القاهرة - صوت الامارات
بين مجموعة صغيرة من الناس جلست إيمان مراد، وهي بطلة كاراتيه مصرية من ذوي الاحتياجات الخاصة، على كرسيها المتحرك تقص حكايتها الشخصية على الحاضرين، ضمن مبادرة "المكتبة البشرية"، حيث حكت عن الألم الذي عانته وعن الدعم القوي الذي تلقته من أخوتها ووالدتها، كما تحدّثت أيضا عن التحدي الذي انبرت له لتصنع نجاحها الرياضي، فيتلاشى الكرسي المتحرك أمام الحاضرين وينغمسون في قصتها أكثر ويرونها بنظرة أخرى تنم عن الإعجاب بشخصيتها ومنجزاتها.
أقرأ أيضا : المكتبة الروسية القومية تعرض العهد الجديد باللغة السريانية
إيمان لم تكن الوحيدة التي تقص حكايتها، بل هناك آخرون يجلسون إلى طاولات ليرووا قصصهم الملهمة، فمبادرة "المكتبة البشرية"، أو "الإنسانية" كما يحب مؤسسوها أن يسموها، هي دعوة للتعارف والتعاطف واحترام الآخر، مع الإشارة إلى أن "الكتب" في هذه المكتبة هي البشر المشاركون فيها.
أُسست المكتبة في مصر في مايو (أيار) ٢٠١٦، وهي جز من مبادرة عالمية تحمل الاسم نفسه أُطلقت في الدنمارك عام ٢٠٠٠ على يد روني أبيرغيل، وصار لها فروع في ٧٠ دولة، ونقلتها إلى مصر أسماء إسماعيل، وهي مهندسة كمبيوتر تهوى الكتابة عن المشاعر الإنسانية، وانضمت إليها شابتان صديقتان أعجبتهما الفكرة من حيث كونها تساهم في تكوين مجتمع صحي يتقبّل فيه كل فرد الآخر.
تستقبل المكتبة أشخاصًا من كل الاتجاهات ليقوموا بأدوار الكتب، فكل من يعاني من نظرة المجتمع السلبية إليه أو لديه حكاية ملهمة يمكن أن تساهم في تغيير أفكار الناس بشكل إيجابي، يمكنه أن يكون هو الكتاب، فيجلس الشخص إلى طاولة وأمامه "القرّاء"، يحكي قصته وهم يستمعون ويسألون ويستفسرون، كل قارئ يقلّب في صفحات هذا الكتاب كيفما يشاء، فتنتهي التجربة وقد قرأ كل قارئ الكتاب بشكل ذاتيّ.
نظمت المكتبة حتى الآن أربع جلسات وتستعد لتنظيم خامسة، وفي كل جلسة يستضيف المنظمون مجموعة من "الكتب" لعرض تجارب مختلفة، مثل فتاة غير متزوجة تبنّت طفلة، ولاجئة سورية تروي معاناتها، ومتعافٍ من الإدمان وامرأة مطلقة وغيرهم.
تقول أسماء إسماعيل - 33 عاما "نحاول اختيار أشخاص ذوي تجارب مختلفة ليكونوا كتبًا ويعرضوا قصصهم للقراء ويغيروا المفاهيم السائدة"، وتضيف أن هناك صفات يطلقها الناس على بعض الأشخاص بمجرد أن يروهم للوهلة الأولى، مثل مدمن، معاق، لاجئ، عانس وغيرها من الصفات التي قد تكون خاطئة لأنها تعتمد على الحكم من خلال المظهر وليس الجوهر، وتتابع "المكتبة متنوعة كالمجتمع، ولا يمكن أن نخصصها مثلا للنساء فقط آو اللاجئين فقط، فكل شخص هنا له الحق أن يحكي قصته ويساهم في التغيير".
تُنظم جلسات المكتبة في عدة أماكن في القاهرة، وبدأ فريق العمل إقامة جلسات جديدة في الجامعات، على أن يتوسع النشاط لاحقًا ليتخطى القاهرة إلى المحافظات المصرية، والمكتبة لا تعنى فقط بتنوير القارئ بل تشجع أيضا الكتاب - الشخص نفسه - على أن يكتسب الجرأة ليعبر عن نفسه.
تقول أميرة رزق العضو في الفريق والعاملة في مجال التسويق، إنها انضمت إلى المكتبة البشرية لأنها تحب مساعدة الناس، وتضيف: "أعجبتني الفكرة لأنها تبعدنا عن الحكم على الناس، فليس من حق أي إنسان أن يحكم على آخر، كل فرد له معاييره وأسلوبه، وكل شخص له قيمه المختلفة"، وتلفت إلى أنه "عندما يستمع شخص إلى قصة شخص تعافى من الإدمان على سبيل المثال، سيرى أنه ليس مجرما بل ضحية، وهكذا يمكن أن تتغير نظرته الأولى إليه لتصبح نظرة شاملة تجعله يتقبله، وهذا ينطبق على سائر القصص".
وتقول عضو الفريق سناء عباس التي تعمل مبرمجة كومبيوتر، إن رواد المكتبة في ازدياد، وتؤمن بأن المكتبة قادرة على تغيير تفكير الناس نحو الأفضل "هذه المكتبة مهمة واعتقد أن مجتمعنا يحتاج فعلًا إلى هذه المبادرة".
وقد يهمك أيضاً :
"المكتبة المتنقلة" واقع ثقافي متطور يخدم المعرفة المجتمعية
رسائل أحلام مستغانمي "إلى الذين لم يعد لهم من عناوين لنكتب إليهم"
أرسل تعليقك