شهد مقر رئاسة الحكومة البريطانية في" 10 في داونينغ ستريت" تغييرات كبيرة، حيث ترأس ديفيد كاميرون أمس إجتماعه الأخير رقم 215 لمجلس الوزراء، والذي ناقش مستقبل الحكومة والتصويت يوم الإثنين المقبل على "تجديد الترسانة النووية البريطانية". واختتم الإجتماع جدول أعماله بتحية للسيد كاميرون من تيريزا ماي التي ستحلُّ بديلاً عنه في منصبه اعتبارًا من اليوم ، وكذلك للمستشار جورج أوزبورن.
وعقب إنتهاء كاميرون من إجتماعه، توجه إلى إحدى المدارس الخاصة في غرب لندن، من أجل تسليط الضوء على الموافقة ببناء 31 مدرسة جديدة لإتاحة الفرصة في توفير أماكن جديدة لنحو 20 ألف تلميذ. وبالنسبة الى الإجتماع الأخير الذي عقده كاميرون كرئيس للوزراء، فقد بدأ وزير العمل والمعاشات ستيفن كراب الحديث الإجتماع لمجلس الوزراء قائلاً إن "السياسة تعكس رغبة الحكومة في إعطاء الفرصة للجميع، حيث تهدف الخطط إلي تغطية الأسباب الجذرية للفقر وليس مجرد الأعراض".
وردَّ كاميرون بالقول: إن "السياسة سوف تحتم على السيدة ماي وضع اللمسات الأخيرة والمضي قدمًا، فيما أوضح المتحدث الرسمي لرئيس الوزراء بأن الإجتماع شهد حديث العديد من الوزراء في النقاط التي تأتي دعمًا للإستراتيجية المستقبلية. وأثنى كاميرون على ما قدمه طيلة فترة رئاسته للحكومة.
وتحدث مايكل فالون وزير الدفاع عن التصويت يوم الإثنين على ما يتعلق بمسألة ترسانة الأسلحة النووية البريطانية، وكشف رئيس الوزراء عن زيارته التي لا يستطيع نسيانها إلى الغواصة النووية قبالة الساحل الشمالي لاسكتلندا. وخلص النقاش إلى أهمية الردع والحماية القصوى ضد التهديدات المستقبلية في العقد الثالث و الرابع والخامس من الألفية الجديدة، فضلاً عن دور بريطانيـا المستمر بإعتبارها دولة تتطلع إلى الخارج.
وأوضح كاميرون خلال حديثه عن إستقالته " بأنه لمن دواعي السرور والشرف ترؤس 215 إجتماعاً لمجلس الوزراء على مدار ست سنوات "، والتي ناقش خلالها مايزيد عن 900 مسألة تتعلق بأعمال الحكومة، فضلاً عن اللقاءات العديدة التي عقدها في مختلف أنحاء البلاد من أبردين Aberdeen الى برادفورد Bradford.
كما تناول رئيس الوزراء بفخر إنجازات الحكومة، متمنياً للسيدة ماي بأن تحظى بالدعم و الود اللذين حصل عليهما، وذلك أثناء مهمتها لقيادة البلاد خلال الأوقات الصعبة التي تنتظرها بريطانيـا. ورداً على ذلك، تحدثت السيدة ماي عن الإحترام الذي بادله أعضاء الحكومة للسيد رئيس الوزراء، وكيف إستطاع كاميرون تجاوز الصعاب التي مرَّت بها بريطانيـا خلال الأزمة المالية بعد عام 2010 وكذلك التهديدات الإرهابية المتزايدة.
أما أوزبورن، فلم يغفل التطرق إلى الحديث عن الإصلاحات في مجالات التعليم و الأجر المعيشي، إلى جانب زواج المثليين، قائلاً بأن رئيس الوزراء ينبغي أن يكون فخورًا بما حققه، والوضع الجيد الذي ترك عليه البلاد.
ويتتطلع رئيس الوزراء البريطاني المنتهية ولايته ديفيد كاميرون إلى دوره الثانوي في المرحلة المقبلة. وذكرت زعيمة حزب المحافظين الإسكتلندي روث ديفيدسون بأن كاميرون أخبرها إستعداده لبدء عمله في مكتبه الجديد الذي يقع على الجانب الآخر من مجلسي البرلمان. فيما عبرت السيدة ديفدسون عن بالغ حزنها لإستقالة كاميرون من منصبه، مؤكدة على أنها فخورة بالتعاون معه بعد إستجابته للتحقيق بشأن الأحد الدامي.
ويجري كريستوفر هوب مسحًا لقائمة الوزراء في الحكومة للإستقرار على التعديل الوزاري ، والذي سوف يشهد تخفيضًا في عدد الوزراء. حيث من المقرر ترك سبعة وزراء لمناصبهم في الحكومة التي يشغلونها منذ عام 2010 وهم ديفيد كاميرون رئيس الوزراء ( الذي يتقدم بإستقالته اليوم )، و تيريزا ماي وزيرة الداخلية ( التي تصبح غداً رئيسة للوزراء )، وجورج أوزبورن المستشار ( الذي يتم نقله في التعديل الوزاري )، وديفيد ليدينغتون وزير الشؤون الأوروبية ( الذي يتم نقله في التعديل الوزاري )، إضافةً إلي ديفيد غوك وزير الخزانة، و إد فيزي وزير الثقافة، وكذلك لورد فرويد وزير الشؤون الإجتماعية.
وكان من بين الدلالات على تولي تيريزا ماي منصب رئاسة الوزراء هو مغادرتها مجلس العموم في سيارة رئيس الوزراء من طراز "جاكوار" يرافقها موكب ضخم من سيارة للشرطة وثلاث دراجات نارية وسيارة "رانج روفر"، بينما كانت تجلس السيدة ماي في المقعد الخلفي وتقلب الأوراق.
ويبقي من غير الواضح لدى نواب المحافظين خطط تيريزا ماي في التعديل الوزاري، والذي قد يبدأ في وقت مبكر من مساء غد. فيما يعقد أحد كبارالمحافظين الآمال على تغيير السياسة المتبعة ومنح الكبار مقاعد في مجلس الوزراء على حساب الشباب الذين كان يستعين بهم كاميرون. إلا أن هذا لن يمنع إنتظار الكثير من الشباب لتولي منصبهم الجديد.
وفي زيارة كاميرون الأخيرة كرئيس للوزراء، فقد راعى الذهاب إلى "ريتش أكاديمي" في فيلثام Feltham، غرب لندن والتي تضمنتها الإصلاحات الحكومية. وقال السيد كاميرون بأن المدارس دائماً ما كانت من إهتمامات الحكومة في الإصلاحات التعليمية منذ عام 2010. وقد تأسست أكثر من 300 مدرسة منذ تولي كاميرون رئاسة الحكومة، فضلاً عن أنه من المقرر تأسيس 200 مدرسة أخرى، مما يعني توفير أماكن لعشرات الآلاف من الشباب، يأتي الكثير منهم من المناطق المحرومة.
وأشاد وزير ألون كيرنز الويلزي بإنقاذ ديفيد كاميرون لإقتصاد بريطانيـا، مع التأكيد على أن الجميع سوف يتذكره بالإصلاحات الإقتصادية التي قام بها وليس الخروج ببريطانيـا من الإتحاد الأوروبي. فيما قامت أمس عربات نقل المتعلقات بالتوجه إلى "داونينع ستريت" لنقل الأغراض والمتعلقات الشخصية للسيد كاميرون وزوجته سامنثا. على أن تتوجه تيريزا ماي إلى مقرها الجديد اليوم الأربعاء عقب تسليم السيد كاميرون إستقالته الرسمية إلى الملكة اليزابيت.
وعن خروج بريطانيـا من الإتحاد الأوروبي، فقد حذَّر وزير الخارجية فيليب هاموند من أن الإتحاد الأوروبي قد يستغرق أربعة أعوام للموافقة على شروط خروج بريطانيـا، وذلك بعد الأخذ في الإعتبار لكل الوقت الذي سوف يستغرقه التفاوض.
وبحسب ما ذكر مفوض الإتحاد الأوروبي، فإنه يتعين على تيريزا ماي تسريع عملية خروج بريطانيـا من الإتحاد الأوروبي، وتفعيل المادة 50 . وهو ما أكده نائب المحافظين المخضرم والوزير السابق كين كليرك خلال حديثه إلى إذاعة "راديو بي بي سي 4" ، حينما شدد على ضرورة تفعيل المادة 50 خلال إسبوع أو إثنين بعد تشكيل فريق جديد لمعالجة الشكوك الإقتصادية.
وذكر السيد بيير موسكوفيتشي بأن حزب المحافظين كان متعجلاً، في الوقت الذي كان من المفترض فيه ترك ديفيد كاميرون لمنصبه في أيلول / سبتمبر. وأشار المدير المالي في هولندا يروين ديسيلبلويم إلى أن لتفاوض لا يمكن إجراؤه إلا بعد البدء في الإجراءات، فيما قال وزير المالية النمساوي هانز يورغ شيلينغ بأن بريطانيـا سوف تتضاءل عقب نتيجة التصويت، في حين لن تكون هناك مغادرة لإسكتلندا من الإتحاد الأوروبي، مع إحتمالية بقاء أيرلندا الشمالية في الإتحاد.
وحثت تيريزا فيلرز من حملة تأييد خروج بريطانيـا من الإتحاد الأوروبي والمناصِرة لآندريه ليدسوم رفاقها على دعم قيادة تيريزا ماي. وعند سؤالها عن إختيارات السيدة ماي في التشيكل الجديد لمجلس الوزراء، فقد أخبرت إ"ذاعة راديو بي بي سي 4 " بأنه من الصعب توقع إختيارات رئيسة الوزراء الجديدة، والتي سوف تراعي فيها الإختيار من مختلف الأحزاب. وتشغل السيدة فيلرز حالياً منصب وزيرة الدولة لشؤون أيرلندا الشمالية.
وتلقت تيريزا ماي إشادة من الخصوم السابقين بمن فيهم المستشار جورج اوزبورن، الذي يقوم حالياً بزيارة تجارية إلى الولايات المتحدة، مشيراً إلى أنها تتمتع بالنزاهة والقوة والقيادة التي تحتاجها بريطانيـا.
أما بوريس جونسون عمدة لندن السابق، والذي كان من المتوقع منافسته للسيدة ماي علي منصب رئيس الحكومة قبل إضطراره إلى الإنسحاب من المنافسة، فقد أكد على أنها تمتلك " السلطة والقيادة " لتوحيد الحزب. وأثنى على موقفها الواضح بشأن خروج بريطانيـا من الإتحاد الأوروبي. وأصر داميان غرين، النائب المحافظ وحليف مقرب من السيدة ماي علي أنها ليست بحاجة إلي الدعوة لعقد إنتخاباتٍ عامة، لما تتمتع به من أغلبية داخل مجلس العموم.
أما تيريزا ماي، فقد أشادت في كلمة وجيزة امام مجلس العموم خارج مدخل "سانت ستيفن" St Stephen وأمام 100 من أنصارها بالكرامة التي تتمتع بها منافستها آندريـا ليدسوم، والتي خرجت من المنافسة في أعقاب تصريحها لصحيفة "التليغراف" بأن إنسحابها جاء على خلفية الإنتقادات من النواب المحافظين لإشارتها إلى أفضلية وضع الأم في منصب رئيس الوزراء.
وتعهدت تيريزا ماي بصياغة دور جديد لبريطانيـا خارج الإتحاد الأوروبي، في أعقاب الإعلان عن أنها سوف تصبح ثاني إمرأة تشغل منصب رئيسة وزراء على مر التاريخ في بريطانيـا. مؤكدة بعد إنسحاب منافستها آندريه ليدسوم علي أنها سوف تصنع النجاح.
وقال ديفيد كاميرون للصحفيين خارج "داونينغ ستريت" بأن السيدة ماي سوف تقود بريطانيـا نحو تحقيق النجاح الذي تحتاجه. فيما أعلن عن أنه سوف يتوجه إلى قصر باكنغهام يوم الأربعاء من أجل تقديم إستقالته إلى الملكة.
أرسل تعليقك