تستمر الأسواق المالية الدولية في تذبذبها مع فقدان اتجاهات البوصلة، خصوصاً بعد موجة بيع كثيفة الشهر الماضي في أسواق الأسهم والسندات، ووسط تشدد في وضع السيولة العالمية، بالإضافة إلى التوترات الناجمة عن حرب جيوسياسية وتجارية.
وقال تقرير صادر عن دائرة الأبحاث العالمية في بنك الكويت الوطني إنه على الرغم من أثر زيادة التشدد في سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي المركزي الأميركي، فإن التخوف بشأن الاستقرار الاقتصادي والسياسي في أوروبا قد تضاعف أيضاً مع تزايد المخاوف من عدم التوصل إلى اتفاق بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بريكست، وتصاعد الخلاف حول الميزانية بين إيطاليا والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى إعلان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن قرارها بالتنحي في عام 2021، ما يزيد من القلق بشأن تباطؤ النمو.
وفي تقرير التوقعات الاقتصادية العالمية الذي يصدره صندوق النقد الدولي مرتين في السنة، خفض الصندوق توقعاته للنمو العالمي بنسبة 0.2 في المائة إلى 3.7 في المائة لهذا العام وللعام المقبل، نتيجة التأثير السلبي للسياسات التجارية على سلسلة الإمدادات وارتفاع أسعار النفط وخطر استمرار تدفق رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة.
- الولايات المتحدة
على الصعيد الأميركي، وعلى الرغم من أن وتيرة النشاط الاقتصادي قد تراجعت بشكل طفيف، فإن البيانات تشير إلى أنها لا تزال قوية، ما يزيد من الضغط على بنك الاحتياطي الفيدرالي لمواصلة سياسته النقدية في رفع معدلات الفائدة. وبعد الوصول إلى نسبة نمو قوية بلغت 4.2 في المائة في الربع الثاني من عام 2018، لم يتراجع معدل نمو إجمالي الناتج المحلي إلا بشكل طفيف إلى 3.5 في المائة في الربع الثالث، مدعوماً مرة أخرى بالنمو السريع في الإنفاق الاستهلاكي بنسبة 4.0 في المائة، الذي عوض الانخفاض في الاستثمار مع تسجيل نمو أقل في صافي الصادرات. ويرجع ضعف الصادرات في الربع الثالث إلى ارتفاعها بشكل كبير في الربع الثاني، حيث أقدم المستوردون الصينيون على شراء دفعات من فول الصويا الأميركي مسبقاً قبل فرض الضرائب التجارية.
وجاءت ﺑﯾﺎﻧﺎت ﺳوق اﻟﻌﻣل الأميركية ﻗوﯾﺔ ﺟدا كذلك، ﻣﻊ ارﺗﻔﺎع اﻟوظﺎﺋف ﻏﯾر اﻟزراﻋﯾﺔ بمعدل فاق التوقعات ﺑﻣﻘدار 250 ألفاً ﻓﻲ أﮐﺗوﺑر/ تشرين الأول الماضي، ﺑﻌد ضعفها خلال شهر ﺳﺑﺗﻣﺑر/ أيلول ، ولا تزال اﻟﺑطﺎﻟﺔ عند أدﻧﯽ ﻣﺳﺗوياتها ﻣﻧذ 49 ﺳﻧﺔ ﺑﻧﺳﺑﺔ 3.7 في المائة. ومع ذلك، لا يزال هناك عدم يقين حول احتمال وقوع ركود في سوق العمل، وبالتالي خطر إصابة الاقتصاد بنشاط محموم، نتيجة تناقص وتيرة انخفاض معدلات البطالة ونقص المهارات المطلوبة حسب أحدث تقارير الدراسات الاستقصائية، تزامنا مع استمرار قوة نمو الوظائف، وانخفاض معدل المشاركة في سوق العمل؛ وهذا يعني أن كثيراً من الأشخاص في سن العمل لا يزالون خارج سوق العمالة.
كما شهدت الأجور نمواً تصاعدياً ملحوظاً في أكتوبر/ تشرين الأول، محقِقَة ارتفاعاً مماثلا لما قبل الأزمة المالية بنسبة 3.1 في المائة من سنة لأخرى، وسيتم مراقبتها عن كثب في المستقبل بحثاً عن علامات ضغوط تضخمية.
وفي الوقت الحالي لا يزال التضخم الأميركي في مستوى مقبول وفقاً للتقرير. فالمعدلات الرئيسية والأساسية المقياس المفضل للاحتياطي الفيدرالي لضغوط الأسعار لتضخم نفقات الاستهلاك الشخصي بلغت 2.0 في المائة في سبتمبر أيلول، وهو ما يتماشى تماماً مع هدف البنك المركزي. وكما كان متوقعاً لم يغير الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في اجتماعه في نوفمبر تشرين الثاني الحالي، لكن الاحتمالات المستقبلية التي تشير إليها الأسواق برفع سعر الفائدة في ديسمبر/ كانون الأول المقبل تناهز 70 في المائة.
كما انعكست توقعات ارتفاع معدل الفائدة وقوة البيانات الاقتصادية على مؤشر الدولار الأميركي المرجح تجاريًا، إذ ارتفع بأكثر من 2 في المائة في أكتوبر، وكذلك على عائدات السندات الحكومية القياسية لأجل 10 سنوات، التي بلغت أعلى مستوياتها بنسبة 3.2 في المائة. وتستمر أسعار الفائدة المرتفعة بوضع الاحتياطي الفيدرالي في مسار تصادمي مع الرئيس دونالد ترمب، الذي اعتبره خارجا عن السيطرة وألقى باللوم عليه فيما حصل في شهر أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي من موجة بيع للأسهم.
كما قد يصاب الرئيس ترمب بخيبة أمل بسبب العجز التجاري الذي استمر في الاتساع على الرغم من السياسات الحمائية والمزاعم بأن الولايات المتحدة "تربح" الحرب التجارية مع الصين. حيث بلغ عجز السلع والخدمات 54 مليار دولار في سبتمبر نحو 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 53 مليار دولار في أغسطس/ آب الماضي، وتوسع العجز الثنائي مع الصين ليصل إلى رقم قياسي بلغ 40 مليار دولار. حيث بلغ نمو الواردات 9.8 في المائة على أساس سنوي، بينما فاقت نسبة نمو الصادرات 7.2 في المائة.
- أوروبا
أوروبيًا، تدهورت الآفاق الاقتصادية والسياسية في منطقة اليورو خلال الشهر الماضي. حيث أظهرت البيانات أن زخم النمو هدأت وتيرته مع تراجع أكثر في ثقة الشركات. إضافة إلى ذلك، أدى التفلت المالي في إيطاليا، واستقالة المستشارة الألمانية ميركل كزعيم لحزبها، والتوقعات المتزايدة لعدم التوصل إلى اتفاق لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى ظهور تكهنات متزايدة بشأن مستقبل الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من ذلك، أعلن البنك المركزي الأوروبي في اجتماعه الأخير أنه ما زال يعتقد، وإن كان أقل حماسة من قبل، أن الظروف العامة تسمح له بإنهاء برنامج التحفيز بحلول نهاية عام 2018. ولكن هذه التطورات قد تؤثر بشكل كبير على الآفاق المستقبلية للاتحاد الأوروبي، خاصة قبل التطورات الرئيسية المرتقبة في عام 2019. حيث من المقرر انتخاب برلمان جديد للاتحاد الأوروبي ورئيس للبنك المركزي الأوروبي.
في هذا السياق، تباطأ النمو الأوروبي أكثر من المتوقع في الربع الثالث من العام 2018، حيث بلغ 0.2 في المائة على أساس ربع سنوي 1.7 في المائة على أساس سنوي، مقارنة بتوقعات المحللين عند 0.3 في المائة. وكان هذا أبطأ نمو ربع سنوي في المنطقة منذ عام 2014. ويعكس هذا التباطؤ فعليا ضعف الزخم في ألمانيا الناجم عن بُطء التجارة العالمية، وغياب النمو في إيطاليا.
وتشير بيانات مؤشر مديري المشتريات لشهر أكتوبر أيضاً إلى أن الزخم قد يَضعُف أكثر في الربع الرابع من العام 2018، مع انخفاض المؤشر المركب إلى أدنى مستوى له منذ عامين ونصف العام عند 52.7 خلال الشهر. وفي الوقت نفسه، سجل التضخم أعلى مستوى له في 6 أعوام عند 2.2 في المائة على خلفية ارتفاع أسعار الطاقة. وعلى الرغم من زيادة التضخم الأساسي إلى 1.1 في المائة، فإن هذا الارتفاع كان أقل من المتوقع.
- اليابان
يتأثر النمو الاقتصادي الياباني بقطاع التجارة الذي يعاني من الحرب التجارية المستمرة بين الصين والولايات المتحدة. ففي سبتمبر الماضي تراجعت الصادرات اليابانية للمرة الأولى منذ عام 2016 على خلفية تراجع الطلب من الصين والولايات المتحدة، فضلاً عن القيود المفروضة على العرض في أعقاب سلسلة من الكوارث الطبيعية. كما أثر الضعف المستمر في الطلب المحلي على الواردات.
ومن المحتمل أن يكون ضعف الطلب وتبعات الكوارث الطبيعية قد تسببا في تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثالث من العام 2018 البيانات التي ستصدر في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي. وفي وقت لاحق، وللحفاظ على دعم الاقتصاد، أبقى بنك اليابان سياسته النقدية ثابتة في أكتوبر/ تشرين الأول، كما كان متوقعاً على نطاق واسع. ومن المحتمل أن تظل السياسة النقدية "مرنة" في الوقت الحالي، خاصة بعد أن قام البنك المركزي بتعديل توقعات التضخم في 2018 و2019 إلى 0.9 و1.4 في المائة على التوالي.
- الصين
في الصين، أعلنت السلطات عن سلسلة من الإجراءات والسياسات لدعم النمو خلال الشهر الماضي في محاولة لدعم الاقتصاد، بعد تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث إلى 6.5 في المائة على أساس سنوي، وهو أدنى معدل له منذ عام 2009.
فبالإضافة إلى تخفيض 100 نقطة أساس في نسبة متطلبات الاحتياطي لدعم نمو الائتمان، شملت التدابير تخفيضات على ضريبة الدخل وإلغاء مزيد من القيود التنظيمية، في حين يتوقع بعض المحللين أيضاً إجراء تخفيضات على ضريبة الشركات. كما وعدت الحكومة بتخفيض الرسوم الجمركية على الواردات في محاولة لإصلاح علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، أعلن البنك المركزي أنه سيتبنى نهجاً أكثر مرونة واستباقية للسياسة النقدية في عام 2019 لدعم نشاط الإقراض بشكل أكبر مع ضمان الاستقرار المالي. وبشكل منفصل، وبعد توقف دام 7 سنوات، عقدت الحكومة الصينية اجتماعاً رسمياً مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، لتعزيز علاقاتها الاقتصادية ولا سيما القطاعات المالية والتجارية.
- النفط
في سوق البترول، وبعد أن وصل إلى أعلى مستوى له في 4 سنوات عند 86 دولارا أميركيا للبرميل في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أغلق نفط برنت الخام بانخفاض بنسبة ناهزت 9 في المائة على أساس شهري عند مستوى 76 دولارا للبرميل بنهاية الشهر الماضي. ويعزى هذا التراجع إلى ضعف آفاق الطلب العالمي وتوقعات بأن العقوبات الأميركية على إيران لن تكون قاسية إلى حد ترك السوق في حالة نقص في المعروض. وجاء هذا نتيجة قرار الولايات المتحدة بالتمديد المؤقت للتنازلات المفروضة على 8 من أكبر عملاء إيران، بما في ذلك الصين والهند وكوريا الجنوبية.
علاوة على ذلك، وعلى صعيد العرض، ارتفع إنتاج "أوبك" في شهر أكتوبر/ تشرين الأول بمقدار 430 ألف برميل يومياً إلى أعلى مستوى له في عامين، عند 33.3 مليون برميل في اليوم وفقاً للتقديرات الأولية، بينما سجل إنتاج النفط الخام الأميركي رقماً قياسيا آخر، حيث بلغ 11.2 مليون برميل في اليوم في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر/ تشرين الأول. ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، من المرجح أن يكون العرض قد تجاوز الطلب في كل أرباع عام 2018.
- دول مجلس التعاون الخليجي
إلى ذلك، تستمر الاقتصادات الإقليمية في الاستفادة من بيئة تتميز بارتفاع أسعار النفط وارتفاع الإنفاق الحكومي. حيث سجلت مؤشرات مديري المشتريات في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ارتفاعا في أكتوبر، عند 53.8 و55.0 نقطة على التوالي. كما اكتسب النمو الائتماني في كلا البلدين زخماً في سبتمبر، بلغ نسبة 3.7 في المائة على أساس سنوي في الإمارات، وهو الأسرع خلال عام، بينما ارتفع ائتمان القطاع الخاص بنسبة 1.5 في المائة في السعودية، وهو الأسرع منذ ديسمبر/ كانون الأول 2016.
كما استمرت مؤشرات المالية العامة بالتحسن، مع تسجيل السعودية انخفاضا كبيراً في عجزها بنسبة 2.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في الأشهر التسعة الأولى من عام 2018، مقارنة مع 6.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للفترة نفسها في عام 2017
أرسل تعليقك