بدأت إيران استخلاص أول كميات من نظير اليورانيوم 235 المخصب بدرجة نقاء 60 في المائة في منشأة نطنز، في خطوة كبيرة تقربها من مستوى 90 في المائة اللازم لصنع أسلحة نووية وذلك ردا على انفجار في الموقع الرئيسي لتخصيب اليورانيوم ألقت مسؤوليته على إسرائيل.وأشار رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي في مقابلة مع التلفزيون الرسمي إلى قانون ملزم للحكومة، أقره البرلمان الإيراني في ديسمبر (كانون الأول)، تحت عنوان «الخطوة الاستراتيجية لرفع العقوبات الأميركية»، بهدف دفع إدارة جو بايدن إلى طاولة التفاوض لإحياء الاتفاق النووي تحت الضغط.
وبموجب القانون رفعت إيران، نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة، في الأيام الأولى من تولي بايدن، وأنتجت أول 55 كيلوغراما، قبل أن تقرر تعليق العمل بالبرتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار رغم توصلها إلى اتفاق مع الوكالة الدولية لإتاحة التحقق من الأنشطة الحساسة.وقال صالحي «قالوا لنا كونوا حذرين في تنفيذ القانون، وأرادوا أن نتقدم في المفاوضات بحسن النية، لكنهم في نهاية المطالب قاموا بأعمال دفعونا بهذا الاتجاه». وأوضح «الأربعاء أصدرنا أوامر لتدشين التخصيب بنسبة 60 في المائة، والخميس حصلنا على أول كميات»، مضيفا «ننتج حوالي تسعة غرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة في الساعة... لكن علينا أن نعكف على ترتيبات لخفض الإنتاج إلى خمسة غرامات في الساعة».
وأضاف صالحي أن علماء نطنز لا يزالون «يعملون على طريقة نصب سلسلتي أجهزة الطرد المركزي» المخصصة لإنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة. وصرح «هكذا، إنتاجنا من اليورانيوم بنسبة 60 في المائة، سيتراجع (كما يبدو): يمكن أن ينتقل من 9 غرامات (في الساعة) حاليا إلى 6 غرامات»، وتابع «إننا ننتج الآن (اليورانيوم المخصب) بنسبة 20 في المائة بالتزامن مع إنتاج 60 في المائة مع هاتين السلسلتين»، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وقال صالحي للتلفزيون الرسمي «الآن يمكننا تخصيب اليورانيوم بأي درجة نقاء نريد» في تلميح ضمني إلى إمكانية ذهاب إيران أبعد من 60 في المائة.تمثل الخطوة الإيرانية، قفزة كبيرة على التزامات الاتفاق النووي الذي لا يسمح سوى بتخصيب 3.67 في المائة، بينما تجري أطراف الاتفاق النووي، مباحثات في فيينا خلف الأبواب المغلقة، في محاولة لإيجاد سبل أحياء الاتفاق النووي، يقضي بموجبه رفع العقوبات الأميركية، مقابل التزامات إيران ببنود الاتفاق النووي.
وإذا تم الإبقاء على وتيرة إنتاج تسعة غرامات لكل ساعة، بشكل غير منقطع، فسيلزم إيران 322 يوما لكي تنتج حوالي 70 كلغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة، الذي يمكن أن يتيح في ختام دورة تخصيب جديدة (تكون مدتها رهنا بقوة الآلات المستخدمة) الحصول على الحجم الحساس البالغ 25 كلغم من نظير اليورانيوم 235 المخصب بنسبة 90 في المائة، اللازمة لصنع قنبلة نووية واحدة، بحسب معايير الحد من انتشار الأسلحة النووية لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
لكن من أجل تحقيق ذلك يجب أن تكون لدى إيران كمية كافية من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة، وهو ما لا تملكه حاليا، لكنه قد يكون في المتناول خلال سنة. وحسب التقرير الأخير الذي نشرته الوكالة الدولة للطاقة الذرية حول هذا الموضوع بلغ مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة، في منتصف فبراير (شباط) 17.6 كلغم، غير أن صالحي أكد الأسبوع الماضي، أن بلاده أنتجت بالفعل، 55 كيلوغراما بعدما بدأت إنتاجه في يناير (كانون الثاني) الماضي.
وتفيد دراسات غربية أن 260 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة، يمكن استخلاص 56 كيلوغراما بنسبة 90 في المائة منها لتطوير أسلحة نووية.وفي وقت سابق، قال رئيس البرلمان محمد قاليباف إن العلماء الإيرانيين تمكنوا من إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة الساعة 12:40 صباحا بالتوقيت المحلي (08:10 بتوقيت غرينتش).وكتب قاليباف في تغريدة على حسابه بموقع تويتر «أعلن بكل فخر أنه في تمام الساعة 12 و40 دقيقة بعد منتصف الليلة الماضية... تمكن العلماء الإيرانيون الشباب بعون الله من إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة». وأضاف أن «عزم الشعب الإيراني يخلق المعجزات وسوف يحبط كل المؤامرات» حسب ما نقلت رويترز.
وكان الرئيس حسن روحاني، قد قال الأربعاء، إن قرار زيادة التخصيب بنسبة 60 في المائة، وهو أعلى مستوى على الإطلاق، يأتي ردا على عملية تخريب من جانب إسرائيل في موقعها النووي الرئيسي في نطنز يوم الأحد. ولم تصدر إسرائيل، التي تعارض الاتفاق النووي، تعليقا رسميا على ما حدث في نطنز.وقال روحاني «ما أعلنا عن تنشيط أجهزة الطرد المركزي من الجيل السادس، ورفع تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المائة رد على أعمالكم الخبيثة».وجاء تفجير الأحد الماضي في منشأة نطنز، غداة أوامر وجهها روحاني عبر التلفزيون الرسمي، لتشغيل سلسلة من أجهزة الطرد المركزي، من الجيل السادس (آي آر 6)، بمناسبة اليوم الوطني للصناعة النووية الإيرانية.
وعبرت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، الأطراف الأوروبية الثلاثة (إلى جانب روسيا والصين وإيران) في اتفاق فيينا، عن «قلق بالغ» بعد إعلان إيران للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن زيادة نسبة التخصيب.في بروكسل، قال المتحدث باسم الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي بيتر ستانو أمس إن هذا «تطور مقلق للغاية». وأضاف «من وجهة نظر الاتحاد الأوروبي، لا يوجد تفسير موثوق به أو مبرر غير عسكري لهذه الخطوة».
والخميس صرح روحاني أن «المخاوف» التي أعربت عنها الترويكا الأوروبية «لا أساس لها»، وقال «لا نسعى للحصول على القنبلة الذرية»، ومع ذلك قال إيران لوقف هذه «الدوامة الخطرة»، يجب على الولايات المتحدة رفع العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترمب السابقة بعد الانسحاب من الاتفاق النووي.بدوره، قال محمود واعظي، مدير مكتب الرئيس الإيراني إن بداية التخصيب بنسبة 60 في المائة «للاستخدامات السليمة» و«مؤشر واضح على تقدم قدرات البلاد» و«رسالة صريحة لمن يكيد ضدها». وأضاف «هذا يعني أن حركة البلاد، لا تتوقف باغتيالات العلماء النوويين والتخريب في المراكز النووية».
كما حرص واعظي على توظيف الخطوة الإيرانية للنيل من خصوم إدارة حسن روحاني في الداخل الإيراني، وكتب في تويتر أنه «رد على جميع الأشخاص الذين قالوا إن الصناعة النووية تعطلت بعد الاتفاق النووي»، وأضاف «قالت الحكومة عدة مرات إن الاتفاق النووي لم ولن يمنع تقدم الصناعة النووية».وشكّل إعلان إيران عن بدء إنتاج أول 9 غرامات من اليورانيوم المخصب بدرجة 60 في المائة من النقاء، بحسب بعض المراقبين، الصعوبات التي عادت لترتسم أمام آلية المفاوضات التي كانت تصريحات المنخرطين فيها أول من أمس، تشير إلى أنها بدأت تحقق "نتائج ملموسة" لتقريب وجهات النظر بين الإيرانيين والأميركيين.
صحيفة "وول ستريت جورنال"، كانت قد أعلنت أن المفاوضين الإيرانيين والأميركيين يبحثون عن سبل لفك عقدة العقوبات ورسم مسار لرفعها، التي شلت الاقتصاد الإيراني مقابل عودة طهران إلى الاتفاق النووي. وفيما يرغب الإيرانيون برفع جميع العقوبات، ترغب إدارة بايدن في الحفاظ على تلك التي لا تتعارض مع الاتفاق الأصلي، لكنها لم تحددها. وذكر دبلوماسيون غربيون كبار أنه مع بدء المحادثات هذا الأسبوع يبدو أن إيران بدأت تتخذ موقفاً أكثر مرونة.
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن كان أعلن من بروكسل مساء الأربعاء، أن خطوة إيران لتخصيب اليورانيوم إلى 60 في المائة، "يشكل استفزازاً نأخذه بجدية، وبأنه يثير تساؤلات عن مدى جدية إيران في المحادثات النووية الجارية". لكن تحذيراته هذه لم تؤدِ إلى تغيير سلوك طهران.وبحسب تقرير في صحيفة "فورين بوليسي" يبدو أن الأمر متصل بالدور الذي يلعبه بوب مالي مسؤول ملف إيران في إدارة بايدن، الذي يعمل "على التوصل إلى حل وسط مع كل من إيران والمعارضين المتشددين داخل الولايات المتحدة، سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين". ففي ظل عزم إدارة بايدن على العودة إلى الاتفاق النووي، يسعى مالي إلى وضع خريطة طريق حول كيفية الوصول إلى تلك المعادلة المقبولة من الطرفين. ويريد أن يعرض صفقة للإيرانيين، على غرار صفقة مزدوجي الجنسية من أصل إيراني، تتضمن تخفيفاً للعقوبات بما يكفي حتى تعود إيران إلى الاتفاق، لكن ليس لدرجة تجعل إدارة بايدن عرضة للانتقادات.
يقول باتريك كلاوسن الخبير في الشأن الإيراني في معهد واشنطن إن مالي في موقف صعب بسبب الانقسامات العميقة في الولايات المتحدة ومع أصدقاء أميركا التقليديين في المنطقة. ويضيف كلاوسن في حديث مع {الشرق الأوسط}: {يريد فريق بايدن إظهار أنه يركز على الصين وروسيا، مع اهتمام أقل بالشرق الأوسط، وبشكل عام، يبدو أنه مرتاح للوضع الحالي فيما يتعلق بإيران، لكن ذلك قد يتغير. في الوقت الحالي، من المفترض أن يؤدي الانسحاب المعلن من أفغانستان إلى تقليل الضغط عليه لإرضاء الجناح اليساري للديمقراطيين وقد يجعله متردداً في اختيار معركة أخرى مع الجمهوريين، علماً بأنه لم يصدر أي انتقاد من إدارته عن الهجوم الإسرائيلي على نطنز}. ويرى كلاوسن أن الهدف الرئيسي الآخر لبايدن هو الظهور للأوروبيين بأن الولايات المتحدة جادة، رغم تمسكه بالعقوبات غير المرتبطة بالاتفاق النووي وهو ما يبدو أنه يتوافق معهم أيضاً، بدليل العقوبات التي فرضوها أخيراً على إيران على خلفية حقوق الإنسان.
مسؤول أميركي كان وصف المفاوضات الجارية في فيينا بالعملية المضنية لتخفيف بعض العقوبات وإزالة الحبوب السامة التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترمب، لضمان عدم تمكين إدارة بايدن من العودة إلى اتفاق 2015، الذي انسحب منه عام 2018، حسب فورين بوليسي.وتشمل هذه العقوبات التي فرضت تحت ما سمي حملة الضغط الأقصى، أكثر من 700 عقوبة شملت 18 مصرفاً إيرانياً، ما أدى إلى شل ما كان يمثل تقريباً القطاع المالي الإيراني بأكمله. وعمد ترمب إلى فرضها في نهاية ولايته لضمان عزلة إيران وكسر اقتصادها تماماً، وهي في غالبتنها عقوبات من خارج الاتفاقية النووية.
وتشمل هذه العقوبات على وجه الخصوص البنك المركزي الإيراني وشركة النفط الوطنية الإيرانية وشركة الناقلات الوطنية الإيرانية لتمويل الإرهاب الذي ترعاه الدولة.وكانت إدارة ترمب تعلم أنه حتى ولو تم إحياء الاتفاق، فإن مثل هذه العقوبات الجديدة ستبطل آثار الصفقة التي يمكن التوصل إليها، لأن هذه الشركات سيتم حظرها من التجارة الدولية. ومن المعروف أن هاتين المؤسستين تشرفان على صناعة النفط الإيرانية، في حين يسيطر البنك المركزي على معظم احتياطات إيران من النقد الأجنبي وعائدات مبيعات النفط الإيرانية، وهي أكثر العائدات التي تريدها إيران إذا أرادت العودة إلى الامتثال لاتفاق 2015.
وتدرك إدارة بايدن أنه سيكون من المجازفة السياسية أن تقوم برفع تلك العقوبات لأن البنك المركزي الإيراني {مسؤول في الواقع عن تخصيص الأموال لحزب الله وحماس} والشركتين الأخريين {توفران وتشحنان النفط للبيع من قبل فيلق الحرس الثوري}، الذي صنفه ترمب منظمة إرهابية أجنبية في أبريل (نيسان) 2019.ويقول كلاوسن إن القيادة الإيرانية تريد كسب نفوذ أكبر للضغط على بايدن والأوروبيين لتخفيف العقوبات عبر رفع درجات تخصيب اليورانيوم.
قـــــــــد يهمـــــــــــــك ايضـــــــــــــــــــــا
أرسل تعليقك