شهد "حراك الجمعة الـ19" في الجزائر مواجهات بين رجال الأمن، الذين كانوا بأعداد كبيرة، وآلاف المتظاهرين الذين تحدوا درجات الحرارة المرتفعة، وإجراءات أمنية مشددة، وتخللته اعتقالات جماعية لم ينجُ منها حتى الصحافيون والمحامون.
وتوقف سكان العمارات في العاصمة على عكس المظاهرات التي انطلقت في 22 من فبراير /شباط الماضي، عن إمداد عناصر قوات مكافحة الشغب بالماء والغذاء، وكان ذلك دالًا على حدوث شرخ عميق بين الطرفين، حيث حلّ التوتر والمشادات والعنف اللفظي محل شعار "شرطة... حراك... خاو خاوة"، بكل ما يحمله هذا الشعار من معاني السلم والمهادنة والرفق.
ويُعد اللافت في مظاهرات الجمعة، أن قوات الأمن تلقت أوامر صارمة من الجيش لغلق كل المساحات على المحتجين، واعتقال كل من يصور مجريات الحدث؛ وأوقفت الفضائيات الخاصة منذ شهر البث المباشر للمظاهرات، وترك ذلك انطباعًا قويًا بأن السلطات ضاقت ذرعًا بالحراك، ولا تريده أن يستمر.
وشبّه صحافيون كانوا في قلب الحدث مظاهرات أمس بانطلاقتها قبل أكثر من أربعة أشهر، قياسًا إلى الانتشار المكثف لرجال الأمن، والتفتيش الصارم للأشخاص وحقائبهم بهدف مصادرة اللافتات والشعارات، التي تهاجم المسؤولين الحاليين للبلاد، وبخاصة قائد الجيش الجنرال قايد صالح، الذي يمسك بـ"ملف الحراك" بنفسه، بينما قوانين البلاد تفيد بأن وزارة الداخلية هي من تسيّر الاحتجاجات في الشوارع.
وهاجم المتظاهرون في أغلب الولايات رئيس أركان الجيش بسبب قضية "راية الأمازيغ"، التي كانت منتشرة بقوة في المسيرات، وطالبوا بالإفراج عن عشرات المعتقلين، المتابعين بتهمة "ضرب الوحدة الوطنية"، بسبب رفع هذه الراية في مظاهرات الجمعة الماضية.
وتم إغلاق أهم شوارع العاصمة بعربات الشرطة لمنع التجمع بالساحات العامة؛ لكن تدفق سيول بشرية كبيرة على هذه الشوارع بعد صلاة الجمعة أجبر السلطات الأمنية على سحب عتادها، ومع ذلك ظل البريد المركزي "أيقونة فضاءات الحراك" مغلقًا أمام المتظاهرين.
وقال حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، في بيان أمس، "إن رئيس مكتبه بالعاصمة عبد القادر قروسان تعرَّض لاعتداء الشرطة خلال المظاهرات في العاصمة".
وبث الحزب فيديو للمسؤول الحزبي، يبدو فيه وهو يتنفس بصعوبة، وأكد البيان، أن العنف كان ولا يزال طبيعة النظام السياسي الجزائري، الذي يرفض الاستجابة لمطلب الشعب، المتمثل في تغيير النظام من نظام شمولي استبدادي إلى نظام سياسي ديمقراطي.
وأطلقت قوات الأمن غازات مسيلة للدموع لتفريق متظاهرين، كانوا يحملون راية الأمازيغ؛ ما تسبب في إغماء الكثيرين وتم نقلهم إلى المستشفى الجامعي القريب، وكان من بين الشعارات اللافتة شعار حمله طالب جامعي يقول، "يريدون إشعال النار... ونحن نصر على إطفائها".
وكتب صحافي جريدة "الشروق" حسان حويشة بأن "عسكرة العاصمة بجحافل من رجال الشرطة صورة مشينة تضرب سمعة الجزائر في الصميم، خصوصًا أن الحراك سلمي منذ 4 أشهر"، في حين أكدت صورية منصوري، من جمعية تنشط بالحراك، أنها كانت "شاهدة على إرادة قوية لقمع مظاهرة العاصمة؛ غير أن ذلك لم يمنع الآلاف من التعبير عن مطالبهم بتغيير حقيقي وجذري للنظام. لقد لمست هذه المرة مقاومة وغضبًا أكبر لدى المتظاهرين".
وشهدت ولاية بجاية بشرق البلاد إضرابًا عامًا بدأ أول من أمس، حيث أغلق التجار محالهم، ورفض العمال والموظفون الالتحاق بأماكن الشغل؛ احتجاجًا على اعتقال الكثير من أبناء المنطقة الأسبوع الماضي بالعاصمة، بسبب رفع الراية الأمازيغية.
وفيما يشبه التحدي تم نشر الراية في بجاية أمس على نطاق واسع، وطالب المتظاهرون باعتماد حل سياسي للأزمة، بدل التقيد بالحل الدستوري، الذي يعني استمرار رئيس الدولة ورئيس الوزراء المرفوضين شعبيًا.
وكان قائد الجيش قد أكد أول من أمس في خطاب "حرص المؤسسة العسكرية على حتمية احترام دستور البلاد وتحكيم القوانين السارية المفعول، وقطع الطريق أمام كل الانتهازيين والوصوليين والعملاء، الذين يحاولون التشويش على جهود المخلصين من أبناء الجزائر ومنعهم من خدمة وطنهم"، وعد ذلك موجها لنشطاء الحراك.
أرسل تعليقك