الشارقة - صوت الامارات
في إطار البرنامج الفكري المصاحب للدورة الـ16 من ملتقى الشارقة الدولي للراوي، انطلقت، مساء الإثنين، في معهد الشارقة للتراث، فعاليات الندوة الخاصة بالشخصية الأساسية للملتقى، وهي شخصية "جحا"، التي ذاع صيتها في الثقافات العالمية المختلفة، وحملت الندوة عنوان "جحا تراث إنساني مشترك"، وتضمنت أربع جلسات، على مدار يومين. وأدارت الجلسة الأولى الدكتورة مهال كيّال، من لبنان، وشارك فيها كل من الدكتور عمرو عبدالعزيز منير، من مصر، والدكتور ألماز أبراييف، من جمهورية قيرقيزيا، وأمينة جعفر الفردان، من البحرين.
وأشارت "كيّال" بداية إلى أن شخصية "جحا" تحمل معها الكثير من الدلالات والمعاني الثقافية، كما أنها تحمل زخمًا من الدهشة، وعالمًا غنيًا من الإبداع والإمتاع، وقالت: "لا يهمّني إذا كانت شخصية جحا من ابتكارنا كعرب أو مسلمين، أو لا، فأنا لست مؤرخة، ما يهمّني فعلاً هو أننا أحيينا هذه الشخصية فينا، مع تعاقب الأزمان والأجيال، ليظل المبدع ببساطته هو القادر على نقلنا من معرفتنا المكتسبة إلى يقظة الفكر". وفي أولى مداخلات الندوة، أشار الدكتور عمرو عبد العزيز إلى أسبقية ظهور شخصية "جحا"، وأولية إبداعها في التاريخ العربي، وقال: "إن شخصيته كانت علامة رمزية فارقة، أثرت، وما زالت مؤثرة، في مجتمعاتنا، وامتد تأثير هذه الشخصية إلى الثقافات العالمية، فبتنا نعاين جحا الفارسي، والتركي، والأوروبي، والآسيوي، والأفريقي"، وثمة جحا ما زال مجهولاً، وعلينا دومًا البحث عنه، والتعرف إليه، في مجمل النتاج الثقافي الشعبي الإنساني، وإن من حق كل جماعة إنسانية الاحتفاء بجحاها، وتقديمه إلى الثقافات الإنسانية، بمختلف وسائل التوصيل، وليس من حق ثقافة ما الاستئثار به".
وأشار ألماز أبراييف، في ورقته بعنوان: "جحا.. بين الواقع التاريخي، واستلهام الرمز"، إلى أن شخصية "جحا" كانت بمثابة معين لا ينضب للأدباء والمفكرين، فتارة يسجلون من خلالها مواقفهم السياسية والاجتماعية الساخرة، في زمان كان الجهر بالآراء المباشرة ذا ضرر بالغ على صاحبه، وتارة أخرى تتضمن مواقفه غايات أخلاقية ومبادئ سامية، بهدف التثقيف والتربية، مضيفًا أن الصفة الشعبية التي وسمت بها شخصية "جحا"، حققت ذيوعًا وشهرة في مختلف الثقافات، وأصبح لها وجود خاص في الضمير الجمعي للشعوب، لأنها تتضمّن نقدًا للواقع، علاوة على رؤيتها وتحليلها للأحداث العاصفة، التي تمر بها هذه المجتمعات والشعوب. وبدورها، تطرّقت الباحثة البحرينية أمينة الفردان إلى محاور عدة تتعلق بالأبعاد الرمزية لشخصية "جحا"، وتنقلها بين التاريخ والأدب الشعبي، من خلال التعريف بهذه الشخصية المهمة، لإزالة الغموض عنها، وقدمت "الفردان" إضاءات حول "جحا" في الأدب الشعبي، وحقيقة "جحا"، استنادًا إلى ما ورد في الكتب والمراجع العلمية، وحضور "جحا" في التراث العربي، والمحلي بشكل خاص، كما تطرّقت إلى ملامح الظهور ومكامن التوظيف لشخصية "جحا" في الإبداع الجمعي، وارتباط هذه الشخصية بحرية النقد والسخرية، وعرجت الباحثة إلى تجليّات هذه الشخصية في التراث البحريني، وأبرز نوادره التي شاعت وذاعت في مرويات هذا التراث، التي أصبحت حِكَمًا وأمثالاً ومواعظًا شعبية.
وفي ثاني الجلسات، تحدث الدكتور منّي بونعامة، رئيس القسم الثقافي في معهد الشارقة للتراث، عن البعد التاريخي لشخصية "جحا"، وقال: "إن السياق التاريخي الذي شهدته المرويات العربية حول شخصية جحا يحمل الكثير من الإشكالات والتضارب، فيما يتعلق بالاسم، ومكان الميلاد، والفترة الزمنية التي عاشها جحا، من منطقة لأخرى، مشيرًا إلى أن أول ذكر له كان في كتاب الجاحظ، وكانت الصفة الملازمة له إما الجنون أو الحمق، ولكن هناك مصادر أخرى ذكرت أنه كان شخصًا ذكيًا، وهناك من دس في الروايات، واختلق الحكايات، فأضفى عليه صفة الحمق، وروى عنه بعض النوادر الساخرة.
وتطرّق الدكتور عبد الرحيم جيران، ثاني المتحدثين في الجلسة، إلى كيفية تعامل الرواة والمؤرخين مع شخصية "جحا" النادرة، فهناك من رأى أنه لا ينتمي إلى الأدب، وإنما إلى الفلكلور، وهناك من رأى أن نصوص ""جحا في حد ذاتها تعتبر تخييلاً يسبق بدايات التدوين. أما الدكتورة زهور كرام، فقدمت مداخلة بعنوان: "جحا وبلاغة المحكي المتوارث"، أشارت فيها أن شخصية "جحا" في الحكاية الرمزية تعد من أهم الشخصيات التعبيرية، التي أصّلت لفكرة "المشترك الإنساني" عبر مختلف العصور، وتحولت مع تعاقب الزمن إلى مرجع للثقافات والحضارات الإنسانية.
أرسل تعليقك