كثير من الألم السوري تحت السما
آخر تحديث 13:39:35 بتوقيت أبوظبي
 صوت الإمارات -

مأساة امرأة فقدت كل شيء

كثير من الألم السوري "تحت السما"

 صوت الإمارات -

 صوت الإمارات - كثير من الألم السوري "تحت السما"

مسرحية السورية "تحت السما"
دبي – صوت الإمارات

رائحة وخصوصية سورية تنبعث من أرجاء المكان، وحتى قبل دخولك إلى مسرح دبي الاجتماعي، في "مول الإمارات"، الذي استضاف العرض الأول للمسرحية السورية "تحت السما"، الأربعاء، تشعر بأن هنا وجهًا آخر لسورية، ملامحه هي التي نعرفها جميعًا في مخيلاتنا، ما بين فنانين ومثقفين، وحتى ملامح أفراد الأسرة السورية، قبل أن يقهقر سلمها الاجتماعي والنفسي والأمني الواقع الحالي.

هذا هو الأمر قبل دقائق من انطلاقة عرض مسرحي، وصفه أصحابه أنفسهم بأنه مغامرة، وبدا الأمر فعليًا وكأننا بصدد ولادة، ربما كانت ميؤوسًا منها في وقت سابق، لكنها الآن وصلت إلى مرحلة المخاض، ولابد من فتح الستار للكشف عن وجه الوليد المسرحي الجديد.

هذا ما يفسر مبدئيًا وجود مخرج العمل ماهر صليبا على الخشبة الأمامية قبل العرض، ثم تقديمه كلمة أيضًا قبيله، على خلاف التقليد المسرحي، فضلًا عن كلمة لكاتبة العمل فادية دلا، والإصرار على أن يكون تكريم الداعمين أيضًا قبل العرض، الذي قدمت له "هيئة دبي للثقافة والفنون" دعمًا جزئيًا، مشيرة إلى أن العمل الذي وُلد تحت سماء سورية، هو الآن في أفق إبداعي تحت سماء دبي.

حالة من التلاحم الوجداني والعاطفي حققها العرض إذن قبل انطلاقته، مدعومة بتوقعات يقينية بأن الخشبة ستتحول إلى قبسة من الوجع السوري المعاش هناك، وتوقعات بأننا أمام نتاج مزيج من مخرج يمتلك أدواته الفنية باقتدار، وممثلة تمهد لحالة من الارتياح الفني لأن تكون وحدها محور الأداء في عمل مونودرامي، تلمس قصته شغاف القلوب، ليس لأبناء الوطن السوري المكلوم فقط، بل لكل من يمتلك قلبًا ووعيًا، في سياق قد يكون هامشه إنسانيًا وليس وطنيًا هذه المرة.

من هنا، فإن جمهور "تحت السما" لم يكن سوريًا فقط، على الرغم من أنه مثل فرصة لجمع نماذج من الفنان والمثقف والمقيم السوري على أرض الإمارات عمومًا، مسكونين بهاجسين، أحدهما الشغف لمعرفة ماذا يمكن أن يُقال أو يُقدم فنيًا عن ما يحدث في سورية، وثانيهما دعم أي عمل فني سوري، باعتباره عملًا من رحم المعاناة.

ويتوقع المشاهد أن ينفتح الستار على مشهد دمار من المشاهد التي يطالعها ليل نهار على شاشة التلفزيون، ولم يخيب مخرج "تحت السما" توقعه، لكنه أيضًا لم يغيب حضور رؤية فنية توزعت فيها عناصر الديكور باتقان، لتسمح بحرية حركة الممثلة الوحيدة، وهي حرية تظل مقيدة بمساحة رقعة المكان، الذي يبدو أنه أطلال لبيت كان هنا، ولم يتبق منه سوى أنصاف أعمدة خرسانية ثلاثة، وبعض الأجولة الرملية المجلوبة في الأركان، فيما يعني الخروج منه تعرضها لمخاطر تحيط بالمكان.

ويدخلنا صليبا في أجواء المخاطر الأمنية بشتى الوسائل، بدءًا من أزيز طائرات تهيمن على أجواء البداية، مرورًا بالغوص في أعماق تلك المرأة، التي تتكشف مأساتها تدريجيًا، فهي أم مكلومة، وأرملة منكوبة، وامرأة فقدت كل ما يربطها بالحياة، لتحيا بين هذه الأنقاض، لا تمتلك شيئًا سوى مجرد بقائها "المؤقت" على قيد الحياة. هذه المرأة فقدت أحد أبنائها أثناء تأديته الخدمة العسكرية، وابنها الآخر قُتل بسبب التحاقه بإحدى الجماعات المسلحة.

وعلى الرغم من الإسقاطات المباشرة والمألوفة في جوانب من المونولوج الداخلي للشخصية، مثل التشكك في موقف جارتها "الروسية" ونعتها لها بـ"الكذب" وقراءتها لرسائل نصية لأقاربها الذين ظفروا باللجوء إلى "تركيا" و"ألمانيا"، وتحول لقب "لاجئ" إلى رتبة تستدعي التهنئة حينما تقنن الشخصية أوضاعها، إلا أن حالة الالتباس والتشرذم الفكري، وعدم وجود أي رؤية متفق عليها، تبدو قائمة لدى المرأة نفسها، التي لاتزال لا تعرف "من يطلق الرصاص"، و"من يجعل أبناءنا شهداء، وفي مصلحة ماذا يستشهدون".

ويكرس الغوص في أعماق المرأة ومآسيها، حالة أن "لا شيء يقال في سورية"، على مستويين، أولهما أن هناك رسائل غير واضحة ومشوشة تصل، فرؤية العمل غير واضحة، وقد يكون ذلك من فرط محاولة الابتعاد عن الوقوع في فخ المقولات السياسية المباشرة، وقد يكون لحقيقة ألا أحد يتفق على الطريقة المثلى للخلاص، في الواقع، كما في العمل الدرامي "تحت السما".

وبدءًا من العنوان على اتساعه "تحت السما"، فكل شيء في الكرة الأرضية هو "تحت السما"، مرورًا بحالات المرأة المكلومة، تبدو قبسة من الوجع اليومي السوري، والتقاطة، لا تقدم تصورًا أو استشرافًا، أو حتى اعتراضًا منسقًا ضد ما هو قائم، حيث يبدو العمل أقرب إلى الرصد، المتكئ على الغوص في أعماق تلك المرأة.

"الوجع السوري أقوى مما يمكن أن يقال بشأنه دراميًا" حقيقة أقرها ثلاثي العمل، المخرج والكاتبة والممثلة، وهو ما انعكس ليس على الخشبة فقط، بل على إبداعهم أيضًا، لتتحول مقولة "ليس كل ما يعرف يقال" إلى ممارسة إبداع لا يفصح بشكل كامل عن ما يتصوره مبدعوه، ليكرس حالة الالتباس السائدة، لكن هذه المرة على المستوى الإبداعي، وهو هنا، أي العمل، والرقيب هنا لم يعد موجودًا بشكل حقيقي، بقدر ما أصبح بالفعل رقيبًا ذاتيًا، يجعل جميع أطراف العملية الإبداعية حريصين على أن تكون رسائلهم متسقة مع هذا الرقيب الذاتي، الذي وصفوه بأنه "إنساني" في المقام الأول، خلال المؤتمر الصحافي، لكن العمل أكد أنه يحمل بعض ملامح الرقيب "التقليدي" أيضًا.

emiratesvoice
emiratesvoice

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كثير من الألم السوري تحت السما كثير من الألم السوري تحت السما



GMT 22:46 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

جولة على أهم المتاحف والمعارض الفنية العالمية والعربية

GMT 08:03 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

المؤلفون غير البيض يشعلون شغف الطلاب بالقراءة

GMT 20:01 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

نيوزيلندا ترسل مساعدات لتونجا عقب إعصار "جيتا"

GMT 17:32 2017 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

زلزال متوسط القوة يضرب شمال إيران

GMT 09:36 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

البرتغال الي يورو 2020 بفوز صعب على لكسمبورغ

GMT 15:54 2013 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

وزير التربية والتعليم ضيف الإعلاميِّ خيري رمضان الأربعاء

GMT 23:36 2013 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

95% نسبة إشغال البرج الأول في "نيشن تاورز"

GMT 14:28 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

مرسيدس تكشف عن سيارة جديدة بمحرك كهربائي

GMT 22:20 2013 الأحد ,18 آب / أغسطس

إنقاذ فيلة تزن 6 أطنان من الغرق

GMT 19:29 2014 الجمعة ,24 تشرين الأول / أكتوبر

نيبال تحتفل بمهرجان "تيهار" المخصص للحيوانات

GMT 11:31 2012 الثلاثاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة: القردة تعاني من أزمة منتصف العمر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates