أكد الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أن قاعة أفريقيا حاضنة الثقافة الأولى، حيث شهدت أكبر مشروع ثقافي في الوطن العربي، وهو مشروع الشارقة الثقافي، الذي بدأ عام 1978.
جاء ذلك خلال الكلمة التي ألقاها، بمناسبة افتتاح "قاعة أفريقيا" مساء الثلاثاء ، بحلتها الجديدة، وبحضور الشيخ سلطان بن محمد بن سلطان القاسمي، ولي عهد ونائب حاكم الشارقة، و الشيخ عبدالله بن سالم القاسمي، نائب حاكم الشارقة، في مقر القاعة الكائن في منطقة المناخ، على ميدان الحكومة في مدينة الشارقة.
وتابع الشيخ "على مدى هذه السنوات كلها، كانت قاعة أفريقيا هي الحضن الدافئ لمعظم الأنشطة، حيث لم يوجد غيرها" , مشيرًا إلى ما وصلت إليه الإمارة من تطور ورقي ثقافي، حيث توجد اليوم 16 قاعة مثل قاعة أفريقيا، منتشرة في أرجاء الإمارة.
وأشار أن القاعة كانت الملاذ الدافئ لجميع من نشأوا في حضن الثقافة العربية، سواء من الإمارات أو من مختلف أقطار الوطن العربي أو أفريقيا , ورحب بالضيوف من المثقفين والأدباء والمسرحيين قائلًا "نرحب بكم في دولة الإمارات العربية المتحدة، ونرحب بكم في الشارقة، ونرحب بكم خاصة في قاعة أفريقيا".
وعاد القاسمي بذكرياته إلى بدايات افتتاح القاعة، فقال "هذه القاعة افتتحت يوم الثلاثاء 14 ديسمبر/ كانون الأول 1976، وكانت بمناسبة انعقاد ندوة العلاقات العربية الأفريقية , وتمر الأيام ولكن لم نستطع أن نفعل ما كنّا نصبو إليه من افتتاح معهد للدراسات الأفريقية، وفق ما اتفقنا عليه في تلك الندوة , فبادرت إلى جامعة الخرطوم، حيث معهد الدراسات الإفريقية، ولديهم من الإمكانيات الكثير، فبنيت هناك قاعة أسميتها قاعة الشارقة، على غرار قاعة أفريقيا، وكان افتتاحها يوم الثلاثاء كذلك في فبراير/ شباط 1987".
قصة الثلاثاء
ولفت الشيخ إلى أن افتتاح قاعة أفريقيا وقاعة الشارقة في جامعة الخرطوم، وإعادة افتتاح القاعة، كان يوم الثلاثاء , وقال لاختيار يوم الثلاثاء صلة بالموضوع، فالثلاثاء وسط الأسبوع، والثلاثاء عند النحويين، كلمة ممنوعة من الصرف، فهي بذلك قابلة أن تكون للتأنيث والتذكير , وكان المقصد التعاون وعدم الانحراف، وعدم الصرف، ويشترك فيه الجنسان.
أفريقيا أصل البشرية
وأكد حاكم الشارقة أهمية القارة الإفريقية، حيث إنها أصل البشرية وفيها أنزل الله البشر، ومن إفريقيا انتشروا في مختلف دول العالم. ورغم نظرة المستعمر السلبية إلى هذه القارة التي يعدّها قارة منتهية، فإنها هي الأصل , وبيّن ، أنه عندما كوّن الله الأرض، وبدأت ملامح اليابسة تبرز، كان هناك طرق مستمر في صورة زلازل، وكانت أفريقيا هي السدادة، وكان الطرق عليها، وإذا بجنباتها التي لم تتماسك، تتناثر وتبتعد، فتشكل قارة أميركا الجنوبية وأميركا الشمالية وبريطانيا، وجزرها، وشبه القارة الهندية وما حولها من جزر، وشبه الجزيرة العربية، وبقيت سدادة قوية راسخة لا تمسها الزلازل، ولا غيرها.
وأضاف الشيخ "الزمن يتطور في الأيام المقبلة، ونلاحظ تأثير التغير المناخي الذي سينهي ذوبان الجليد، وبعده ستنشف كل الأنهار في أوروبا والبلدان الشمالية، ويبقى القلب النابض في وسط إفريقيا ينبع، ليسقي الحياة في تلك القارة وتبقى أفريقيا، وسيرجع الشتات أبناء تلك القارة، وكل واحد يعود وفي يده حفنة من ذهب، يرجع للأم بحفنة من قمح، سيأتي ذلك اليوم، وعلينا أن نستعد، علينا أن نفرح ونبشر تلك الأم ونقدرها، تلك هي أفريقيا".
وقال "منذ ذلك اليوم الذي كنّا نحن فيه نحاول أن نصل إلى إخواننا في القارة الأفريقية، تغيرت أمور وجرت مياه تحت الجسور، فأصبحت قواعدنا الآن أكثر ثباتًا وأكثر عمقًا ووعيًا، وأقرب إلى تحقيق الهدف المنشود؛ إذاً فلننطلق من جديد".
واختتم حديثه بتقديم شكره إلى الشيخة حور بنت سلطان القاسمي، وفريق العمل، على جهودهم في إعادة قاعة أفريقيا بحلتها الجديدة، متمنيًا لهم التوفيق والسداد في عملهم في معهد أفريقيا , وكانت مجريات الافتتاح، بدأت بكلمة ألقتها الشيخة حور بنت سلطان، رئيسة معهد أفريقيا، قالت فيها "لَطالَما كان اسم "قاعة أفريقيا" يترددُ على مسامعنا منذ أن بدأنا العملَ في غِمارِ الحراك
الثقافي الذي تزخرُ به إمارةُ الشارقة، اسمٌ حاضرٌ في جميعِ الأذهان التي شاركتْ في صياغة مشروع الشارقة الثقافي، بتطلّعاتهِ الإنسانيةِ الشاملة؛ هذا المشروع الذي أرسى ملامحه الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وجعلَ منهُ البوصلةَ الأولى التي تتوجهُ إليها جميعُ الأبصار، وحجر الأساس الذي انطلقَ منهُ صَرحُ الشارقة الكبير آنَذاك".
وأشارت أن قاعة أفريقيا هي المنصة الأولى التي تبلورت بين جدرانها الكثير من المبادرات والفعاليات الثقافية والفنية التي نراها ماثلةً بيننا الآن، وتوالدت منها الكثيرُ من المؤسسات والمرافق الثقافية التي تشكل الهويةَ المعمارية والحضارية لإمارتنا، كما أنها احتضنت كثيرًا من العروض المسرحية والملتقيات والندوات والأمسيات الشعرية، وكانت المنبرَ الأبرز الذي استضاف أهمّ القاماتِ الثقافية العربية من شعراءَ ومفكرينَ ومثقفين، وشكّلت الشارقة محطةً فارقةً في مسيرتِهم الإبداعية.
وتابعت الشيخة حور"ها نحن اليوم نعيد افتتاح هذه القاعة، تخليدًا لدورها التاريخي من جهة، وسعيًا إلى مواصلة دورها الحيوي في رفدِ مشروع الشارقة الثقافي ومؤازرته من جهة أخرى، بخاصة بعد أن اتسعت آفاقه، وتكرّست أهميته بوصفهِ صِلةَ الوصلِ التي تجمع بين كل الهويات الثقافية التي تحفل بها المنطقة على امتداد العالم العربي".
وقدمت الشيخة حور، شكرها إلى حاكم الشارقة، على ما يقوم به من جهود كبيرة في دعم المسيرة الثقافية في مختلف دول العالم، ومنها إنشاء وتنظيم "معهد أفريقيا" الذي سيشرف على برامج قاعة إفريقيا، إلى جانب مواصلة دوره الرئيسي في التعريف بالتراث الاجتماعي والثقافي والفكري لشعوب إفريقيا، ودعم وتوثيق الروابط التاريخية والعلاقات الأفريقية والعربية في الخليج العربي.
وشهد حاكم الشارقة، والحضور، محاضرة "مؤتمر العلاقات العربية الأفريقية لعام 1976 في الشارقة، الإمارات، وآفاق المستقبل" التي ألقاها الدكتور منصور خالد، وزير خارجية جمهورية السودان السابق , وعاد الدكتور منصور خالد بذاكرته إلى تاريخ 1976 وما صاحب هذه الحقبة من أوضاع سياسية واقتصادية أثرت في العالم العربي ودول إفريقيا، ولعل أبرزها، ارتفاع أسعار النفط في العالم والأطماع الأوروبية في الدول الأفريقية، والموقف العربي الذي أكد ضرورة عدم اقتصار دور العلاقات العربية الأفريقية، على الاقتصادي، بل تتسع وتشمل الجوانب الثقافية.
وأكد الدكتور أهمية موقف حاكم الشارقة، في توطيد العلاقات العربية الأفريقية، وتوسيع آفاق التعاون ليشمل المجالات الثقافية، فكانت البداية في إقامة ندوة العلاقات العربية الأفريقية بقاعة إفريقيا، وما صاحبه من برامج ومؤتمرات وندوات علمية تركت بصمتها في مسيرة الحراك الثقافي العربي الأفريقي.
وشهد حاكم الشارقة، خلال حفل الافتتاح عرض أداء للملحن وعازف الكمان التونسي زياد زواري، الموسيقي الذائع الصيت، وعرضاً للموسيقي والمغني يوسو ندور، أحد أبرز رموز الموسيقى السنغالية والحائز جائزة جرامي، بمرافقة أوركسترا "شرقيات" التي يقودها الموسيقار المصري فتحي سلامة، الحائز جائزة جرامي أيضًا , ويأتي افتتاح القاعة خطوة أولى ضمن المنظومة البرامجية التي يعدّها معهد أفريقيا لرفد الحركة الثقافية في المنطقة، والتعريف بقارة أفريقيا، عبر الدراسات وإجراء الأبحاث والتوثيق للتعريف بشعوبها، وثقافاتها في الماضي والحاضر والمستقبل، وصلاته المتعددة مع العالم.
ولقاعة أفريقيا أهمية بالغة في تاريخ المسيرة الثقافية لإمارة الشارقة، حيث شهدت بواكير مشروع الشارقة الثقافي الذي بدأت تتكرس ملامحه في فترة السبعينات، وكانت الحاضن الرئيسي لأغلب الفعاليات آنذاك، حيث تزامن افتتاحها عام 1976 مع افتتاح بلدية الشارقة، لتصبح منصة حيوية وعلامة فارقة في المسيرة الثقافية في الإمارة.
ويستمر برنامج الافتتاح في تقديم مجموعة من الفعاليات الموسيقية النوعية، بين 25 و 30 سبتمبر/ أيلول ، حيث يتضمن عروضًا موسيقية للفنانين: زياد زواري، ويوسو ندور، وأوركسترا فتحي سلامة، ولو سوبير لإيتوال دو داكار، وأومو سانجار، ومولاتو أستاتكي، وليسا سيمون، ودي جي بيتر أدجاي، وسومى، بالإضافة إلى عرض لفيلم "أوبرا العالم" من إخراج مانثيا دياوارا.
حضر افتتاح القاعة الشيخ عبدالله بن محمد آل ثاني، المستشار في مكتب الحاكم، والشيخ عصام بن صقر القاسمي، المستشار في مكتب الحاكم، والشيخ خالد بن عبدالله القاسمي، رئيس دائرة الموانئ البحرية والجمارك، والشيخ سالم بن عبد الرحمن القاسمي، رئيس مكتب الحاكم، والشيخة نوار القاسمي، مديرة التطوير في مؤسسة الشارقة للفنون، وعدد من الشيوخ.
وشهد الحفل نورة الكعبي، وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة، وخولة الملا، رئيسة المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة، وعبد الله العويس، رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الشارقة، وراشد أحمد بن الشيخ، رئيس الديوان الأميري، واللواء سيف الزري الشامسي، القائد العام لشرطة الشارقة، وعدد من أعضاء المجلس التنفيذي لإمارة الشارقة، وكبار المسؤولين في الدوائر المحلية، وعدد من أعضاء السلك الدبلوماسي العاملين لدى الدولة، وكوكبة من الفنانين والمسرحيين والأدباء والنقاد العرب والأفارقة.
أرسل تعليقك