أصدر الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، برئاسة أمينه العام الشاعر والكاتب الصحافي حبيب الصايغ، إعلان أبوظبي، في ختام مؤتمر "مدينة القدس العربية.. المكان والمكانة"، الذي عقد في مدينة أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، في المدة من 26 إلى 28 إبريل/نيسان الماضي، إذ أكد وجوب توجيه الشكر والتقدير إلى الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، في دعم قضية فلسطين كونها قضية العرب الأولى والمركزية.
وأكد البيان أن القضية الفلسطينية يجب أن تكون حاضرة دائمًا في الوجدان العربي والأدبي وهي قضية العرب الأولى، ولن يكون هناك أي سلام من دون أن يعود الحق، وأنها قضية عادلة ولا تموت والنصر سوف يتحقق حتمًا.
ورفض البيان أي خطوة من شأنها استغلال الوضع الظالم الحالي لتغيير الحقائق، واستنكر البيان وأدان المساس بالمقدسات العربية الإسلامية والمسيحية في المدينة، ودعا إلى وجوب مقاومة التطبيع نهجًا وأداءً وعقلية وثقافة مع العدو الاحتلالي. وتاليًا نص البيان:
"اجتمع أكثر من ثلاثمائة مثقف ومفكر وسياسي وأديب وشاعر في مدينة أبوظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة لحضور مؤتمر "مدينة القدس العربية.. المكان والمكانة"، الذي أقامه الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، بالاشتراك مع اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، في المدة بين 26 و28 أبريل/نيسان 2018، من الدول العربية جميعًا، إضافة إلى ضيوف مشاركين من أوروبا، وتم تمثيل اتحادات وروابط وأسر وجمعيات ومجالس الأدباء والكتّاب العرب كافة، وبعض المؤسسات الدينية والعلمية العربية، إضافة إلى توجيه دعوات خاصة لشخصيات لها ثقلها الأدبي والثقافي والأكاديمي، من بين المهتمين بمدينة القدس والقضية الفلسطينية، ورفع المجتمعون شكرهم لدولة الإمارات العربية المتحدة، قيادةً وشعبًا على احتضانها هذا المؤتمر الدولي المهم"، معبرين عن تقديرهم جهود الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، في دعم قضية فلسطين كونها قضية العرب الأولى والمركزية.
افتتح المؤتمر الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح، واتفق المجتمعون على اعتبار كلمته وثيقة أساسية من وثائق المؤتمر، ومنها:
أولًا: إن القدس مدينة فلسطينية عربية، وهي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين، وهي السلام، ولن يكون هناك سلام من دون أن يعود الحق إلى أصحابه.
ثانيًا: إن أهل القدس خصوصًا، وشعب فلسطين عامَّة، يقدمون، بتضحياتهم وبطولاتهم، الدليل على أنه مهما طال الزمن، ومهما اتخذ المحتلون من إجراءات، فإن قضيتهم العادلة لا تموت، وإن النصر سوف يتحقق حتمًا لشعب فلسطين.
ثالثًا: إننا من أبوظبي نقدم للشعب الفلسطيني الوعد والعهد بأن نبذل كل جهد من أجل دعم كفاحه، ومن أجل مساندته في سبيل تحقيق كل ما يتطلع إليه من آمالٍ وطموحات.
رابعًا: إن علينا واجبًا ومسؤولية في دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتمكينه من بناء دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.
خامسًا: لاحظ المجتمعون تفاوتًا كبيرًا بين فهم العرب للسلام ونظرة العدو الصهيوني له، ونحن حين نعبر عن إصرارنا على السلام العادل، فإنما نؤكد في الوقت نفسه على أن ذلك لا يمكن أن يكون وسيلة لتصفية القضية، أو الإبقاء على المستوطنات، أو إجبار الفلسطينيين على القبول بحلول غير عادلة.
سادسًا: إن حل القضية الفلسطينية، وتأكيد موقع القدس الشريف كعاصمة لفلسطين، هما المدخل الطبيعي لتحقيق السلام والتنمية في المنطقة.
سابعًا- لابد لأشقائنا الفلسطينيين من رأب الصدع، وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.
وشهدت وقائع المؤتمر انعقاد خمس جلسات بحثية، قدم خلالها اثنان وثلاثون باحثًا أوراقهم حول الموضوع ومحاوره العشرة: مدينة القدس: النشأة والتطور (رؤية تاريخية)، مدينة القدس مكانًا ومكانة دينية- قراءة مقارنة، مدينة القدس: قراءة الشخصية من خلال التراث، الصراعات الدينية والسياسية بشأن مدينة القدس عبر التاريخ، العهدة العمرية ومكانة القدس في التراث الإسلامي، مدينة القدس: ساحة صراع الحضارات، العرب في القدس ما قبل الاحتلال الصهيوني، التغيرات الديموغرافية التي أدخلها الاحتلال الصهيوني على القدس، مدينة القدس: قراءة في الاتفاقيات والقرارات الدولية حول المدينة المقدسة، تمثلات مدينة القدس في الثقافة العربية المعاصرة، مستقبل مدينة القدس.. مستقبل الصراع العربي- الصهيوني، والقدس في الأدب العالمي. كما عقد مهرجان شعري موازٍ أطلق عليه اسم الشاعر العربي الكبير محمود درويش؛ لمناسبة مرور عشر سنوات على رحيله، وتمت تسمية إحدى أمسيات المهرجان باسم الشاعر الإماراتي ناصر جبران، الذي فقدته الإمارات يوم الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2017، والذي خدم قضية القدس وفلسطين؛ من خلال إبداعاته وكتاباته، وشارك في أمسيات المهرجان نحو أربعين شاعرًا من الدول العربية كافة، وتم عرض فيلم وثائقي عن القدس بعنوان "المرابطون" من إخراج الأردني مخلد بركات، ومونودراما مسرحية بعنوان"العهد"، بطولة مجدولين أبو ناموس وإخراج عماد البيتم.
وخلُص المؤتمر إلى عدة قرارات وتوصيات:
1- نظرًا للقيمة الكبيرة للأبحاث التي أعدت وقدمت للمؤتمر، وعددها 32 بحثًا، وتغطيتها لموضوع مكان ومكانة مدينة القدس العربية من جوانبه السياسية والثقافية والدينية والاجتماعية والقانونية، فقد تقرر طباعتها في كتاب توثيقي، وتوزيعه على اتحادات وروابط وأسر وجمعيات ومجالس الأدباء والكتّاب العرب، والمكتبات العربية عمومًا، وإهدائه إلى المؤسسات ذات الصلة عربيًا وعالميًا؛ ليكون وثيقة يمكن الرجوع إليها عند الحاجة. كما تتم ترجمته إلى اللغات الحية، وإهدائه إلى الدول والمنظمات الدولية.
2- يرفض المشاركون في مؤتمر القدس في أبوظبي، والأدباء والكتّاب والفنانون والمثقفون العرب في كل مكان، الآن ومستقبلًا، أي قرار أو تحرك أو تفكير من أي دولة في العالم، تغير طبيعة كون القدس العربية هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين الحرة المستقلة، كما يرفضون أي خطوة من شأنها استغلال الوضع الظالم الحالي لتغيير الحقائق على الأرض، ويستنكرون ويدينون المساس بالمقدسات العربية الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس، مع إلزام المحتل الصهيوني الغاصب بالحفاظ على التراث الثقافي الوطني الفلسطيني، بحكم ما هو ثابت تاريخيا ومستقر في الوجدان الجمعي، وبحكم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
3- وفي هذا الإطار، وارتباطًا بالفقرة السابقة، فإن الأدباء والكتّاب والمثقفين العرب، يؤكدون استياءهم الشديد من القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بالاعتراف بمدينة القدس عاصمة أبدية لـ"إسرائيل"، ونقل السفارة الأميركية إليها، متزامنًا مع ذكرى النكبة وإعلان قيام الكيان الصهيوني المغتصب على الأرض العربية، وهو ما يمثل خرقًا فاضحًا ومفضوحًا للاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ووضع مدينة القدس، ومنها قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وترتيبات المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني و"الصهيوني"، كما يمثل تعديًا على الحقوق التاريخية للفلسطينيين في أرضهم ومقدساتهم، وتمكينًا للاحتلال الاستيطاني العسكري المناهض للشرعية الدولية.
4- رأى الحضور أن مناهج التعليم في الدول العربية لا تعرض القضية الفلسطينية، ومكانة مدينة القدس التاريخية، بشكل مناسب للطلاب العرب؛ ولذلك تقرر أن يقوم الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، نحو مساعدة المختصين والباحثين والمثقفين والعلماء العرب، بوضع مقرر تعليمي ومساق استرشادي يتم تقديمهما لوزارات التربية والتعليم والجامعات لتقريرهما على الدارسين أو الاسترشاد بهما على الأقل في وضع مناهج التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية والقومية.
5- إن مدينة القدس والقضية الفلسطينية يجب أن تكون حاضرة دائمًا في الوجدان العربي، وفي إبداع الأدباء والشعراء العرب؛ باعتبارها أهم القضايا الإنسانية العادلة في العصر الحديث؛ كونها جرحًا حقيقيًا في وجه العالم المتحضر، الذي يرى بعينيه عذاب الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، والصلف الصهيوني، والاستخدام المفرط للقوة من قبل جيش الاحتلال، من دون أن يحرك ساكنًا ولو بالاستنكار والرفض.
6- قضية مدينة القدس، والقضية الفلسطينية بشكل عام، ليست قضية دينية ولا صراعًا بين منتسبي الأديان السماوية لكنها قضية سياسية وإنسانية؛ حيث قامت مجموعات من المهاجرين الذين لا ينتمون إلى دين سماوي واحد، بالتجمع في أرض فلسطين العربية؛ تلبية لنداء دول وقوى دولية لها مصالح في المنطقة، وبناء على وعد صريح مكتوب من وزارة الخارجية البريطانية حينئذٍ، وكونوا فرقًا ومجموعات إرهابية، أجبرت المواطنين الفلسطينيين على ترك أرضهم، التي تم اغتصابها، وأقاموا فوقها دولة احتلال، هي أقبح أشكال الاحتلال العسكري الاستيطاني في العالم، وتعد سبةً في جبين الحضارة الإنسانية، التي قطعت شوطًا طويلًا نحو التقدم والرقي واحترام الاختلاف وعدم الاعتداء على الحقوق العامة والحريات الشخصية.
7- من خلال الفيلم الوثائقي، ومن خلال شهادات بعض الشهود، اطلع الحاضرون على المعاناة الكبيرة التي يواجهها سكان القدس من العرب المحيطين بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة؛ حيث تضيِّق عليهم سلطات الاحتلال، وتحاربهم في أرزاقهم، حتى يضطروا إلى ترك المكان والهجرة؛ بحثًا عن أعمال أخرى في أماكن تدر عليهم ما يكفيهم؛ لذلك شدد المؤتمر على ضرورة دعم المقدسيين العرب، ماديًا ومعنويًا؛ من خلال الحكومات والمنظمات الأهلية العربية، سواء بالدعم المادي المباشر، أو عن طريق شراء منتجاتهم وبضائعهم، حتى يثبتوا في أماكنهم ولا يتركوها للاحتلال وقواته المغتصبة.
8- وأخيرًا.. فإن المجتمعين لاحظوا أن مفهوم "التطبيع" غير ثابت أو متفق عليه في الأوساط الثقافية والسياسية والفكرية في الوطن العربي، ما يسهِّل استغلاله لدى البعض بغير حق، وتطبيقه بمعايير مختلفة، وحسب الأهواء والتكتلات السياسية والثقافية، وهو الأمر الذي يضع على كاهل الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب مسؤولية تخصيص ندوة خاصة، مصاحبة لأحد اجتماعاته المقبلة لدراسة المصطلح ووضع مفهوم ثابت له، ومن هنا فإن مؤتمر القدس في أبوظبي يؤكد أن مقاومة التطبيع نهجًا وأداءً وعقلية وثقافة، مع الاحتلال الصهيوني العنصري الاستيطاني الاحتلالي، هو أحد ثوابت الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب؛ باعتبار أن التطبيع العربي مع العدو الصهيوني هو إقرار له على احتلاله واستيطانه وظلمه وقمعه وتهويده وروايته المزيفة، وبخاصة للقدس المحتلة، ودعامة رئيسية للتغلغل الصهيوني في الإقليم العربي.
أرسل تعليقك