقلت مسيرة الشركة خلال تسعينيات القرن الماضي، كانت بروكسل بمثابة الوجهة المفضلة لمثل هذه الحلبات، ومن ضمن التأثيرات المستهدفة، زيادة تأثير المنظمين في الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بوضع المعايير الرقمية العالمية.
وتشكل الصين قضية أخرى، وبينما تجد صعوبة في دخول السوق الصينية، من المرجح تقدم شركات التقنية الأميركية، بشكوى لعدم توفر الحماية لحقوقها الفكرية، بدلاً من استخدامها للنظام القضائي المحلي لمصلحتها الشخصية.
ويشير قرار "آبل" الأخير بتقديم ادعاء محاربة احتكار ضد منافستها "كوالكوم" في الصين، لوضوح نية الشركة بالمغادرة، وكانت القضية بمثابة الحكم الخاص الذي تم تقديمه في محكمة محلية، والذي يعكس طريقة المشاكل الخاصة حول بروتوكول الإنترنت.
لكن تبدو الشكوى شبيهة بالدعوة المبطنة للمنظمين الصينيين لممارسة سلطاتهم مرة أخرى بعد سنتين من إرغامهم للشركة الأميركية على تسوية قضية الاحتكار مقابل 975 مليون دولار، كما يؤكد هذا النزاع، تأثير الصين المتصاعد في القضايا الرقمية ذات الصدى الدولي. واكتسبت الصين قوة جديدة، نتيجة لكبر حجم سوقها المحلية ولصرامة قانونها المحلي ضد الاحتكار. ولم يكن حكم "آبل" القضائي الأخير، البادرة الوحيدة التي تدل على فتح الطريق أمام الصين لتتحول إلى محكم مهم في اقتصاد المعلومات.
وفي واشنطن، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، انسحاب بلاده من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، الاتفاقية التي ينصب هدفها الاستراتيجي حول توطيد النفوذ الأميركي في السياسة التجارية في آسيا والعمل كثقل مضاد للصين.
وتشكل التجارة الرقمية، جزءاً أصيلاً من هذه الاتفاقية، التي كانت الأولى للتجارة الدولية في تكريس القوانين الرسمية الخاصة بالتجارة الإلكترونية عبر الحدود، تحديداً، منع الدول من الإصرار على جعل البيانات حكراً على الصعيد المحلي أو وضع حواجز تحظر تدفقها للخارج. وعملت هذه القواعد الأساسية، على تفضيل قطاع تقنية المعلومات الأميركي ودعم بروز تخزين البيانات على نطاق واسع والحوسبة السحابية، التي في طريقها لإحكام سيطرتها على قطاع تقنية المعلومات.
وساهم التخلي عن القواعد الأميركية الأساسية، في فتح الباب للصين لتعزيز تأثيرها في سياسة المنطقة، من أجل مصلحة شركاتها الرقمية، نظرياً على الأقل. وفي حقيقة الأمر، أصبحت الصين شريكاً غير ملائم للخدمات الرقمية، حسبما يرى أريك فان دير ماريل، الخبير الاقتصادي في المركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي في بروكسل.
ويرصد أريك، التكامل بين أميركا والصين كشريك تجاري لدول أخرى تشملها اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، عندما يختص الأمر بالخدمات عبر الحدود التي يتم تقديمها من خلال الإنترنت. وفي الواقع، يبحث أريك، فيما إذا كانت الشركات الصينية قادرة على لعب الدور الأميركي وتوفير نفس الخدمات.
ووفقاً لهذا التحليل، بدأت الفجوة تتقلص بين البلدين حتى العام 2008، لتصبح الصين أكثر منافسة في القطاع الرقمي، بيد أنها ومنذ ذلك الوقت، أخذت تتسع مرة أخرى. وليس سراً، أن موقف الصين المشحون بالقيود على أشياء مثل تدفق البيانات والاستثمارات في الخدمات الرقمية، جعلها تفقد المقدرة لتخدم كمركز للتجارة الرقمية الناشئة بين الحدود.
وبصرف النظر عن انهيار اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، لا تزال المنطقة تمارس أعمالها على الطريقة الأميركية، مع أن ذلك ليس مضموناً على المدى البعيد. وليس مصادفة، أن يجيء بروز الهيمنة العالمية لشركات التقنية الأميركية الكبيرة، في أعقاب انهيار حائط برلين، عندما لم تكن هناك مقاومة كبيرة في وجه انتشار النظام الاقتصادي الحر الذي تمثله هذه الشركات. وربما تكون الحقبة آلت لنهايتها، وليس من المرجح أن يوفر الربع المقبل من القرن، نفس الفرص التي أسهمت في إطلاق العنان للنمو العالمي الأخير.
أرسل تعليقك