تقاسم كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين الإيرانيين أمس الأربعاء، المهام لتوجيه انتقادات شديدة اللهجة لإعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو استراتيجية لمواجهة تهديدات إيران، لليوم الثالث على التوالي.
وكشف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن خبراء فريقه الدبلوماسي باشروا اجتماعات مع الاتحاد الأوروبي، وقال قائد الأركان المسلحة محمد باقري "إن "القوات المسلحة الإيرانية لن تنتظر ضوءَا أخضر من أي قوة لتطوير قدراتها الدفاعية"، مضيفَا أن واشنطن "ليست لديها الشجاعة لمواجهة عسكرية مع طهران"، فيما قال مستشار المرشد الإيراني للشؤون العسكرية رحيم صفوي "إن بلاده باتت القوة الأكبر في منطقة غرب آسيا سواء رضيت أميركا بذلك أم رفضت".
واعتبر المرشد الإيراني علي خامنئي أمس الخطوات الأميركية "غايتها إسقاط النظام"، مشيرَا إلى أنه "ليس قلقَا من تكرار مفردة "إسقاط النظام"؛ لأن جميع مؤامرات باءت بالفشل".
ونقل موقع خامنئي الرسمي قوله أمام حشد من كبار المسؤولين السياسيين أن "الولايات المتحدة مارست أنواع العداء لتوجيه ضربة إلى النظام، عبر أساليب سياسية واقتصادية وعسكرية ودعائية".
شروط إيران إلى الدول الأوروبية
وجدد خامنئي شكوكه بمواقف الدول الأوروبية الثلاثة، متهمَا إياها بالتخلي عن وعودها خلال المفاوضات النووية، ووضع خمسة شروط للدول الأوروبية لتعويض ما اعتبره "الصمت على خرق الولايات المتحدة للاتفاق النووي".
وطالب أوروبا في شرطه الأول بـ"إصدار قرار ضد الولايات المتحدة لخرقها القرار 2231"، كما اعتبر أنه "يجب أن تتعهد أوروبا أن لا تطرح قضية الصواريخ الباليستية ودور إيران الإقليمي للنقاش"، أما الشرط الثالث، فهو "أن تواجه أوروبا أي عقوبات ضد إيران وتتصدى للعقوبات الأميركية"، وتمثل الشرط الرابع بـ"أن تضمن أوروبا بيع النفط الإيراني، وتقديم ضمانات لتعويض الإضرار به وشراء النفط الإيراني"، أما الشرط الأخير فهو "أن تضمن البنوك الأوروبية التجارة مع إيران". وأضاف: "لا نتخاصم مع الدول الثلاث، لكننا لا نثق بها استنادَا إلى ماضيها".
وزعم خامنئي أن واشنطن "تمارس لعبة القط والفأر" عندما استدعي سلسلة أفلام كارتون "توم وجيري"، مشيرَا إلى أنه "لا يشك في هزيمة الأعداء (الأميركيين)". كما توعد الرئيس الأميركي بأن "مصيره لن يكون أفضل من أسلافه جورج بوش ورونالد ريغان والمحافظين الجدد وسيضيع في التاريخ".
طريف يؤكد أن الإعلان الأميركي "لا يستحق الرد"
وكانت بداية المواقف الإيرانية أمس بوزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي اكتفى على مدى اليوميين الماضين بتغريدة عبر "تويتر" وبيان للخارجية بانتقاد الخطوة الثانية للإدارة الأميركية في شهر مايو / أيار الحالي، لتكون طهران أمام صيف ساخن أكثر سخونة من صيف 2017.
واصل ظريف أمس نسق الابتعاد من النبرة الدبلوماسية الهادئة ورد بتصريحات غاضبة على أسئلة الصحافيين على هامش اجتماع الحكومة الإيرانية، وعدّ ما أعلنه نظيره الأميركي "عشوائيَا واعتباطيَا" و"لا يستحق الرد".
ومع ذلك، فإن رد ظريف على بومبيو كان أطول من ردوده السابقة على أسئلة الصحافيين، وفي أثناء انتقادات لبومبيو، حاول أن يوجه رسالة إلى منتقدي السياسة الخارجية في الداخل الإيراني، وبدا من تصريحه أن "الموقف تحت السيطرة ولا يدعو إلى القلق" عندما أشار إلى مفاوضات بدأت على مستوى الخبراء تسبق الاجتماع المتوقع للجنة المشتركة في الاتفاق النووي باستضافة الاتحاد الأوروبي بين وزراء خارجية إيران والدول الأوروبية الثلاث إضافة إلى الصين وروسيا في فيينا غدَا الجمعة.
وأشار ظريف إلى جولته الأسبوع الماضي إلى موسكو وبكين وبروكسل لبحث مواقف أطراف الاتفاق النووي، واللافت أنه تحدث عن "مفاوضات معقدة" بشكل متناوب مع "الأصدقاء" الصينيين والروس على مستوى الخبراء، مشيرَا لتوصل طهران إلى "خطط واسعة" بحسب ما أوردت عنه وكالة "إيسنا".
ويواجه ظريف، الذي يعرف بنزعته نحو إقامة علاقات مع الدول الغربية، مقاومة مشددة من المحافظين وعلى رأسهم السياسيون المخضرمون مثل مستشار خامنئي، علي أكبر ولايتي الذي يقود معسكر المطالبين باستراتيجية "التوجه نحو الشرق".
وقال ظريف ردا على سؤال حول احتمالات التأثير الأميركي على اجتماعات اللجنة المشتركة في الاتفاق النووي، إن "الأميركيين خرجوا من الاتفاق، لهذا فإنهم ليسوا أعضاء في اللجنة، ولا يمكنهم أن يعرقلوا الاجتماعات مثل السابق"، موضحَا أن اللجنة المشتركة من دون الولايات المتحدة "ستبحث سبل العمل بالاتفاق النووي من قبل باقي الأطراف".
ونوَّه بأن الاجتماعات "ستتناول الاتفاق النووي فقط، ولا يوجد مطلب إيراني عدا ذلك" في إشارة إلى ما دار في الأيام الأخيرة حول احتمال مناقشة دور طهران الإقليمي وبرنامج الصواريخ الباليستية وضغوط من الأوروبيين لبدء مفاوضات حول الملفات العالقة مع طهران للحفاظ على الاتفاق النووي.
وأقر ظريف بتضرر مكاسب إيران الاقتصادية بعد الانسحاب الأميركي، مستطردا: "يجب على باقي أعضاء الاتفاق النووي العمل على توفير مكاسبنا من الاتفاق، ونحن لدينا خطط لافتة حول ذلك".
وخاطب ظريف نظيره الأميركي قبل توضيح أجندة الأيام المقبلة للخارجية الإيرانية، قائلا "إننا نؤکد مجددَا أن وزير الخارجية الأميركي وغيره من المسؤولين في الحكومة الأميركية الحالية ليسوا عالقين في تصوراتهم الخاطئة فحسب، بل إنهم عالقون في سجن الماضي أيضَا، والأسوأ من ذلك أنهم سجناء لمجموعات ضغط فاسدة".
وعدّ ظريف أن خطة بومبيو لمواجهة التهديدات الإيرانية "تعكس إفلاس الولايات المتحدة، التي أصبحت في الواقع سياستها الخارجية سياسة مستأجرة، وأي مجموعة ضغط بإمكانها دفع مزيد من التكاليف، يمكنها أن تحرك السياسة الخارجية الأميركية إلى أبعد من ذلك"، موضحَا أن کلام بومبيو "بعيد کل البعد عن الأدب والمنطق".
وأشار ظريف إلی أن کل تصريحات بومبيو، التي تضمنت ملفات تشير إلى تورط إيران "سلبَا" إقليميَا ودوليَا، "لا تمت بأي صلة للواقع، وهي ناتجة عن سياسات فاشلة قديمة"، ونبه إلى أنه "لم يصدر أي كلام جديد، ولكنه أدلی بهذه التصريحات هذه المرة بصورة أکثر وقاحة".
الحرس الثوري يُحذر من مصير صدام حسين المعدوم
وقال "الحرس الثوري" الإيراني في بيان رسمي من جهته "إن قادة الولايات المتحدة فهموا الرسالة الإيرانية، بأنهم سيواجهون مصير صدام حسين المعدوم في حال الاعتداء على إيران" وفقًا لما نقلت وكالة "تستنم" الناطقة باسم استخبارات "الحرس الثوري".
وجاء البيان أمس بمناسبة ذكرى عملية "المحمرة"، شرق شط العرب في حرب الخليج الأولى وهزيمة الجيش العراقي في المعركة، ويقر "الحرس الثوري" عبر بيانه بالقيام بعمليات استخباراتية خارج الحدود الإيرانية على مدى 30 عاما بعد نهاية حرب الخليج الأولى ضد من وصفهم بـ"معسكر الأعداء".
ويأتي البيان في اليوم الثالث، لإعلان الاستراتيجية الأميركية بعد الانسحاب من الاتفاق النووي. ووضعت الإدارة 12 شرطا على إيران يرتبط أغلبها بنشاط "الحرس الثوري" خارج الحدود الإيرانية عبر "فيلق القدس" وتدخله في أكثر من نقطة ساخنة في الشرق الأوسط، وتطوير الصواريخ وتهديد الجيران، فضلا عن اعتقال المواطنين من جنسيات مزدوجة، إلى جانب الأنشطة النووية التي تثير مخاوف دولية من توجه إيران إلى تطوير قنبلة ذرية تتسق مع تطوير الصواريخ بيد "الحرس الثوري".
وبرر "الحرس الثوري" قيامه بعمليات استخباراتية بـ"الحيلولة دون الوقوع في غفلة استراتيجية" على حد تعبير البيان.
باقر يتمسك بحق القوات الإيرانية وقدراتها الدفاعية
في السياق نفسه، قال رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري إن "القوات المسلحة الإيرانية لا تنتظر رخصةً أو ضوءَا أخضر من أي قوة لتطوير قدراتها الدفاعية"، مضيفَا أن واشنطن ليست لديها الشجاعة لمواجهة عسكرية مع طهران.
وكان وزير الخارجية الأميركي اشترط إنهاء نشر الصواريخ الباليستية والصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية في جزء من 12 شرطَا للوصول إلى اتفاق جديد مع طهران. وفرضت وزارة الخارجية الأميركية، الثلاثاء الماضي، عقوبات على 5 من قادة "الحرس الثوري"، لدورهم في نشر الصواريخ الباليستية وإيصالها ليد الحوثيين في اليمن.
وبدأ البرلمان الإيراني الجلسة الصباحية أمس بخطاب باقري الذي قال إن "الشعب الإيراني اليوم أمام اختبار كبير، فأميركا الناكثة بالعهد، بانتهاكها القرارات المتفق عليها سابقَا، تهدد الشعب الإيراني وتقرر له ما ينبغي وما لا ينبغي عليه أن يفعله".
وأضاف باقري "على الرغم من أن هذا العدو لا يجرؤ على الدخول في الساحة العسكرية والحرب المباشرة، فإنه يسعى لممارسة الضغوط على الشعب الإيراني في المجال الاقتصادي وعبر الحرب النفسية". وقال: "قواتنا المسلحة اليوم في الذروة أكثر من أي وقت مضى؛ من حيث القدرات الدفاعية والجهوزية العسكرية والقتالية"، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية.
ووصف باقري الزعماء الأميركيين بأنهم "ناكثون بالعهد ومجرمون". وقال للبرلمان إن "طهران لن تذعن للضغط الأميركي للحد من أنشطتها العسكرية".
ويأتي ذلك بعد يومين من تصريحات لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، قال فيها "إن واشنطن ستفرض "أقوى عقوبات في التاريخ" إذا لم تكبح طهران نفوذها الإقليمي، وتحد من برنامجها الصاروخي.
صفوي يؤكد أن الأميركيين يعرقلون حكومتنا منذ 40 عامَا
وقال مستشار المرشد الإيراني للشؤون العسكرية اللواء رحيم صفوي على صعيد متصل "إن إيران القوة الأولى في منطقة غرب آسيا، سواء أرادت الولايات المتحدة ذلك أم لم ترد"، مضيفَا أن "واشنطن في الواقع، لم تعد القوة العظمى في العالم متعدد الأقطاب في القوة".
وفي خطاب بمقر وزارة الثقافة والإعلام الإيرانية، رد صفوي على خطوة وزير الخارجية الأميركي بإعلان استراتيجية ضد إيران يوم الاثنين، وتضمنت شروطَا لعودة الولايات المتحدة إلى طاولة مفاوضات تهدف للوصول إلى اتفاق جديد.
وعلق صفوي على الرسالة التي وجهها بومبيو إلى الإيرانيين بشأن سلوك النظام، واتهم الولايات المتحدة باتخاذ مواقف عدائية ضد إيران وعرقلة الحكومة الإيرانية، وقال "على مدى 40 عامَا يعرقل الأميركيون الثورة والحكومة الإيرانية، لكننا أصبحنا أقوى على الصعيد الداخلي والسياسي والثقافي والاقتصادي والنفوذ الإقليمي، والآن نعد القوة الأولى في منطقة غرب آسيا، سواء أرادت الولايات المتحدة ذلك أم لم ترده حدث ذلك".
وأضاف في هذا الصدد "نحن الثقل السائد في منطقة غرب آسيا، نظرَا لموقعنا الجيوسياسي، والقوة الثقافية والسياسية والعسكرية التي تتنامى إلى درجة تمكننا من الدفاع عن الأمن القومي والمصالح الوطنية".
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحب من الاتفاق النووي مع إيران قبل أسبوعين الذي أدى إلى رفع عقوبات عن إيران مقابل كبح برنامجها النووي، ولم يتضح ما إذا كان باقري تطرق في خطابه إلى جدل الأيام الأخيرة في البرلمان حول الانضمام إلى اتفاقية غسل الأموال وتمويل الإرهاب، الذي يعارضه معسكر المحافظين ويعدونه خطرا على أنشطة "الحرس الثوري" خارج الحدود الإيرانية.
أرسل تعليقك