أكد الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على ضرورة تحصين مجتمعاتنا من الأفكار الدخيلة والهدامة التي تؤثر سلبا على التنشئة الاجتماعية لأبنائنا وبناتنا، وتقودهم إلى العبث الذي تجلبه التكنولوجيا الحديثة كجوانب سلبية لها، مع أهمية العمل للمستقبل، والاستفادة من تجارب الشعوب التي عانت الهزائم، لكنها أصبحت اليوم في مصاف الدول العالمية المتطورة عبر التغلب على شعور الإحباط بالهزيمة، والاشتغال بالعلم والمعرفة والوعي المجتمعي
وأشار إلى أن إرادة الشعوب هي العامل الحاسم في تطور المجتمعات وتقدمها بعيدا عن الركون للهزائم، مستدلا بتجارب عدد من الدول الكبرى التي عانت ويلات الهزيمة، مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، وأصبحت اليوم من الدول الصناعية الكبرى ومثالا لتطلعات الشعوب ونظرتهم الإيجابية للمستقبل
جاء ذلك خلال الكلمة التي ألقاها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بحضور الشيخ سلطان بن محمد بن سلطان القاسمي ولي العهد نائب حاكم الشارقة، في حفلة افتتاح المنتدى الدولي للاتصال الحكومي في نسخته السابعة، الذي ينظمه المركز الدولي للاتصال الحكومي التابع للمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، على مدى يومين في مركز "إكسبو الشارقة"، تحت شعار "الألفية الرقمية.. إلى أين؟
واستهل كلمته بالترحيب بضيوف المنتدى، مبتدئا حديثه عن الأجيال السابقة وتطلعاتها وما يجب عليه أن يكون المستقبل، قائلا: "نحن من الجيل القديم، وسأعبر بكم أكثر من 45 عاما لكن إلى الوراء، لنرى ما كان، وما يجب أن نكون عليه، فنحن في الشرق هُزمنا هزيمة كبيرة في سنة 1967 وما زال شعور الهزيمة يسيطر علينا
وتابع: "أنا من جيل الهزيمة، بل كنتُ في وسطها، وكنت يومها أردد ما قاله الأديب الفرنسي إنطوان ارنولد في نصه "الورقة الجافة" المعّبر عن حالة اليأس، وأتخيل نفسي تلك الورقة الجافة في مهب الريح".
ولفت إلى أن الشعور الطاغي على الشعوب العربية في تلك الفترة كان سلبيا، مبينا أنه لم يكن وحده في ذلك الشعور العام، الذي مثّل نهاية النموذج القومي للإنسان العربي، تاركا تفكير الإنسان العربي مشلولا، وشعوره بأن صفحة قد طُويت، وفي نفس الوقت مثّلت استنزافا لكل المنظومات والنظريات التي سادت في تلك الفترة وبعدها، وتركتنا في مجتمع خاضع للصدمات المختلفة اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية
وتحدث عن تأثير تلك الفترة على تفكير الإنسان العربي، قائلا: "بدا الإنسان العربي أنه في عمق أزمة، يرى البعض أنها أزمة هوية، ويرى البعض الآخر أنها أزمة مشروعية، وبقينا كذلك إلى يومنا هذا، نتيّه في التيّه، وتأتينا الآن هذه التقنية الحديثة، فعلى أي أساس أرتكز على السماح لتلك المعطيات للولوج إلى مجتمع لا يعرف هويته ولا مشروعيته؟
وأكد أننا يجب أن "نرتقي ونحوّل بقايا تلك الهزيمة إلى فعل جاد، ونأخذ العبرة والحكمة من هزيمة اليابان، وألمانيا، وكوريا الجنوبية، لنعرف ما هي الخطوات التي اتبعوها للتطور والتقدم، وبذلك نكون وضعنا يدنا على المجتمع الذي سنسلمه سلاحا خطيرا وهو التقنية الحديثة، وهو السلاح الذي دخل علينا قبل بضع سنوات، وأصبح أخطر شيء في يد العبث، والظلاميين الذين يأخذون أبناءنا من كل مكان، ويحركونهم مثل الدمى ليدمروا أنفسهم وغيرهم".
وبيّن قائلاً: "أنا أنظر إلى هذا السلاح الخطير كإنسان مُصلح لمجتمعه، وأنتم تنظرون إليه من باب التطور"، مضيفا: "لا بد قبل أن نبدأ في طريق الثورة التقنية أن نبدأ بمجتمعنا، وأن نحصنه ضد كل هذه المعطيات، وليس معنى ذلك أن نراقبه فقط أو نغلق عليه الأبواب والوسائل، وإنما نحصّنه على درجة من المعرفة والوعي وإيمان إنساني يمنعه من العبث واستعمال هذه التكنولوجيا في تدمير الشعوب
ووجه رسالة إلى الآباء والأمهات، قائلاً: "مسؤوليتنا أن نراقب أبناءنا وبناتنا الذين أدمنوا على هذه الأجهزة الحديثة والتقنية وانفصلوا عن مجتمعهم، وأخذتهم الأجهزة بعيداً عن واقعهم
كما دعا الباحثين من رواد المعرفة والثقافة والتقنية الحديثة من ضيوف المنتدى إلى البحث في كيفية منع العبث من الوصول إلى أبنائنا وبناتنا حتى ينتقلوا إلى العقلانية من الفوضى، وإمكانية توجيه الأطفال إلى استعمال هذه الأجهزة للنفع والفائدة فقط، وقال: "أجيبوني وابحثوا ونحن بعد ذلك نشرع الأبواب
وألقى الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي، رئيس مجلس الشارقة للإعلام، كلمة أكد فيها ضرورة إدراك الحكومات لتسارع التطورات التقنية التي تهدد تلاشي وسائل التواصل التقليدية وتتطلب إعداد التجهيزات للاستعداد للمراحل المستقبلية التي يصعب التنبؤ بتطوراتها ومدى قفزاتها، مشيرا إلى أن وسائل الثورة الرقمية تتطور بشكل هائل وسريع ربما يفوق حتى سرعة الصوت، ومنها ما يتلاشى في الوقت الذي تبقى به وسائل أخرى، مستعرضاً المراحل المقبلة، وفقاً لما تشهده التقنية من مفاجآت وتطورات، مؤكداً ضرورة إعداد الخطط والآليات والبرامج التي تسهم في تسهيل سبل الحوار مع أجيال المستقبل ومخاطبتهم، وفق لغتهم الرقمية للحفاظ على التواصل المستمر بين الحكومة وجمهورها
وتناول رئيس مجلس الشارقة للإعلام حكاية مستقبلية جسّدها في الطفل "عمر"، وهو من الأجيال التي نشأت وترعرعت في ظل العصر الرقمي، والذي باتت ألعابه لا تشبه ألعاب طفولة الحاضر والماضي فكلها رقمية. وكذلك طريقة تواصله، متطرقاً إلى توقعات المراحل المستقبلية القادمة التي ربما يتلاشى فيها الهاتف النقال. وتتغير وسائل التواصل الاجتماعي لتكون من تاريخ الأجداد ويحل محلها أدوات تواصل أخرى
وأشار الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي إلى أبرز أبحاث تقنية المستقبل التي تتناول التواصل بالتخاطر بإرسال محتوى من دماغ إلى آخر دون تدخل الآلة. وربما بأدوات جديدة لم يتصورها العقل البشري حاليا، لافتا إلى تقنية الواقع المعزز للحصول على المعلومات التي يحتاج إليها الشخص دون الحاجة إلى الاتصال بجهاز الحاسوب أو الهاتف الذكي، وإلى توقعات تمكّن العقول بعد التواصل بسحابة مرتبطة بآلاف أجهزة الكمبيوتر من تضخيم الذكاء الأصلي ليصبح تفكيراً اصطناعياً، كما أطلقت عليه أبحاث المرحلة الماضية بالتفكير الهجين
وأضاف قائلاً: قد تبدو هذه الأفكار الخارجة عن نطاق إدراكنا الحالي غريبة نوعا ما وغير قابلة للتطبيق، ولكن يجب أن نتذكر أنه منذ 15 عاما فقط لم يكن لنا أن نتصور أن نحمل مكتبنا ومنزلنا وحسابنا المصرفي وكتبنا وصورنا كلها في جيّبنا وفي آلة واحدة اسمها الهاتف الذكي، مؤكدا أهمية التفكير في مستقبل الاتصال الإنساني، وطبيعة تواصل الحكومات مع شعوبها في المستقبل في سياق هذا التطور الجذري الهائل في طريقة تواصلنا مع بعضنا وتواصلنا مع الآلة
وألقت الدكتورة أمينة غريب، ضيف شرف المنتدى، كلمة عبّرت فيها عن شكرها للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على استضافتها في هذا المنتدى المهم الذي يهدف إلى تمكين حكومات المنطقة من التواصل بفعالية مع شعوبها، ويشكل في الوقت ذاته مدعاة فخر لقادة دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأكدت أن مسؤوليات الحكومات في ما يتعلق بالتواصل مع شعوبها تتضمن ثلاث مراحل، إذ يجب أن تكون أولا سباقة في تقديم معلومات تتميز بالشمولية والمصداقية، وأن توفر بنية تحتية أو أدوات اتصال قادرة على إصدار رسائل دقيقة في الوقت المناسب عند التعرض لأي أزمات أو كوارث، وثالثا أن توفر الحماية لشعبها في وجه أي قوى معادية قد تحاول الوصول إلى البيانات وتستغل قنوات الاتصال لأغراض غير مشروعة.
أرسل تعليقك