الشارقة – صوت الإمارات
اعتبر الدكتور غانم السامرائي أن الشعر هو أكثر الأصناف الأدبية خسارة في الترجمة، مشيراً إلى أن الشعر لا يمكنه أن ينفصل عن اللغة التي كتب بها أصلاً، فلا تختلف اللغات عن بعضها فقط في نظامها العروضي بل في نظامها الصوتي أيضاً، الذي يصعب سبر أغواره في اللغة الأم، فكيف الأمر في ترجمته إلى لغة ثانية، إن الشعر هو أكثر الأصناف الأدبية خسارة في الترجمة.
وجاء ذلك خلال ندوة بعنوان "ترجمة الشعر.. الآفاق والتطلعات"، ضمن نشاط منتدى الثلاثاء الذي ينظمه بيت الشعر في الشارقة، والتي شارك فيها الدكتور شهاب غانم والدكتور غانم السامرائي، وقدمها نوزاد جعدان، وحضرها مدير بيت الشعر محمد البريكي، وجمهور من الشعراء والباحثين والمهتمين.
وأضاف السامرائي أن الصيغة النثرية لقصيدة ما ليس لها التأثير ذاته، وربما المعنى الذي تحدثه القصيدة ببنائها الشعري في لغتها الأصلية، إضافة إلى ذلك؛ أن الشعر مرتبط بثقافة اللغة الأم، التي غالباً يصعب نقلها إلى لغة أخرى دون خسارة أو ضياع لبعض ظلال معانيه، كما أن اللغة الأصلية قد توفر من خلال تقاليد راسخة تاريخياً، آفاقاً استعارية قد لا تتوافر في اللغة المترجم إليها.
وعن الإشكاليات في الترجمة، قال: "تعاني بعض الترجمات اللغة التفسيرية، والحذف، وتغيير زمن الفعل، والصور الاستعارية، وتفادي المفردات غير الشعرية، والصعوبات الثقافية، والتعميم بدلاً من التخصيص، وأخطاء ناتجة عن فهم المفردات".
وتابع عن الآفاق المتعلقة بالترجمة "رغم كل التحذيرات من صعوبة ترجمة الشعر، لم يستطع المترجمون مقاومة الرغبة في ترجمة القصائد المفضلة، وترجمة الشعر متواصلة منذ قرون، ولا يبدو أنها ستتوقف، فالترجمة صيغة تقريبية عن الأصل، وبعض الترجمات مخلصة أكثر مما هي جميلة، وبعضها جميلة أكثر مما هي مخلصة للأصل، وسواء أردنا أم لا فإن ترجمة الشعر مسألة مشروعة، مثلما هي ترجمة العلوم والاقتصاد والسياسة".
وتطرق الدكتور شهاب غانم إلى ترجمته للشعر، وتحدث عن سبب دخوله عالم الترجمة والجوائز، التي حصل عليها من خلال ورقة بعنوان: "تجربتي في الاشتغال على الترجمة".
وأوضح شهاب: "عندما كنت في المدرسة الثانوية، كان من ضمن النصوص الشعرية التي درسناها على يد أستاذ بريطاني متمكن من خريجي (كامبردج) بعض رباعيات الخيام من ترجمة إدوارد فتزجرالد، وهي ترجمة ساحرة أتوقع أن يكون كثير منكم اطلع عليها، وعلى الرغم من أنها ليست ترجمة دقيقة للأصل الفارسي كما يقال؛ فقد اقتنعت منذ اطلعت عليها بإمكان ترجمة الشعر، خصوصاً إذا كان المترجم شاعراً يجيد اللغتين، وبشكل خاص اللغة التي يترجم إليها".
وأضاف: "لقد اطلعت في ما بعد على رأي الجاحظ الذي يقول: (وفضيلة الشعر مقصورة على العرب، وعلى من تكلم بلسان العرب، والشعر لا يستطاع أن يترجم ولا يجوز عليه النقل، ومتى حوّل تقطع نظمه وبطل وزنه وذهب حسنه وسقط موضع التعجب منه، وصار كالكلام المنثور، والكلام المنثور المبتدأ أحسن وأوقع من المنثور الذي حوّل من موزون الشعر)، هذا كلام الجاحظ، وأنا أرى أنه متشدد فقد كان بعض الشعر المهم معروفاً عند أمم قبل العرب، ومن ذلك إلياذة هوميروس مثلاً، ولكن فعلاً معظم الشعر الموزون يترجم منثوراً، وإذا ترجم موزوناً فقد يكون أحياناً ثقيل الظل أو ثقيل الدم كما يقال، إلا إذا كان المترجم شاعراً متمكناً، وتفاعل تفاعلاً كبيراً مع النص وهضمه وترجمه شعراً في الوزن الذي ارتاح إليه الشاعر المترجم، وكان وزناً مناسباً للنص الأصلي".
أرسل تعليقك