يوجه الأوروبيون هذه الأيام اتهامات إلى طهران بشأن تزويد روسيا بصواريخ باليستية متوسطة المدى، وكما سبق أن نفت طهران تزويد موسكو بالمسيرات، تنفي إرسال الصواريخ أيضا. وفي الوقت الذي يُظهر هذا التعاون العسكري العلاقات بين إيران وروسيا بأنها استراتيجية، إلا أن الكثير من المؤشرات يؤكد أن ما بين موسكو وطهران ما هي إلا علاقات ظرفية تفرضها الحاجة المتبادلة والأزمات المؤقتة، ولكن تتضمن بعض عناصر العلاقات الاستراتيجية أيضا.
وينظر الكثيرون في إيران وخاصة التيار الاصلاحي الذي يترأس حاليا السلطة التنفيذية من خلال الرئيس مسعود بزشكيان إلى ما يعتبرونه "الحقيقة المرة" التي تتمثل في نوع العلاقات مع موسكو والتي من شأنها أن تجلب نتائج خطيرة للسياسة الخارجية الإيرانية وهذه العلاقات هي من مضاعفات مقاربة "التوجه نحو الشرق" التي تبناها الأصوليون المتشددون في إيران.
الموقف الأخير الذي أعلن عنه كبار المسؤولين الروس بعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى باكو بخصوص ممر زنغزور وتأييد موسكو لموقف الإمارات ودول مجلس التعاون بخصوص إحالة ملف الجزر الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى إلى التحكيم الدولي والمنافسة في آسيا الوسطى والقوقاز وحتى في سوريا خضعت لنقاشات وتحليلات مفصلة في الأوساط السياسية والإعلامية الإيرانية.
ويرى موقع "إيران دبلوماسي" الناطق بالفارسية، فقد بدأت القصة بعد هجوم أوكرانيا على الأراضي الروسية والسيطرة على بعض مدنها وتغير الأوضاع الميدانية في الحرب، فقام الرئيس الروسي بوتين، بأول زيارة له إلى جمهورية أذربيجان منذ بداية الحرب الأوكرانية، وخلال هذه الزيارة، ناقش بوتين مع المسؤولين عدة قضايا من بينها قضية ممر زنغزور الذي من شأنه يربط منطقة نخجوان الذاتية بأذربيجان (على طول الحدود الإيرانية الأرمينية)، وبعد فترة وجيزة أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن موسكو تدعم التوقيع السريع على معاهدة سلام بين باكو ويريفان ورفع الحظر عن الممرات.
ويرى الإيرانيون أن هذا الموقف يهدد علنا مصالحهم الوطنية مما دفع وزارة الخارجية الإيرانية إلى استدعاء السفير الروسي في طهران وتقديم احتجاج لـ "الشريك الاستراتيجي"، إلا أن الروس لم يتراجعوا عن قرارهم، بل اكتفوا بالقول إن موسكو تأخذ مخاوف طهران بعين الاعتبار، وأكدوا أن موقف موسكو بشأن ممر زنغزور نهائي، وما ينوون فعله هو الاتصال بإيران لـ"توضيح الأمور"، أي إبلاغ إيران بأن القرار قد اتخذ وأنه لا خيار أمامها سوى القبول.
ويبدو أن روسيا أيضا متخوفة من تغيير موقف حكومة مسعود بزشكيان من "العدو أو التهديد المشترك" أي الدول الغربية، حيث مع وصول الرئيس الجديد إلى السلطة في إيران وإعلانه عن مواقفه بشأن إدارة التوترات مع الغرب دفع المسؤولين الروس إلى الاعتقاد بأن عليهم التحرك بسرعة لفتح جبهات جديدة قبل أن تتخذ إيران أي خطوات، والإظهار بأنه يمكنهم تغيير معادلات المنطقة ضد إيران، وإصرار روسيا على إنشاء ممر زنغزور يعتبره الإيرانيون في الواقع هدية قدمها بوتين لخصوم إيران الإقليميين، تركيا وأذربيجان، حيث يمكن لتركيا من خلاله نقل بضائعها إلى أذربيجان ومن هناك إلى آسيا الوسطى عبر بحر قزوين، كما ستجد أذربيجان طريقا مباشرا إلى الدول الأوروبية عبر نخجوان وثم تركيا.
ووفقا لـ "إيران دبلوماسي": فيما يتعلق بـ"وجود الإرادة السياسية لدى القادة"، يبدو أن الفجوة في مستويات القوة بين إيران وروسيا تجعل الكرملين غير راغب في رفع مستوى علاقاته مع طهران إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية، ويفضل إبقاء العلاقة في إطار "المصالح المؤقتة"، في الواقع، ترى روسيا نفسها كقوة عظمى عالمية تتمتع بالحرية في استخدام علاقاتها مع اللاعبين الإقليميين مثل إيران للتلاعب بمعادلات المنطقة لصالحها، للأسف، المشكلات العديدة والاختلالات التي عانت منها السياسة الخارجية الإيرانية في السنوات الأخيرة سمحت لروسيا باستغلال هذه الفرصة".
مع انهيار الاتحاد السوفيتي، تطورت العلاقات بين طهران وموسكو بشكل واسع، وسرعان ما أصبحت روسيا الوريثة للاتفاقيات العسكرية الإيرانية السوفيتية، في منتصف التسعينيات، وافقت روسيا على إنهاء بناء محطة الطاقة النووية في بوشهر، التي تأخرت قرابة 20 عاماً، واستمرت في تطوير البرنامج النووي الإيراني.
وفي هذه الفترة، كان هناك فهم استراتيجي للعلاقات مع روسيا في إيران، وكان يُنظر في طهران إلى "التوجه نحو الشرق" كأحد الأسس الأساسية للقوة لمواجهة الولايات المتحدة، عبر الاعتماد على إمكانيات دول مثل روسيا والصين، كما كانت روسيا ترى في إضعاف النظام الإيراني يعني فقدان "شريك مهم" لها، وهكذا تعاون البلدان خلال هذه الفترة لمواجهة "طموحات الولايات المتحدة"، ومع ذلك، ظلت تحديات عدة تواجه هذه العلاقات في القوقاز وآسيا الوسطى ولاحقا سوريا.
سافر بوتين إلى إيران في عام 2007 خلال فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد للمشاركة في قمة رؤساء الدول المطلة على بحر قزوين، ورغم أن محور المفاوضات الرئيسية كان حقوق الدول في بحر قزوين، كان من المتوقع أن تتناول المحادثات الجانبية مسائل البرنامج النووي الإيراني، وهو ما نفاه محمود أحمدي نجاد.
كما سافر بوتين إلى طهران في 23 نوفمبر 2015 للمشاركة في قمة تصدير الغاز، وكانت هذه الزيارة الثانية لبوتين إلى إيران، ووصف علي أكبر ولايتي لقاء بوتين والمرشد الإيراني آنذاك في طهران بأهم اجتماع في تاريخ إيران وفي هذه الزيارة، وصف خامنئي بوتين بـ "الشخصية البارزة في عالم اليوم"، وأشاد بدعم روسيا في المفاوضات النووية وبمواقف روسيا تجاه الأزمة الحالية في سوريا.
شهدت هذه الفترة انتقادات صريحة من قبل وزير الخارجية الإيراني الأسبق والمستشار الحالي للرئيس محمد جواد ظريف، لموسكو في مقابلة له مشيراً إلى تعقيدات التي وضعته روسيا في مفاوضات الاتفاق النووي، فقال بأن هدف الروس كان عدم إتمام الاتفاق النووي، مضيفا "عندما رأوا أننا نقترب من التوصل إلى اتفاق، بدأوا في وضع العوائق.
وتابع يقول: كانت روسيا وفرنسا تريدان إضافة أخطر النصوص الممكنة إلى الاتفاق النووي، وروسيا كانت تريد أيضاً أن يتم مراجعة الاتفاق كل ستة أشهر في مجلس الأمن، كما ذكر أن روسيا منذ عام 2015 كانت ترغب في منع إتمام الاتفاق النووي وأن لافروف كان يريد "إفساد كل شيء في ليلة الاتفاق".
كانت روسيا أول دولة ترحب رسمياً بانتخاب إبراهيم رئيسي رئيسا للجمهورية وببدء عمل حكومته، قد توقع المسؤولون الروس تعزيز العلاقات بين طهران وموسكو في فترة حكومة رئيسي واعتبروها نقطة تحول في العلاقات بين البلدين.
وفي يناير 2021، تم طرح اتفاقية شاملة للتعاون على مدى عشرين عاماً بين إيران وروسيا خلال زيارة رئيسي إلى روسيا، وقدم رئيسي مسودة الاقتراح الإيراني لعقد تعاون جديد مدته 20 عاماً بين إيران وروسيا، وفقاً للمحللين، فإن العلاقات بين روسيا وإيران في هذه الفترة باتت أقوى بكثير مما كانت عليه خلال فترة رئاسة حسن روحاني، وتم مناقشة مسائل تتعلق بالبرنامج النووي، وإمكانية شراء الأسلحة، والتعاون الإقليمي، ودعم روسيا لإيران للحصول على مكانة أكبر في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والقضايا الأمنية الإقليمية.
بعد حرب أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، تشكلت مسارات تجارية جديدة بين البلدين امتدت من الطرف الشرقي لأوروبا إلى المحيط الهندي بطول 3000 كيلومتر، وكانت توقعات أن إيران وروسيا قد تستثمرا حوالي 25 مليار دولار في هذه المسارات التجارية، وفقاً للخبراء، وكان يقدر الجانبان تشكيل شبكات تجارية جديدة في الاقتصاد العالمي، والسعي لدفع الاقتصاد الدولي بسرعة نحو تعدد الأقطاب.
العلاقات العسكرية
تعد روسيا من رواد العالم في مجال تصنيع وتصدير الأسلحة، وقد كان لإيران وروسيا ميلاً نحو توسيع تعاونهما في مجال الأسلحة إلى جانب التعاون الاقتصادي.
وفي عام 2007، اشترت إيران نظام الدفاع الصاروخي تور إم 1 بقدرة محدودة من روسيا بميزانية تقارب مليار دولار، وبعد ذلك، أرادت شراء نظام أكثر تطوراً، باسم إس 300، من بيلاروسيا، لكن هذا الأمر أُلغي بسبب تدخل روسيا، وبعد عام من ذلك، طلبت إيران من روسيا نفس النظام، لكن روسيا رفضت، والتأخير في موافقة روسيا على بيع صواريخ إس-300 وتسليمها إلى إيران يُعتبر أحد أوجه العلاقات المعقدة بين البلدين حيث رغم وجود عقد لبيع أنظمة صواريخ إس-300 بين طهران وموسكو، امتنعت روسيا عن تسليمها إلى إيران لفترة طويلة، مما أدى إلى احتجاجات واسعة في الساحات السياسية والإعلامية الإيرانية وتعمقت المشاكل، وظهرت وجهة نظر تقول إن الرئيس الروسي أراد استخدام هذا الموضوع كأداة للمساومة مع الولايات المتحدة إلى أن ظهرت هذه المنظومة في استعراض عسكري بطهران في فبراير 2016
وفي سبتمبر 2023 نشرت مجلة "فوربس" الأميركية تقريرا ذكرت فيه تسليم الطائرة التدريبية المتطورة ياك 130 الروسية لإيران واعتبرت ذلك قد يكون دليلاً على أن إيران قد تستلم في المستقبل طائرات مقاتلة من طراز سوخوي 35 من روسيا. وأفادت بعض وسائل الإعلام في إيران حينها أن القوات الجوية الإيرانية استلمت مجموعة من الطائرات التدريبية القتالية المتطورة من روسيا بهدف "تحسين التدريب والقدرة القتالية للقوات الجوية".
كانت السلطات الإيرانية قد أعلنت سابقًا أنها وقعت عقدًا لشراء طائرات مقاتلة من طراز سوخوي 35 من روسيا، وأنها ستستلم هذه الطائرات قريبا، ووفقًا لتقرير "فوربس"، كانت التكهنات تشير إلى أن إيران ستستلم ما لا يقل عن 24 طائرة من طراز سوخوي 35 التي تم تصنيعها في الأصل لمصر، ولكن تم تأجيل هذا الأمر، وكتبت "فوربس" أن الحرب في أوكرانيا قد تكون أحد أسباب هذا التأخير.
وأضافت المجلة أن هناك إشارات في الأسابيع الأخيرة على أن موسكو ربما قد تراجعت عن الاتفاق السابق لبيع ما بين 24 إلى 50 مقاتلة سوخوي لإيران، وقبل ذلك بضعة أيام، نفى كبار المسؤولين في روسيا والجمهورية الإسلامية في إيران، بشكل متزامن، تقارير وسائل الإعلام الأمريكية التي زعمت إلغاء العقود العسكرية بين البلدين.
وشهد التعاون العسكري بين إيران وروسيا تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، وفي شهر مايو 2023 أعلنت الولايات المتحدة إن العلاقات بين إيران وروسيا تتوسع ووصفوها بأنها "غير مسبوقة"، فقال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، في ذلك الوقت، إن إيران سلمت أكثر من 400 طائرة مسيّرة لروسيا منذ أغسطس من العام الماضي.
وأضاف أن "طهران تسعى لشراء مروحيات هجومية، ورادارات، وطائرات ياك 130 من روسيا، إيران تمتلك حاليًا عددًا من مقاتلات ميغ وسوخوي الروسية التي تعود إلى حقبة الاتحاد السوفيتي."
هذا وقد اتهمت أوكرانيا مرارا إيران بتزويد روسيا بالمسيرات والصواريخ، بما في ذلك الطائرات المسيّرة، التي استخدمتها موسكو في الحرب في أوكرانيا، ورفضت الحكومة الإيرانية هذه الاتهامات بشكل متكرر إلا أن وزير الخارجية الإيراني السابق حسين أمير عبد اللهيان اعترف أن بلاده باعت بعض الطائرات المسيّرة لروسيا قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، لكن المسؤولين الأوكرانيين قالوا إن بيع هذه الطائرات استمر بعد اندلاع الحرب.
بدأ بناء محطة الطاقة النووية في بوشهر في عام 1976 بالتعاون مع شركة سيمنس الألمانية، وكان أول وحدة منها قد أنجزت نحو 75% من عملها حتى نهاية عام 1978، وبعد ثورة عام 1979، انسحبت سيمنس وبدأ التعاون مع روسيا لاستكمال المشروع، وهو تعاون شهد تراخي من من الجانب الروسي، وحسب الاتفاق الابتدائي كلفة استكمال محطة بوشهر، قدره نحو مليار و200 مليون دولار، ولكن تأخر التسليم ولم يتم إلا في عام 1995، وهذا التأخير ألحق أضراراً مباشرة وغير مباشرة بإيران، وفي عام 2016، رغم أن نائب الرئيس الإيراني قدر تكلفة بناء وحدتين جديدتين في محطة بوشهر النووية بنحو ثمانية مليارات ونصف المليار دولار، إلا أن المصادر الروسية ذكرت أن التكلفة تصل إلى عشرة مليارات دولار، وأُعلن أن استكمال هذه المنشآت سيستغرق عشر سنوات أخرى.
قد يُهمك ايضـــــًا :
الولايات المتحدة تُؤكد إن نقل صواريخ باليستية من إيران لروسيا سيشكل تصعيداً كبيراً
جعجع يُؤكد علي إستغلال إيران للقضية الفلسطينية كوَسيلة لزيادة توسعها
أرسل تعليقك