تواجه جهود التوصل إلى إتفاق لتثبيت وقف إطلاق النار في سورية واستئناف محادثات السلام المعلقة، مهمة شاقة في فيينا، في الوقت الذي تحاول فيه القوى الخارجية المشاركة بقوة في الأزمة تضييق الخلاف في ما بينها. وترأس جون كيري وزير الخارجية الأميركي ونظيره الروسي سيرغي لافروف إجتماع مجموعة الدعم الدولية لسورية الثلاثاء في محاولة لرأب الصدع في الإتفاق الذي تم التوصل إليه في شباط / فبراير من أجل وقف الأعمال العدائية والإسراع في وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة.
وبالإضافة إلى بريطانيـا و فرنسـا و الإتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، فإن الإجتماع شهد أيضاً حضورًا قويًا للمملكة العربية السعودية و تركيـا – التي تسعى إلى الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، وكذلك إيران التي تُعتبر الحليف الإقليمي الأهم للرئيس السوري من بين المجموعة التي تضم 17 دولة، فيما لم يشهد الإجتماع مشاركة الحكومة السورية او المعارضة.
وقضى كيري نهاية الإسبوع في مدينة جدة، وذلك في محاولة على ما يبدو لإقناع السعوديين بضمان مسايرة المناهضين للأسد الذين تدعمهم المملكة مع آخر الجهود الدبلوماسية، على الرغم من إنسحابهم من الجولة الأخيرة لمباحثات جنيف.
وأوضح وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند أن التركيز كان على ضرورة وصول المساعدات الإنسانية والتوقف عن تنفيذ الأعمال العدائية. فيما تتواجد أيضاً مبعوث الأمم المتحدة المشرف على المفاوضات غير المباشرة ستيفان دي ميستورا في العاصمة النمساوية لبحث دعم جولة جديدة والإبقاء على المسار الدبلوماسي مفتوحاً، على الرغم من الفجوات الواضحة التي لا يمكن تجاوزها ما بين الأطراف السورية. مشيراً إلى أنه يريد إستئناف المحادثات قبيل نهاية شهر أيار / مايو.
وبحسب تقديرات دي ميستورا فإن عدد القتلى الذين سقطوا خلال الصراع الدائر على مدار الخمس سنوات الماضية قد تجاوز 400,000 شخص، الأمر الذي دفع إلى نزوح ما يزيد عن نصف سكان سورية الذين بلغ تعدادهم قبل إندلاع الحرب 23 مليون نسمة. وذكر المسؤولون من العرب والغرب المشاركون في الإجتماع لإحياء جهود السلام بأنهم لا يتوقعون نجاحات مهمة من المباحثات، حيث صرح أحد كبار الدبلوماسيين من الخليج لصحيفة "الغارديان" بأنهم يتعاملون مع خطواتٍ تكتيكية ولكن الأمر لا يتعدى ذلك.
ويصرُّ المعارضون السوريون على ضرورة رحيل بشار الأسد، في الوقت الذي رفضت فيه حكومة دمشق الحديث عن " تحول سياسي "، ولم تشر سوى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع بين عناصر من المعارضة جنباً إلى جنب مع النظام الحالي، على الرغم من رفض الرئيس لأغلب معارضيه ووصفهم بالمتطرفين.
وأكد وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير أنه لا يوجد مستقبل دائم لسورية في ظل وجود بشار الأسد، وهو ما يدعو إلى ضرورة البدء في مفاوضاتٍ هنا في فيينـا بشأن الحكومة الإنتقالية. ووفقاً للجدول الزمني المنصوص عليه خلال أول محادثات عقدت في فيينا في الخريف الماضي، فإنه من المفترض البدء في إنتقال السلطة بحلول شهر آب / أغسطس، وإذا لم يحدث ذلك، فقد ألمحت المملكة العربية السعودية إلى إمكانية تزويدها قوات المعارضة بالأسلحة الثقيلة. وأشار كيري إلي اللجوء للخطة " ب "، إلا أن قليلين هم من يتوقعون حدوث تغير مثير خلال الأشهر الأخيرة للرئيس باراك أوبامـا في البيت الأبيض.
وتقاوم كلٌ من تركيـا وقطر الداعمين الرئيسيين للجماعات المعارضة، الجهود التي يقوم بها الروس لإدخال الأكراد ومجموعات أخرى تجمعها علاقات ودية مع النظام السوري ضمن مباحثات جنيف. ولكن دولاً عربية أخرى حذرت من تنامي قوة جبهة "النصرة" ذراع تنظيم القاعدة في سورية، وكذلك "جيش الفتح".
وشدد رياض حجاب، رئيس لجنة المفاوضات العليا للمتمردين، على أنه لن تكون هناك عودة إلى جنيف ما لم تتم حماية المدنيين السوريين من القصف الجوي الذي يمارسه النظام، وكذلك إنهاء الحصار المفروض، مع الإفراج عن آلاف السجناء. وقال أحد المستشارين داخل المعارضة بأن كيري أحدث ضجيجاً حول عواقب إنتهاكات وقف إطلاق النار، ولكنه يعتقد بأنه ليس لديهم الكثير لتقديمه بما يؤدي إلى حدوث تغيير كبير.
وكانت أعمال العنف في مدينة حلب Aleppo قد تصاعدت في وقتٍ سابق من هذا الشهر، وقضت معها على الهدنة الجزئية التي إستمرت لنحو 10 أسابيع برعاية واشنطن وموسكو، والتي سمحت بمواصلة المحادثات بوساطة من الأمم المتحدة. فيما أفاد نشطاء المعارضة بقصف مدينة داريا Daraya المحاصرة نهاية الإسبوع الماضي، حيث تم فرض حظر من قبل الحكومة السورية على وصول شحنات المساعدات، مع تصوير الأطفال وهم يصنعون الكعك من الطين.
وتواجه الولايات المتحدة الأميركية وروسيـا ضغوطًا من أجل تنفيذ إلتزامهما بالتحقيق في الهجمات التي أسفرت عن وقوع عدد كبير من الضحايـا. وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" لحقوق الإنسان بأنه يتعين فتح تحقيقات بشأن الغارة الجوية على مخيم للنازحين وقتل المدنيين بواسطة الجماعات المسلحة في القرية التي يعد أغلب سكانها من العلويين في وقتٍ سابق من هذا الشهر، كما دعا الائتلاف الوطني للمعارضة مجموعة الدعم الدولية لسورية من أجل تشكيل فريق عمل للتعامل مع محنة الآلاف من المعتقلين والمختفين قسرياً ممن يعتقد إحتجازهم من جانب الحكومة السورية.
أرسل تعليقك