حسمت الإدارة الأميركية، الخميس، الجدل بشأن حذف اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بكلمات صريحة في مؤتمر صحافي على لسان مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية تيبور ناجي، قال فيها إن رفع اسم السودان من القائمة ليس قرارا إداريا، بل "عملية" قانونية غير معلومة الأجل.
ونفى قبله مسؤول أميركي تقديم وعد لرئيس وزراء السودان، الدكتور عبدالله حمودك، برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وكان ذلك ردا على تصريحات من الأخير في حوار مع قناة "بي بي سي" العربية خلال زيارته مقر الأمم المتحدة، قال فيه "تلقينا وعدا صادقا من المسؤولين الأميركيين برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب".
وحسب مصدر وثيق الصلة فإن القائم بالأعمال الأميركي السابق في الخرطوم، أكد في لقاء لمناسبة وداعه الشهر الماضي، حضره السفير البريطاني في الخرطوم، وجمع من السياسيين ورجال الأعمال، فإن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب «غير وارد» في الوقت الراهن.
وأكد ذلك أيضا، وزير المال السوداني الدكتور إبراهيم البدوي، في مؤتمر صحافي عقده يوم 24 سبتمبر/ أيلول الماضي، أن الإدارة الأميركية أبلغتهم بصعوبة رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب في الوقت الراهن بسبب «تعقيدات»، دون أن يفصح عنها، مشيراً إلى أن الإجراء قد يأخذ من 9 أشهر إلى سنة، لتحقيق هذا الهدف.
فما هي الأسباب الحقيقية وراء التشدد الأميركي، رغم يقينها أن بقاء اسم السودان في هذه القائمة يحجب عنه كل فرص تطبيع العلاقات الاقتصادية، بل وحتى السياسية، مع المجتمع الدولي، ما قد يعرض نظام الحكم الوليد إلى شبح الفشل والسقوط.
وتستخدم قائمة الدول الراعية للإرهاب أميركا مثل العصا في يد مدرب الوحوش في السيرك، فهي غير ثابتة، وتتحرك وفق مؤشرات غير واضحة، لكنها تضمن التأثير المباشر على سير وسلوك الدولة السودانية. فهي لم تعد ترتبط بدور السودان في الإرهاب، خصوصاً بعد الإطاحة بنظام الحكم المتهم برعاية الإرهاب، بل بمجمل القضايا السياسية التي تحكم مسار وبوصلة الأوضاع في السودان حاليا.
في لقاء صحافي مع القائم بالأعمال الأميركي السفير ستيفن كوتسيس، بعد وقت قصير من انتصار الثورة السودانية في أبريل (نيسان) 2019، قال إن الولايات المتحدة لن تقبل التعامل مع نظام حكم عسكري في السودان. وقال إن التسوية السياسية الجارية آنذاك في مفاوضات ثنائية بين المجلس العسكري الانتقالي، وقوى «إعلان الحرية والتغيير»، قد يتمخض عنها مجلس سيادة مشترك بين العسكريين والمدنيين، ما يعني في نظر بلاده استمرار الحكم العسكري، فوجود عسكري واحد في رأس الدولة كوجود كل المجلس العسكري يمنع تطبيع العلاقات مع السودان.
ومع ارتضاء أميركا لما تمخضت عنه الوثيقتان السياسية والدستورية اللتان وقعهما المجلس العسكري الانتقالي و«قوى الحرية»، ودشنت مؤسسات الحكم الانتقالي، إلا أنهما في نظرها «مجرد حل وسط يبعد شبح الانزلاق في سيناريوهات (الربيع العربي)»، ولكنهما غير كافيتين، لبلوغ النصاب الموجب لرفع اسم السودان من قائمة الدول
الراعية للإرهاب، وتطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي، فعلي لسان وكيل الشؤون السياسية بالخارجية الأميركية ديفيد هيل، في مؤتمر صحافي عقده بالخرطوم بعد التوقيع على وثائق الحكم الانتقالي، أغسطس/ آب 2019، قال: «نحن سننتظر ما ستفعله الحكومة المدنية، بشأن كفالة الحريات وحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، وتحقيق الاستقرار السياسي وتصحيح مسار الاقتصاد». وأضاف السفير كوتيسيس من جانبه، مزيداً من الشروط قائلاً: «رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب يتوقف بدرجة كبيرة على إدماج الحركات المسلحة في الاتفاق، وإحلال السلام في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان».
ورغم الدعم الدولي الذي تلقته الحكومة الانتقالية في السودان، من دول لها ثقل دبلوماسي كبير مثل ألمانيا وفرنسا والسعودية ومصر، وحتى الجولة التي طاف فيها حمدوك مع وزيرة خارجيته في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، والتقيا خلالها بممثلين لخمسين دولة ومنظمة دولية، ثم اختتمها بلقاء في قصر فرساي مع ماكرون، إلا أن الحصيلة صادمة للدبلوماسية السودانية وربما للشعب السوداني كله.
وبات الوضع أقرب إلى الجلوس لامتحان دون معرفة المقرر، فالأجندة الأميركية متحركة باستمرار، حتى وصلت أخيراً مرحلة الإشارة بوضوح إلى أن تطبيع العلاقات يمر عبر بوابة محاسبة من ارتكبوا مجزرة فض الاعتصام في صبيحة 3 يونيو/ حزيران 2019، وهو خيار صعب للغاية في الوقت الراهن، لأنه يعني قطع آخر شعرة تربط المكون العسكري والمدني في منظومة الحكم الانتقالي.
رئيس الوزراء حمدوك لم يعلن حتى الآن أسماء رئيس وأعضاء لجنة التحقيق المستقلة في أحداث فض الاعتصام، رغم أن تكوين اللجنة أعلن رسميا قبل أسابيع، بمسميات وظيفية دون تحديد أسماء، وتأجل في انتظار عودة حمدوك من الأمم المتحدة، ولا يزال في رصيف الانتظار، فهل تنتظر أميركا تكوين هذه اللجنة لتستكمل شروط رفع اسم السودان من القائمة؟ أم أن مزيداً من الشروط لا تزال تنتظر دورها للكشف عنها؟ الإجابة لم تعد خافية على المراقبين.
قد يهمك أيضًا :
أبوظبي تستضيف المؤتمر العام الثامن عشر لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية
أرسل تعليقك