الاحتفال برأس السنة والأعياد تلهم الشعراء كثيرًا من قصائدهم
آخر تحديث 13:50:28 بتوقيت أبوظبي
 صوت الإمارات -

تراوح العام الجديد بين رسائل القانطين والمنتظرين للبشائر

الاحتفال برأس السنة والأعياد تلهم الشعراء كثيرًا من قصائدهم

 صوت الإمارات -

 صوت الإمارات - الاحتفال برأس السنة والأعياد تلهم الشعراء كثيرًا من قصائدهم

الاحتفال برأس السنة والأعياد
القاهرة - صوت الإمارات

لطالما شكلت الأعياد لدى السواد الأعظم من الناس فرصاً دورية متكررة لاختلاس لحظات من الراحة والغبطة الصافيتين، وسط متاعب الحياة ومنغصاتها الكثيرة، وإذا كانت الأعياد في الأصل ذات منشأ أسطوري متصل بفكرة الموت والقيامة، كما في أعياد تموز الذي تعيده الآلهة إلى الأرض ربيع كل عام، أو منشأ ديني ما تزال تمثلاته قائمة لدى مختلف الديانات، كأعياد الفطر والأضحى والميلاد، فإن البشرية لم تكف عن ابتكار أعياد ذات بعد وطني، كأعياد الاستقلال والشهداء، أو ذات بعد عاطفي، كأعياد الحب والمرأة والطفل والأم، أو اجتماعي ونقابي، كأعياد العمال والمعلم. يتحول العيد بهذا المعنى إلى مناسبة رمزية لتعويض بعض الشرائح الاجتماعية المقهورة عمّا لحق بها من غبن، أو إلى نوع من النصب الزمني التذكاري لوقائع ومحطات تاريخية يراد لها أن تتأبد في ذاكرة الجماعة، أو لأساطير ومعتقدات يراد لها أن تصبح جزءاً من النسيج الثقافي المشترك الذي يزيد في لحمة الجماعات وتماسكها.

وما يلفت الانتباه في هذا السياق أن الأعياد في الشرق، وبمعزل عن جذور بعضها الدموية والمأساوية، تظل متصلة بطقوس الفرح والبهجة، وما يرافقهما من مظاهر الزينة الاحتفالية والإقبال على المآكل والملذات، بل إن لفظة العيد ذاتها باتت لدى المشرقيين رديفة لكل ما يرمز إلى السعادة والفرح النقيين، اللذين تم تطهيرهما من الدنس والألم عبر أضحيات بشرية حيناً، وحيوانية أو مادية حيناً آخر. أما الدلالات المعجمية للفظة، فيردّها ابن منظور في «لسان العرب» إلى الجذر الثلاثي (عاد)، حيث الناس في بحثهم عن هوية وتاريخ مشتركيْن يعودون باستمرار إلى حدث تأسيسي له قوته الجاذبة وسحره المؤثر. وإذا كان ابن الأعرابي يقول إن «العيد سمي عيداً لأنه يعود كل سنة بفرح متجدد»، فإن الأزهري يذهب بخلاف ذلك إلى القول إن العيد عند العرب «هو الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن» على حد سواء، بما يعني أن المعنى الشائع للفظة ناجم عن حاجة الناس إلى التخفف من أحزانهم، والبحث عن الفرح الطفولي الصافي الذي أبعدهم عنه عالم مثخن بالفقر والظلم والحروب المتعاقبة.

وتبدو الاحتفالات الصاخبة التي يقيمها سكان الكوكب الأرضي عند مفاصل الأعوام، من ناحية ثانية، وكأنها محاولة آهلة بالدلالات للاحتماء من سطوة الزمن وجريانه المتسارع. فالمحتفلون في الشوارع والساحات وأماكن اللهو يحولون أجسادهم المتلاصقة الممعنة في اندفاعها الهذياني إلى تعويذة لمواجهة الخطر الآتي من جهة المستقبل. وهذا الضجيج المتعاظم الذي يثيره المحتفلون بالمناسبة من حولهم يشبه إلى حد بعيد الضجيج الذي يحدثه السائرون في الدروب والغابات الموحشة لتشتيت فكرة الخوف ودفعها بعيداً إلى الوراء. على أن الأمور تصبح أكثر صعوبة بالنسبة للبشر الفرادى والوحيدين والمهجورين، إذ إنهم في ظل صخب الآخرين والتقائهم في حلقات متضامنة، يشعرون بوطأة الوحدة وصقيع الداخل، ويستسلمون لما يصفه علماء النفس بكآبة الأعياد وقتامتها المطبقة. فأن تكون وحيداً في عيد الميلاد، وسط فرح طفولي عارم بولادة المسيح، لهو أمر يبعث على الشعور باليتم والنبذ القاسيين. وأن تكون وحيداً في عيد العشاق، حيث يخلد كل عاشق إلى كنف من يحب، يعني أن ينتابك شعور ممض بالعزلة والبرد وفقدان الظهير. وأن تكون وحيداً ليلة رأس السنة، يعني أنك لن تجد ما تفعله سوى مضغك المر للذكريات التي انصرمت، وانتظارك الثقيل للمزيد من الخسارات، وليس من المستغرب تبعًا لذلك أن تتحول نهايات الأعوام ومطالعها ليس فقط إلى محطة دورية يمارس فيها العرافون والمنجمون والمشعوذون أدوارهم في قراءة طوالع الكوكب ومصائر ساكنيه، بل إلى مناسبة لاختلاء الشعراء بشياطينهم، والإنصات إلى عقارب الزمن المتسارع وهي تضع كلاً منهم أمام نوع مختلف من الأحاسيس والأخيلة. فنازك الملائكة، ذات النزوع الرومانسي المشبع بالحزن، ترى في «قصيدة على أبواب العام الجديد» المناسبة من جانبها السوداوي، حيث لن يضيف العام الجديد شيئاً يذكر إلى فاقدي الأمل بالمستقبل الذين يهيمون على وجوههم كالأشباح في مفازات الحياة الجرداء: «يا عام لا تقربْ مساكننا فنحن هنا طيوفُ \ من عالم الأشباح، ينكرنا البشرْ \ ويفرّ منا الليل والماضي، ويجهلنا القدرْ \ ونعيش أشباحاً تطوفُ \ نحن العراة من الشعور، ذوو الشفاه الباهتة \ الهاربون من الزمان إلى العدمْ». ولم يكن أدونيس في بداياته بعيداً عن هذه النبرة الرومانسية، وإن كانت فرص النجاة والهلاك منوطة بإرادة البشر المأزومين، وتصميمهم على الخروج من دوامة العجز والفراغ، بعد أن خاضوا معاركهم القاسية ضد الدخلاء. ففي قصيدته «المشردون» يعلن الشاعر: «في أول العام الجديدْ \ قالت لنا آهاتنا: \ شدّوا الرحال إلى بعيدْ \ أو فاسكنوا خيم الجليدْ \ فبلادكم ليست هنا \ نحن الذين على الدخيل تمردوا \ فتهدموا وتشردوا \ أكل الفراغ نداءنا». على أن نزار قباني لا يرى في هذه المحطة الزمنية ما يعكر صفوه، ما دامت حبيبته جاهزة على الدوام لمشاطرته فرحة العيد، والتنقل معه عبر الأعوام. لذلك فهو لا يتوانى في قصيدته «إلى حبيبتي في رأس السنة» عن الإعلان: «أنقل حبي لك من عامٍ إلى عامْ \ كما ينقل التلميذ فروضه المدرسية إلى دفتر جديد \ أنقل صوتكِ، ورائحتكِ، ورسائلكِ، ورقم هاتفكِ وصندوق بريدك \ وأعلّقها في خزانة العام الجديد \ وأمنحكِ إقامة دائمة في قلبي». أما الشاعر العراقي عدنان الصائغ فهو، خلافاً لنزار، وككل البعيدين عن أوطانهم، لا يرى في هذا البرزخ الزمني سوى مناسبة لتأكيد شعوره بالوحشة والنأي وسط جموع المحتفلين في ساحات أوطانهم وكنف بيوتهم الدافئة: «يسقط الثلج على قلبي في شوارع رأس السنة \ وأنا وحدي محاطٌ بكل الذين غابوا \ كل الأذرع تتعانق \ وأنا أحدق عبر نافذة المنفى إلى وطني».

وثمة كثير مما يمكن للشعراء أن يبوحوا به، أو يسكتوا عنه، وهم يودّعون عاماً أفل ويستعدون لانطلاقة عام مقبل، على أن الملاحظ في هذا السياق أن المناسبة تكاد تنحصر عند الشعراء الغربيين في إطارها الفردي. فحيث لا معاناة مع الاحتلال أو القهر والجوع والمهانة، تتحول المنازلة مع الزمن ومقاربة قضايا الوجود الكبرى إلى قضيتين محوريتين في النصوص المتعلقة بالمناسبة. ففي حين يعلن الشاعر الأميركي تيد كوزر في قصيدته «بداية العام» أن «كل شيء في الهواء النقي يشبه وعداً، وأن المزيد من الطيور في الطريق إلينا»، تتحدث مواطنته كيم أدونيزيو في قصيدتها «يوم رأس السنة» عن أزمة منتصف العمر ومأزق النساء الأربعينيات بالقول: «أولئك الفتيات اللواتي بتن مثلي في الأربعين \ عليهن أحياناً الوقوف ليلاً وراء النافذة \ ناظرات إلى باحة صامتة \ إلى مقعد يصدأ \ وإلى أسوار منازلِ الآخرين العالية \ لا بد أنهن يجلسن بعد الظهيرة وينتحبن \ متسائلات كيف حملتهنّ حيواتهنّ كل هذه المسافة».

أما في الجانب الآخر من الكوكب الأرضي، فثمة شعراء تعرضت أرضهم ومساقط رؤوسهم لأبشع أنواع الاحتلال الاستيطاني، كما هو حال الفلسطينيين الذين باسم آلامهم ومكابداتهم الطويلة رفعتْ فدوى طوقان صلاتها إلى العام الجديد، هاتفة به كما لو أنه مهدي شعبها المنتظَر: «يا غنياً بالأماني والوعودْ \ ما الذي تحمله من أجلنا؟ ماذا لديكْ؟ \ أعطنا حباً، فبالحب كنوز الخير فينا تتفجرْ \ أعطنا حباً فنبني العالم المنهار فينا من جديدْ».

قد يهمك أيضًا: 

حاكم الشارقة يزور متحف الفن الإسلامي في برلين

محاضرة لمديري متحف اللوفر في متحف الفن الإسلامي

emiratesvoice
emiratesvoice

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاحتفال برأس السنة والأعياد تلهم الشعراء كثيرًا من قصائدهم الاحتفال برأس السنة والأعياد تلهم الشعراء كثيرًا من قصائدهم



GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 01:44 2018 السبت ,29 كانون الأول / ديسمبر

جيمي أيوفي يستمتع مع أسرته في "أتلانتس دبي"

GMT 10:11 2012 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الطاقة الإثيوبي: في طريقنا لاستكمال مشروع سد النهضة في 2015

GMT 19:07 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

اسباب تضخم الكبد وطرق العلاج

GMT 18:36 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

صفّ السيارات يتسبب في مشاجرة بالضرب بين رجل وفتاة في تكساس

GMT 20:58 2013 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

أول اجتماع لرئيس التليفزيون لبحث تطوير القنوات المصرية

GMT 06:43 2015 الجمعة ,19 حزيران / يونيو

الطقس في الإمارات الجمعة مغبرًا جزئيًا

GMT 01:51 2016 الثلاثاء ,29 آذار/ مارس

افضل التصاميم البارزة لأحذية ربيع 2016

GMT 11:53 2013 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام مسابقة الخطابة باللغة العربية للجامعات الصينية

GMT 22:33 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

إطلالة مثيرة للموديل هايدي كلوم في حفل "أمفار"

GMT 02:28 2014 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

"الإسلاميّون" يعتبرون "العلمانيّة" ارتدادًا عن الدين

GMT 14:55 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

طاهية تصنع قطار من خبر الزنجبيل "بالحجم الطبيعي" في سيدني

GMT 22:11 2013 الأربعاء ,29 أيار / مايو

الموسيقى المعاصرة على "راديو فرنسا" الأربعاء

GMT 03:26 2013 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

مجدي يعقوب يجري 3 عمليات "قلب مفتوح"

GMT 15:12 2013 الإثنين ,30 أيلول / سبتمبر

جامعة عثمانية إحدى أبرز جامعات الهند وآسيا

GMT 18:29 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الجامعة الأميركية في الإمارات تنظم مؤتمرًا عن "الناتو"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates