أبوظبي – صوت الإمارات
في كل عام مع الاحتفالات بمولد النبي محمد، صلى الله عليه وسلم؛ يطل "المالد" على جمهوره لتجسيد لوحات من السيرة النبوية العطرة، باعتباره الملمح الأساسي للاحتفالات الشعبية المحلية في ذكرى المولد النبوي الشريف.
جاءت تسمية "المالد" مشتقة من كلمة المولد، ويعد واحداً من الفنون الشعبية وجزءاً أصيلاً من تراث الإمارات، ترجع بداياته إلى رحلات الحج التي كانت تخرج من أبوظبي ودبي إلى مكة المكرمة. ويتكون "المالد" من صف من الجالسين يحملون بأيديهم طبولاً ضخمة يلوحون بها في الهواء ويضربون عليها فتنبعث نغمة موحدة يتخللها نشيد ديني يتحدث عن سيرة الرسول، صلى الله عليه وسلم، وفي مواجهة هذا الصف يجلس عدد من المنشدين وقد تلاصقت أكتافهم يتمايلون يميناً وشمالاً وهم يرددون وراء المنشد كلمات عن الرسول وآله. وهؤلاء المنشدون هم الجانب المكمل لهذه اللوحة، ويقوم "المالد" على ثلاثة أمور لابد من توافرها، وهي: النص وهو عبارة عن منظومة طويلة موضوعها قصة النبي محمد والسيرة النبوية، ثانياً: المنشد وعادة ما يكون من الفقهاء الذين تتوافر فيهم القدرة على فهم السيرة وحفظها عن ظهر قلب، إلى جانب جمال الصوت وحلاوة النبرة. كذلك لابد من أن تتوافر فيه صفة القيادة للفريق المؤدي للفن، ويسمى المنشد "بالنظيم". الركن الثالث هو المنشدون وهم ينقسمون إلى مجموعتين، الأولى حملة الدفوف "الطيران" ويقومون بالضرب عليها برفقة المنشد والمجموعة الثانية ويكون عددها أكثر من المجموعة الأولى حيث يقوم أفرادها بترديد البيت الذي يمثل لازمة للنشيد كله.
ولم يكن يقتصر أداء المالد على المولد النبوي فقط، ولكنه كان يحضر في مناسبات مختلفة مثل الأعراس، فلم يكد عرس يخلو من فن المالد. كذلك يقام في بعض المناسبات مثل حالات ختان الأطفال والوفاء بالنذور. وينقسم فن "المالد" إلى قسمين، الأول تتلى فيه السيرة النبوية وأما الثاني فهو المالد الذي يتلى فيه ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام. ومن أشهر أنواع المالد: "السماع" وتستخدم فيه الدفوف فقط، و"البرزنجي" الذي يقوم على ذكر شمائل الرسول من دون استخدام الدفوف، وتبقى "بردة" الإمام البوصيري، و"نهج البردة" لأحمد شوقي من أشهر القصائد التي تستخدم في "المالد" وأكثرها انتشاراً، إضافة إلى قصائد أخرى شعبية محلية، ورغم تشابه فن "المالد" في الإمارات مع الفن نفسه في دول الخليج، خصوصاً سلطنة عمان، إلا أن المؤدين في الإمارات استطاعوا أن يجعلوا لهذا الفن طابعاً خاصاً بهم يميزهم عن الأساليب الأخرى.
وكان أول من أنشد المالد خلال رحلات الحج هو الفقيه، محمد عمر الأفغاني، وكان الإماراتي عبدالله المريد أول من تتلمذ على يدي الأفغاني، الذي أقام في إمارة دبي فترة ونظم حلقات للذكر والموالد الدينية وتتلمذ على يديه العديد من أبناء الإمارات الذين كانوا يحضرون حلقاته، ومنهم الشيخ عبدالله المريد الذي قام بنقل علمه وطريقته إلى ابنه عبدالرحيم الذي عرف أيضاً باسم المريد، وكان من أشهر شيوخ الصوفية وفن المالد في الإمارات.
وفي سبيل الحفاظ على "المالد" باعتباره أحد الفنون الشعبية، عمدت جهات رسمية في الدولة، مثل وزارة الثقافة وتنمية المعرفة وهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة ونادي تراث الإمارات، وغيرها، إلى الاهتمام به والحفاظ عليه من الاندثار وإطلاق مشروعات لتوثيقه وتنقيته من الشوائب، خصوصاً بعد وفاة كثير من رواد هذا الفن الشعبي. واهتمت وزارة الثقافة وتنمية المعرفة بإحياء فن "المالد"، وتقديم لوحات منه في احتفالاتها بالمولد النبوي الشريف كل عام، كما قامت في عام 2009، ضمن احتفالها بهذه المناسبة، بتكريم رواد فن "المالد" وإنشاد السيرة النبوية وقصائد مدح الرسول، كالبردة للبوصيري ونهج البردة لأحمد شوقي، وغيرهما، ومن المكرمين كان الشيخ عبدالله المريد، وعبدالرحيم محمد الهاشمي، والشيخ عبدالرحيم المريد، والشيخ عبدالرحمن المنصوري، والشيخ أحمد بن حافظ. كما كان "المالد" وشيوخه موضوعاً للفيلم التسجيلي الإماراتي "المريد"، الذي أخرجته الشاعرة الإماراتية، نجوم الغانم، وكتبه الشاعر خالد البدور، ويتناول شخصية المتصوف عبدالرحيم المريد.
أرسل تعليقك