قمامة ودخان ومشردون عند ضريح يوسف بن تاشفين في مراكش
آخر تحديث 16:46:38 بتوقيت أبوظبي
 صوت الإمارات -

وَحَّدَ الأندلس وهزم الإسبان وأول من سمى نفسه "أمير المسلمين"

قمامة ودخان ومشردون عند ضريح يوسف بن تاشفين في مراكش

 صوت الإمارات -

 صوت الإمارات - قمامة ودخان ومشردون عند ضريح يوسف بن تاشفين في مراكش

ضريح يوسف بن تاشفين في مراكش
مراكش - سعيد بونوار

ويأبى التاريخ إلا أن يمارس لعبة الانتقام، حافلات إسبانية تنفث دخان الإهانة الأسود وكأنها تتعمد محو الكلمات المكتوبة فوق باب ملك عظيم، قَدَّم للعالم أبهى صور القوة والحضارة الإسلاميتين، تتوقف طويلاً أمام ضريح يوسف بن تاشفين جاعلة منه مُجَرَّدَ محطة عبور مُهترئة يقف عندها المسافر والمُشَرَّد والعامل والعاهرة.. حافلات إسبانية جاءت لتنتقم للملك "ألفونسو السادس" من بن تاشفين، الذي هزمه في زمن التداعي على أمراء البذخ مِمَّن كانوا يُعْرَفون بـ"ملوك الطوائف"، دخان وأبخرة ونفايات هي أحسن باقة ورد توضع على قبر أول أمير للمسلمين.
 العابرون أمام ضريح يوسف بن تاشفين في مراكش المغربية، لا يُحَمِّلُون أنفسهم عناء رفع رؤوسهم إلى ما كُتِبَ فوق باب مهترئ، محكم الإغلاق، تعلوه الأوساخ، ويرابض إلى جانبه المدخنون للحشيش والباعة المتجولون، الناس هنا تمر لتلقط صوراً تذكارية مع شواذ "جامع الفنا" من المتشبهين بالنساء، أو مع القردة والثعابين، ولا تلتفت لضريح رجل عظيم رفع راية المغرب والإسلام خفاقة في الأندلس، ليُكَافَأ اليوم بضريح على ناصية مزبلة، يتخذه البعض فضاء للتبول والتسكع.
المراكشيون الذين يفتخرون بالكتبية والمنارة، وبهجة "جامع الفنا" وفنادق الرفاهية ورياضات الترفيه يتسمرون صامتين أمام إهانة كبيرة يتعرض لها يومياً الذي شَيَّدَ مراكش، لا أحد يتحدث عن دفين الضريح الذي يبدو للزائر كما لو أنه بيت مهجور شُمِّعَ بأمر قضائي، ولا عناية تَرْفَعُ عنه إرادة البعض في جعله مزاراً للاسترزاق.
 ولا إجابة شافية عن السبب الكامن وراء هذا الإهمال الذي يتعرض له في زمن الحديث عن الهوية وإنعاش السياحة، بل إن زوار مراكش، من المغاربة الذين يعلمون أن عهد المرابطين كان مثال القوة المغربية، لا يعرفون أنه على بُعْدِ أمتار من "جامع الفنا" يوجد قبر مؤسس الدولة المرابطية وباني مراكش وقاهر الصليبيين في مراكش وصانع مجد الأندلس وصديق العلماء.
ومن غرائب الضريح أن سلطات المدينة ومنتخبيها لم يفكروا يوماً في تحويله إلى أثر تاريخي، فالسلطان الذي وَحَّدَ قبائل المغرب وشعوب الأندلس لم يستطع اليوم، وهو في مرقده، أن يُوحِّد مواقف البعض من دواعي هذا الإهمال، فهناك من يُحَمِّل المسؤولية إلى وزارة الثقافة، وهناك من يُسنِد المهمة إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بوصفها الوصية على الشأن الديني، وهناك من يدعو مجلس المدينة إلى تحمل مسؤوليته التاريخية في هذا الإهمال.
وقال الأستاذ الجامعي والباحث المغربي في التراث محمد متفكر، لـ" المغرب اليوم"، "إن المآثر التاريخية في مدينة مراكش تشهد إهمالاً فظيعاً يسيء إلى تاريخ المدينة والمغرب عموماً، إذ أن بعضها تحول إلى مطارح للنفايات، ومستودعات لمعدات جمع القمامة، وأسوار تاريخية تحولت إلى مرافق للتبول".
وأشار الباحث إلى أن بعض هذه المآثر أصبحت أسوأ مما كانت عليه في السابق، ومنها ضريح يوسف بن تاشفين الذي لا يليق بزعيم كبير ومؤسس للدولة المرابطية، واستغرب تفويت تدبير هذا الضريح إلى مادحين للاسترزاق، بعد أن كان من المفترض أن يكون هذا الضريح في مستوى عظمة أول أمير للمسلمين، ودعا إلى تحويل ضريحه إلى متحف أو خزانة  للدولة المرابطية.  
 وقال الباحث "إن عدداً من المساجد التاريخية بدورها طالها الإهمال ومنها جامع بن يوسف، داخل المدينة القديمة، ومسجد القصبة الذي شيده يعقوب المنصور الموحدي".
  وإذا كانت الحافلات الإسبانية المفوض لها تدبير النقل تواصل نفث الدخان على ضريح يوسف بن تاشفين، فإن الإخوة الإسبان الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بعد إهانة أمير إشبيلية المعتمد بن عباد، الذي عاث في الأندلس بذخاً، وعاقبه يوسف بسجنه في "أغمات" في مراكش ودفنه فيها، قرروا تخصيص اعتمادات مالية ضخمة لضريح المعتمد والحفاظ على رونق مدفنه، ويزوره كل عام كبار الساسة الإسبان والأوروبيين وآلاف السياح الأجانب، بينما قبر يوسف لا يزوره أحد، بل إنه وجد من يشكك في مرقده.
اتخذ ابن تاشفين مدينة  "مراكش" التي أنشأها عاصمة لملكه عام 465هجرية لتكون نقطة الانطلاق لتوحيد وتجميع قبائل المغرب الأقصى تحت سيطرته، وبناء دولة قوية، كما أنشأ أسطولاً بحريًّا، ساعده على ضم المناطق المطلة على مضيق جبل طارق مما سهّل ضم المغرب الأوسط، وأقام ابن تاشفين علاقات سياسية مع جيرانه من أمراء المغرب والمشرق، كما أحاط نفسه بمجموعة من الأتباع ينظمون أمور الدولة، فأعطى دولته طابع الملك.
 وفي ذلك الوقت كانت الأندلس تعاني من التفكك تحت حكم ملوك الطوائف الذين كانوا يواجهون خطر غزوات المسيحيين، وسيطرة ملوكهم وتعسفهم في مطالبة الولاة المسلمين بما لا طاقة لهم به، وكان يوسف يفكر في حال المسلمين في بلاد الأندلس وما يفعله النصارى بهم ويتجه إلى الله تعالى مستخيراً إياه يتلمس منه النصر، وكان إذا أجبر على الكلام قال "أنا أول منتدب لنصرة هذا الدين، ولا يتولى هذا الأمر إلا أنا".
 واستنجد أمراء الأندلس بابن تاشفين لينقذهم من النصارى وكان على رأس من استنجد به "المعتمد بن عباد" أمير إشبيلية، فأعد ابن تاشفين جيشه، وواجه النصارى بقيادة "ألفونسو" السادس في موقعة "الزلاقة" عام 480هـ/1087م وانتصر جيش ابن تاشفين انتصاراً هائلاً، وبعدها وحَّد المغرب والأندلس تحت قيادته الخاصة، ورأى شيوخ المرابطين ما يقوم به يوسف من أعمال عظيمة فاجتمعوا عليه وقالوا له : أنت خليفة الله في المغرب وحقك أكبر من أن تُدْعَى بالأمير، بل ندعوك بأمير المؤمنين، فقال لهم "حاشا لله أن أتسمى بهذا  الاسم، إنما يُتَسَمَّى به الخلفاء، وأنا رجل الخليفة العباسي، والقائم بدعوته في بلاد المغرب"، فقالوا له "لابد من اسم تمتاز به"، فقال لهم "يكون أمير المسلمين".
 وبعد انتهاء موقعة الزلاقة بايعه من شهدها معه من ملوك الأندلس وأمرائها أميراً على المسلمين، وكانوا ثلاثة عشر ملكاً، واستطاع يوسف بن تاشفين أن يوقف زحف جيوش النصارى، وأن يعيد ما استولوا عليه من الأندلس، وامتدت دولته فشملت الأندلس والمغرب الأقصى، وازدهرت البلاد في عصره.. هكذا تتحدث كتب التاريخ عن فاتح كبير، وأمير مقرب من العلماء.. إلا أن كل هذه الحقائق التاريخية ما تلبث أن تصطدم بإهمال ضريحه الذي كان يضم أهم الكتب التاريخية، وكان مكتبة قائمة الذات، إلا أنه اليوم تحول إلى قبر منسي.
ودعا عدد من الباحثين والمهتمين بالتاريخ الإنساني إلى جعل ضريح يوسف بن تاشفين متحفاً أو مزاراً يشهد على قوة الدولة الإسلامية ويعيد الاعتبار إلى باني مراكش.

emiratesvoice
emiratesvoice

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قمامة ودخان ومشردون عند ضريح يوسف بن تاشفين في مراكش قمامة ودخان ومشردون عند ضريح يوسف بن تاشفين في مراكش



GMT 22:46 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

جولة على أهم المتاحف والمعارض الفنية العالمية والعربية

GMT 08:03 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

المؤلفون غير البيض يشعلون شغف الطلاب بالقراءة

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates