بيروت – هند محمد
تظهر وجوه قوية ومتعبة في لوحات الفنانة اللبنانية سوزي ناصيف التي قدمت في معرضها "أجزاء الحنين" مجموعة من البورتريهات تغمرها ملامح الصلابة والقسوة.
ولا تغيب الأنثى عن المعرض الذي افتتح، أخيرًا، في فندق الفورسيزنز، اذ تظهر في اللوحات بأسلوب متأرجح بين الواقعية والخيال، مع الحفاظ على الأنوثة الطاغية.
ولكن اللافت في هذه الوجوه هو حالة الحنين والنافذة المفتوحة على الماضي، والتي تتجلى في عمق الشرود والنظرة المحملة بالذكريات التي تسيطر على الوجوه.
وتحمل لوحات ناصيف الكثير من السواد في الخلفيات، فنجدها تحضر التناقض بين الأبيض والأسود في أكثر من عمل، وعلى الرغم من التقشف اللوني في اللوحات وفي تجسيد الوجوه، إلا أنها تبدو مشعة العينين، فيخيّل إلينا أنها ملونة، أو كأنها شديدة الإشراق. وتحمل هذه الوجوه العمق في النظرة، فتبدو كما لو أنها في حالة تأمل، وفي شرود ذهني، لعله أقرب الى عملية الاستعادة التي تقوم بها الذاكرة لبعض الأحداث. تبدو كما لو أنها تفتح نافذة على الماضي، فتشرق السنين بكل ما تحمله من ذكريات حزينة وفرحة، فهو الأفق البعيد، والعلاقة الجدلية مع الزمن ومرور الوقت، والحياة بكل ما تحمله من تجارب، تختصر كل هذه الخبرات والمشاعر عبر اللون والوجوه فقط.
لا يمكن التكهّن بالحالات النفسية التي تقدمها ناصيف في لوحاتها، فتُبقيها على حافة واحدة من التناقضات، فتأخذنا الى حالة تظهر فيها الكثير من الفرح، ثم تنقلنا إلى سكون الحزن، وبعدها إلى عنفوان الرجولة. هذا العنفوان المرتبط بالرجل، تبرزه الفنانة من خلال العناصر الذكورية التي لا تتخلى عنها في العمل، فهي تحرص على الإبقاء على الشاربين واللحية، كعلامة قوية على حضور الرجل في اللوحة، فيستمد قوته من قوة العناصر التي تضعها في العمل. أما المرأة التي تحضر في لوحاتها، فهي شاردة، متأملة، تمنحها الكثير من الحالات المتبدلة من خلال الألوان التي تدخلها على الأعمال، بخلاف تقديمها للرجل. تحرص الفنانة على إبراز جمال المرأة العربية في عيونها المكحلة، والمطلة من خلف وشاح يخفي ملامح الوجه في أكثر من لوحة، بينما تكرسها في أربع حالات في عمل آخر بعنوان "وجوه القمر". المرأة هي عالم أنثوي جميل، وهذا ما تكرسه الفنانة في مفرداتها التي تكتظ بالألوان حين ترسمها بخلاف ما يحدث في لوحات الوجوه الذكورية. وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل فيما اذا كانت اللوحات ذكريات شخصية بين الأبيض والأسود والملوّن، أم أنها مسألة تمييز بين عالمين يلتقيان في النهاية، مع وجود الكثير من الاختلافات.
وأضافت ناصيف عن أعمالها: "أطلقت على المعرض تسمية (أجزاء الحنين)، وذلك لأنني حين بدأت بالعمل، لم أقدم ثيمة واحدة في كل اللوحات، بل إن كل عمل يحمل قصة مختلفة، فبدأت مع تجارب مررت بها، ثم جسدت قصصًا ترسخت برأسي من خلال التفاصيل البسيطة التي تعنيني، وكل لوحة تفسّر حالة نفسية خاصة، وأشخاصًا عرفتهم، فالمعرض يقدمني مع الأشخاص الذين مروا بحياتي". وأضافت أن "حساسية الفنان مع محيطه تجعله يولي أهمية للتفاصيل، ولهذا تخرج الشحنات من خلال اللون والصورة، وليس صعبًا على الفنان ترجمتها عبر العمل، كونها تخرج بشكل تلقائي خلال تقديمه الألوان، فهي مكاشفة ذاتية". وحول العمل الذي جسّدت فيه الفنانة فريدا والفنان سلفادور دالي، قالت: "تعرف الفنانة فريدا بوضعها للشارب، وشهر نوفمبر هو شهر التضامن مع الرجل من خلال تطويل الشارب وعدم حلقه، فقمت بشبك شارب دالي مع شاربها، للتعبير عن التضامن مع الرجل في شهر التوعية بأمراض الرجال". ولفتت إلى أن اللوحة معها تتطور من فكرة لتنتهي بمكان آخر، فهي تضيع باللوحة، وتعيش حالة خاصة، وغالبًا ما تمنحها كل ما بداخلها، وتشعر أن روحها في كل عمل تقدمه. أما حول انتقالها من الديجتال آرت الى الرسم، فشددت على أنه أتى نتيجة تطور المسيرة الفنية، وتغير مزاجها في تعاطيها مع الوسائط، إذ تشعر اليوم بالرغبة في العمل باللون الذي يمدّها بشعور ليس موجودًا في العمل عبر الكمبيوتر، فوجدت نفسها من خلاله قادرة على التعبير أكثر. ونوهت بأنه على الرغم من رواج التصوير والديجتال آرت في السوق اليوم، إلا أنها ترى نفسها في اللوحة أكثر، مشيرة إلى أنها اختبرت في أحد معارضها الجمع بين الديجتال آرت واللون، وكان الانطباع جيدًا ومقبولًا من قبل الحضور. فيما اعتبرت في الختام أن الانطلاق من دبي يحمل الكثير من التحديات، إذ لابد من وجود الإصرار عند الفنان كي ترتفع ثقته بنفسه، وكذلك أن يكون قادرًا على تحدي نفسه، ليبقى الشغف الحافز الأول للإبداع، لاسيما أن دبي تحتضن الكثير من الفنانين المخضرمين والشباب.
أرسل تعليقك