أبوظبي - صوت الإمارات
تواصلت أمس الاربعاء فعاليات مهرجان قصر الحصن في أبوظبي لليوم الثامن على التوالي، لتضفي البهجة والمتعة على جمهور المهرجان من مواطنين ومقيمين وزوار من خارج الدولة، إذ أسهم المهرجان في تعريف الجمهور إلى التراث الإماراتي والترويج للصناعات التقليدية والحرفية القديمة .
خلال فعاليات المهرجان، تألق حضور كبار السن "الشواب"، سواء كانوا مشاركين في مختلف فعالياته وفي شتى أركانه، أو حتى زائرين له يستذكرون الماضي الجميل، ويحنون لأيام الصبا وما تحمله من متعة ونقاء، ما أكد أهمية المهرجان باعتباره ملتقى للجميع، بمن فيهم كبار السن من الجنسين، ليجسدوا حكاية الماضي بتفاصيله الجميلة، وكأنه واقع حاضر نعيشه اليوم .
وأكد مجموعة من "الشواب" خلال المهرجان ضرورة أن تتخذ الهيئات والجهات المختصة دورها في الحفاظ على الحرف القديمة خوفاً عليها من الاندثار، وإعطاء حوافز لأصحاب الحرف المتميزة، لأنها تعد إرثاً شعبياً وحضارياً نعتز به ونفخر على مر الزمان، خاصة أن هناك إقبالاً كبيراً من المواطنين من مختلف مدن الإمارات، وكذلك السياح العرب والأجانب للتعرف إلى طبيعة عمل الحرف اليدوية والشعبية، وشرائها .
وفي بيوت العريش التراثية، هناك مجموعة من السيدات الكبيرات في السن، يمتهن الحرف القديمة وعلى الرغم من اندثار بعضها، فإنهن أصررن على إحيائها، وحمايتها على مر السنوات، بهدف إحياء التراث الإماراتي والمحافظة على مكتسباته من الضياع، وإنشاء قاعدة ثقافية لدى أفراد المجتمع، بالإضافة إلى تعريف الأجيال الناشئة بالإرث الحضاري للدولة وبتراث أجدادهم .
وأكدت الجدة مريم الشحي التي كانت منهمكة بشبك سعف النخيل بعضه مع بعض لصناعة الحصير: "نعمل أنا وصديقاتي على تدريب الأيادي الشابة على الحرف التقليدية التي مارسها الأجداد، وتأصيل روح التراث والعمل في مجاله وإبقائه خالداً في نفوسهم الشابة، إضافة إلى المحافظة على الحرفة والمنتج التراثي التقليدي وتجميع القطع التراثية والمحافظة عليها، وتطوير وتجديد التراث ليناسب العصر ومتطلبات السوق المحلي والعالمي"، مؤكدة أن كبر سنها لم يقف حجر عثرة في طريق مشاركتها في مهرجان قصر الحصن في دورته الثالثة، لاسيما أن حضورها جاء عن طيب خاطر، حيث ترى المهرجان فرصة لتنقل أريج الماضي إلى الأجيال الشابة لأنه بحسب تعبيرها "اللي ماله أول ماله تالي" .
وحافظ الزي الشعبي الإماراتي على حضوره البارز في العديد من أركان المهرجان، وهذا ما عبرت عنه الجدة روضة المحيربي قائلة: "سنحافظ على أزيائنا الشعبية من الاندثار وسط غزو العادات الدخيلة على بلادنا من الغرب، والتي لا تمت إلى تراثنا بصلة، وتعمل على فصل شبابنا وبناتنا عن جذورهم وغسل أدمغتهم بأشياء لا قيمة لها، وتختلف جذرياً عن نمط الحياة القديم، وأنا حريصة على عدم تفويت المشاركة في مهرجان قصر الحصن وفي جميع المهرجانات التي تعرف الناس بتراثنا، فالملابس التي أحيكها تلقى إعجاب وتقدير كل من يشاهدها . لافتة إلى أن السائحين الأجانب ينجذبون للزي الإماراتي، ويحرصون على شرائه لأن أزياءنا الشعبية تتميز بأصالة نادرة وتحمي هويتنا الوطنية وتأصلها في نفوس الأبناء" .
وتقول الجدة مريم الكعبي التي تعرض الأزياء الشعبية معها في الخيمة التراثية: "نوفر في أيام المهرجان الملابس النسائية القديمة ونحرص على عرضها بطريقة جذابة، حيث نقوم بحياكة الألبسة النسائية لكافة المناسبات، ولدينا أنواع عدة، منها "بوقفص، وبوتيلة، والسادة، وبوطيرة، وقليم، وغيرها، وقديما حرصت المرأة على ارتداء الكندورة العربية المشجرة، أو المزراية أو المخورة، أما الثوب فتلبسه في المناسبات والأعياد، بينما تلبسه الفتيات الصغيرات بمناسبة ختم القرآن الكريم "التومينة"، وأشهر أنواعه "الميزع" و"بو الآنات" و"دح الماية" و"بوقفص"، والمتوافر بألوان عدة، منها الأحمر والأخضر والأسود، وغالباً ما يكون للثوب ذيل طويل" .
وأشارت إلى أن المرأة تحرص على ارتداء السروال لتكتمل زينتها، خاصة أن الكندورة يتم تطريزها بخيوط التلي، وتزين أسفل السروال بالبادلة وهي خيوط من الخوص والفضة وخيوط عادية من اللون الأحمر والأسود، وتستخدم الكاجوجة في تطريز خيوط التلي، والبادلة التي تضفي على الكندورة والسروال لمعاناً وبريقاً يزيد من أناقة المرأة وجاذبيتها .
أما الجدة "أم عبدالله" فتمنت لو أن بمقدورها الحضور يومياً في المهرجان، إلا أن ظروفها الصحية تحول دون ذلك، لكنها تحرص على زيارة المهرجان كلما استطاعت ذلك، لافتة إلى أنها تقوم ببيع الملابس النسائية القديمة، إذ إن أهم ما تتميز به أزياء المرأة في الإمارات ارتباطها ببيئتها، التي تنعكس على ملابسها بالألوان والأشكال، حيث يبهر الزي الشعبي الزوار بألوانه الجميلة وشكله الفضفاض وتلبيته للأذواق المختلفة، مما جعله محبباَ ومتوارثا لأجيال عدة، حيث ما تزال المرأة تحرص على ارتداء بعض هذه الملابس مع بعض الإضافات الحديثة، التي تواكب متطلبات الحياة العصرية، كما تتميز ملابس المرأة الإماراتية بالبساطة، وبالذوق والتناسق في الألوان والأشكال، وارتداء ما يلائم البيئة يتماشى مع العادات والتقاليد العربية والإسلامية .
ولم يمنع إنشغال الجدة "أم سعيد" بإعداد الأكلات الشعبية المتنوعة لزائريها، من الحديث معنا، فقالت: "جئت لأبرز ما يتميز به المطبخ الشعبي في دولتنا من أكلات متوارثة، وما زال الناس في الدولة يقبلون عليها، لاسيما خبز الرقاق الذي يعد من أشهر أنواع الخبز، والمعروف عند العرب منذ القدم، وهو عجينة رخوة بعض الشيء، تترك على النار حتى تجف، ثم تصبح الخبزة جاهزة للأكل بعد أن يوضع عليها الدهن، وتؤكل على شكل ثريد أيضاً .
أما الجدة "أم محمد" فتقوم بصنع وبيع الأكلات الشعبية، مشيرة إلى أن الهدف من مشاركتها هو إحياء بعض الأكلات الشعبية الإماراتية التي تقدم في المناسبات فقط، إذ تقدم اللقيمات طيلة أيام المهرجان .
وأكدت الجدات أنهن يعتمدن على حرفهن البسيطة التي يقمن بها ويعملن على تسويقها من خلال المهرجانات كمصدر رزق، مؤكدات أن العمل شرف مهما كانت هذه المهنة، إذ إنها تحفظ ماء وجوههن من مد أيديهن لأحد، كما أن أغلبيتهن قمن بمساعدة أزواجهن في حمل أعباء الحياة، وتعليم أولادهن .
وخلال تجول الزوار في بيئة البحر، يستوقفهم "الشواب" الذين يعملون بهمة ونشاط، فمنهم من يصنع "المحامل" ومنهم من يحيك الأشرعة بإتقان رغم كبر السن، ومنهم من يعرف الزوار باللؤلؤ والصدف، وآخرون ينشدون نهمات البحر، وغيرهم يروون قصصهم ومغامراتهم وسنوات عشقهم الطويلة للبحر .
وينشغل الجد إبراهيم محمد السويدي بعرض أدوات اللؤلؤ في خيمته على البحر، وبتنظيف الزجاج والحفاظ على لمعانه، ليتمكن الزوار من رؤية معروضاته بصورة واضحة، وبعد الانتهاء من ذلك جلس يروي قصته مع اللؤلؤ والبحر، قائلاً: "اعتمد عامة أهل الإمارات على صيد اللؤلؤ بشكل كبير، إذ كانت تعد هذه التجارة هي عصب الحياة بالنسبة لهم، وعمل في هذه التجارة عدد كبير من الناس، لكن مع ظهور النفط فإن صناعة اللؤلؤ تضاءلت إلى ان انتهت كليا بعد ذلك، وأصبح كل مايتعلق بها من الذكريات"، موضحاً أنه عمل غواصاً يبحث عن اللؤلؤ في أعماق البحار لمدة 5 سنوات، لكن توقف تجارة اللؤلؤ حال بينه وبين المهنة التي يعشقها رغم المخاطر التي تحفّها .
ويتوقف قليلاً، ثم يعود ليسترجع ذكرياته قائلاً: "عندما كانت تصل السفينة إلى موقع اللؤلؤ "الهيرات" كانت تقف ويرفع النهام صوته منشداً، وتبدأ الاستعدادات التي لاتتوقف إلا بانتهاء العمل، حيث كنت أحمل معي أدوات الغوص، وهي:"الديين والحجر والزبيل والفطام والسكين" ثم أنزل إلى قاع البحر، وبمجرد وصولي أبدأ بجمع المحار والأصداف وأضعها في "الديين"، وبعد دقائق معدودة أحرك اليدا فيقوم السيب بسحبي إلى سطح البحر، وبعدها أنزل مرة أخرى وهكذا لمدة زمنية أو بعدد التبات، وقد يستغرق العمل ساعتين أو أكثر خصوصاً بالنسبة للغيص أما بالنسبة لبقية ركاب السفينة فالعمل يستمر، وعندما ينتهي عملي أصعد على ظهر السفينة عند وقت صلاة الظهر، بعدها يتناول الجميع طعام الغداء وبعد ذلك تبدأ فترة الاستراحة فينام الجميع في هذا الوقت، أما بعد الاستيقاظ فكنت أنزل مرة أخرى إلى قاع البحر أو قد أبقى على ظهر السفينة، وتبدأ مرحلة أخرى من العمل يقوم بها السيب والجلاسة "اليلاسة"، وهي مرحلة فلق المحار التي يتعاون فيها الجميع، وفي أثناء الغروب يتوقف الجميع عن العمل استعداداً لصلاتي المغرب والعشاء .
ينهمك الجد حسين داوود، بصنع المحامل، التي تعلمها من والده وهو بعمر عشر سنوات، وأخذت من عمره أكثر من 50 عاماً، من دون كلل أو تعب، ويقول: "يعرض المهرجان الكثير من العادات والتقاليد الإماراتية الأصيلة، وكذلك الموروثات الشعبية من صناعات ومهن مختلفة والتي خلّفها الأجداد، وهي بالفعل مهن باقية حافظ عليها الأبناء، وأتقنوها لكونها مهنة الأجداد والآباء، وهذا شيء جميل وموروث حضاري يجب علينا المحافظة عليه، وأتمنى استمرار مثل هذه الفعاليات التراثية، كونها تشجع على بقاء الموروثات الإماراتية حية وباقية على مدى الحياة" .
أما الجد راشد القايدي فاتخذ مكاناً تراثياً، إذ نصب له خيمة مزدانة بمعالم الضيافة العربية من قهوة عربية وتمر، وقال إن المهرجانات التراثية مثل "قصر الحصن" تؤصل لماضي الأجداد الذين تركوا منابع هائلة من الكرم والإيثار تبقى أملاً لكل الأجيال التي تسعى من خلالها لمتابعة مسيرة التقدم للدولة، مؤكداً سعادته بتقديم القهوة الإماراتية للزوار، للتعبير عن كرم الضيافة التي يشتهر بها أهل الإمارات .
ويشرح الجد يوسف أحمد طالب العلي للزوار أنواع الأشرعة ومسمياتها، والفرق بينها، وكيفية صناعتها، إذ إنه قضى أكثر من 55 عاماً في هذه الحرفة، لافتاً إلى أن أنواع الشراع تختلف بحسب قوة الرياح ونوع السفينة، مشيراً إلى أنه يقوم كذلك بغزل شباك السمك، وصناعة فقمة الغوص، وحياكة قفازات وبدل الغوص، والتي يقضي فيها وقتاً ممتعاً دون الشعور بالتعب .
أما الجد غانم حسن محمد، فيعرف الزوار بصناعة القراقير، ويقول إن "القرقور" من ثلاثة أجزاء، هي الجسم الرئيسي ويكون بشكل قبة، أما القاعدة فتأتي دائرية، بينما يأخذ النفق أو الفم شكل قمع، وعند جمع الأجزاء الثلاثة، بعد تقوية القاعدة، يكون القرقور على شكل "بيت الاسكيمو"، مع باب بيضاوي في الجزء السفلي منه وملاصقاً للقاعدة نوعاً ما"، لافتاً إلى أن القراقير تنقسم إلى عدة أنواع، منها الكبير، ومنها الرفيع، ومنها المتين استناداً إلى سماكة الحديد المستخدم في صناعتها، إذ يستخدم الرفيع في فصل الصيف، والمتين في الشتاء .
يروي الجد عبدالله عبد الرحمن الطنيجي طريقة صناعة المالح التقليدية التي تمر بمراحل عديدة، أولها استخراج كميات وفيرة من الأسماك، ثم تنظيفها جيداً، حيث إنه بعد فصل الرأس يتم شقها لشرائح ثم ينثر عليها الملح الناعم بكثرة ليغطي كافة أجزاء السمكة، مشيراً إلى أن المالح كان يوضع في علب من صفيح استبدلت في الوقت الحاضر بعلب بلاستيكية يمكث بها ما بين ثلاثة إلى أربعة أشهر، ثم يستخرج بعدها للأكل، وتعد الشمس ضرورية لكافة أنواع المالح، خاصة في الشهرين الأولين لأنها تسهم في إنضاجه وتشرب الشرائح بالملح، كما يقدم الجد عبدالله الطنيجي لزواره عينات في عبوات بلاستيكية لتذوق المالح الذي يصنعه .
أما الجد إبراهيم عبدالله، وعلي بن راشد، ومحمد بن راشد، والسيد صالح، فيشرحون للزوار طريقة صناعة الحابول من ليف النخيل بعد نقعه في الماء وتجفيفه، حيث يُفرك ويفتَل باليدين ليشكل حبلاً طويلاً، ثم يُؤخذ الحبل بطول 20 باعاً ويُلَف بالقماش، ثم يطوى من المنتصف ويُفتل الجزآن على بعضهما ليشكلا جديلة يتم شدها أكثر بإدخال عدد من عصي جريد النخل بين فتحات الجديلة، وتُسْحَب الواحدة تلو الأخرى مع شد طرفي الحبل بعد سحب كل عصا، ويبقى ما طوله باع ونصف الباع من كل طرف دون شد بالعصي، ويربط الطرف الأيسر منها بحبل يُسمى "غَبْط"، ويربط الأيمن بحبل آخر يسمى "الساق"، ثم ينظف بعدها من الشوائب .
أرسل تعليقك