أعلن الاقتصادي الصيني ونائب رئيس الوزراء ليو هو، لوزير الخزانة الأميركي ستيفيت منوشين، أن بكين مستعدة للدفاع عن مصالحها بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عن خطط بفرض رسوم جمركية لما يقرب من 50 مليار دولار على البضائع الصينية الواردة.
ولكن تصريحات ليو كانت أكثر برودة من رد الفعل الأول للقيادة الصينية على إعلان ترامب، حيث قال السفير الصيني لدى الولايات المتحدة، تسوي تيانكاي، على التلفزيون الحكومي "إذا فرض شخص ما حربا تجارية على الصين، فسنقاتل حتى النهاية."
وفي الواقع، كانت استجابة الصين ضعيفة، فلم تفرض سوى ثلاثة مليارات دولار كرسوم جمركية إضافية على السلع الأميركية، وهي على الفواكه الطازجة والمكسرات والنبيذ والخنزير وأنابيب الألمونيوم والفولاذ المعاد تدويره، وفرضت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على واردات الألمونيوم والصلب. وأتت قرارات ترامب بعد عملية تحقيق استغرقت أشهر بأوامر من ترامب، وأكد البيت الأبيض أن التحقيق أظهر عدة ممارسات غير عادلة في المعاملات التجارية مع الصين، بينها التضييق على ملكية الشركات الأجنبية وهو ما يضع ضغوطا على الشركات العاملة في مجال نقل التكنولوجيا.
وحسب البيت الأبيض قدم التحقيق أدلة على وجود معاملة غير عادلة من الصين تجاه الشركات الأميركية، كما تضع الحكومة الصينية عقبات أمام الصناعات الأميركية في مجالات استراتيجية عدة. ويصرخ منتجو لحم الخنزير الأميركي، حيث صدرت أميركا في العام الماضي 1.1 مليار دولار لحم خنزير إلى الصين، مما يجعلها السوق رقم 3 لبيع لحم الخنزير الأميركي، وبشكل عام، قام مزارعو الدولة بشحن ما يقرب من 20 مليار دولار من البضائع إلى الصين في عام 2017.
وفي هذا السياق، قال جيم هيمرل، رئيس المجلس الوطني لمنتجي لحم الخنزير "إننا نبيع الكثير من لحم الخنزير إلى الصين، لذا فإن التعريفات الأعلى على صادراتنا التي تذهب إلى هناك ستضر بمنتجينا وتقوض الاقتصاد الريفي". وشملت قائمة التعريفات الصينية التي نشرت يوم الجمعة، مواد التصدير الأميركية الرئيسية إلى الولايات المتحدة بما في ذلك فول الصويا والذرة الرفيعة وطائرات بوينغ، وأعلنت وزارة التجارة في الصين عبر بيان، أن قائمة السلع الأميركية التي بلغت قيمة وارداتها نحو 3 مليار دولار في 2017، والتي تتضمن الفاكهة الطازجة والمجففة وأنابيب الصلب، والإيثانول المعدل، تشهد تعريفات جمركية بنحو 15%.
وتابعت أن السلع مثل لحم الخنزير والمعاد تدويرها من الألمونيوم، قد تشهد تعريفات قد تصل قيمتها إلى 25%. ولم يتضمن بيان وزارة التجارة في الصين مزيدا من التفاصيل عن المنتجات الزراعية الأميركية، وخاصة فول الصويا، وكان تم اعتباره أكبر مجال للرد المحتمل من قبل إدارة الرئيس الصيني "شي جين بينغ".
وذكرت الصين أنها ستتخذ إجراءات ضد البضائع الأميركية على مرحلتين ما، إذا لم تتوصل لاتفاق مع واشنطن، مشيرة إلى أنها قد تُصعد الأميركي عبر اتخاذ إجراء قانوني وفقا لقواعد منظمة التجارة العالمية، وتابعت وزارة التجارة الصينية قائلة إن الإجراءات التجارية الأميركية أضرت بشدة بالنظام التجاري متعدد الأطراف وأزعجت النظام التجاري الدولي، كما حثت واشنطن على حل مشاكلها التجارية معها لتجنب الإضرار بالعلاقات الثنائية.
وقال جو بروسويلاس كبير الاقتصاديين في شركة الاستشارات المالية RSM "إن الصين تتفاعل بشكل طفيف مع مجموعة التعريفات، كما أن الاحتكاك التجاري هو حالة طبيعية في الاقتصاد الدولي". ومن المقرر أن تقوم إدارة ترامب، بنشر تفاصيل التعريفات الإضافية، حيث قال الممثل التجاري الأميركي روبرت لفتايزر، إن الهدف هو الضغط على الصين، وتغيير الممارسات، والتخطط لاستهداف 1300 فئة من المنتجات، مع الحد من الضرر الذي يلحق بالمستهلكين والشركات الأميركية، ولكن الأضرار التي لحقت بالصين قد لا تمثل سوى 0.1٪ من ناتجها المحلي الإجمالي، ففي مذكرة استشارية للمستثمرين، كتب كابيتال إيكونوميكس أن التعريفات الحالية سيكون لها تأثير لا يذكر على الاقتصاد الأوسع للصين، كما أن استهداف 60 مليار دولار من المنتجات من قبل الولايات المتحدة يضيف 0.25٪ فقط إلى الناتج المحلي الإجمالي الصيني في العام الماضي، ومن غير المرجح أن تقترب التدابير الحالية من تقليل الاختلال التجاري السنوي بين الولايات المتحدة والصين بمقدار 100 مليار دولار كما طالبت الإدارة، وتمتلك الصين أكثر من مليون دولار من سندات الخزينة الأميركية، وبالتالي هي في موطن قوة.
وتوضح المذكرة الاستشارية أن "الشكوك الرئيسية الآن هي ما إذا كان ترامب يرى التعريفات كغاية في حد ذاتها، أو ما إذا كان يتبعها لمزيد من التصعيد"، ولكن مثل الكثير من مقترحات إدارة ترامب، فإن هذا البريق غالبا ما يكون لجذب الانتباه وليس للتطبيق، حتى عندما يتم نشر قائمة رسمية بالتعريفات، سيكون أمام الشركات الأميركية 30 يوم للتعليق وستتمكن الصين من تقديم تنازلات.
وقال جيفري غيرتز من معهد بروكينغز، إن الجهود المشتركة بين الولايات المتحدة وأوروبا واليابان للحد من نقل التكنولوجيا قد تكون أكثر فعالية، مضيفا "هناك بالتأكيد مجال لمتابعة الصين من خلال منظمة التجارة العالمية وهناك الكثير يمكن أن تفعله الولايات المتحدة، ولكن مجتمع الأعمال لا يزال متوترا للغاية بشأن التعريفات واسعة النطاق ".
وأعربت الأسواق الأميركية عن قلقها من القرار وذلك بانخفاض بمقدار 730 نقطة يوم الخميس، وهو الأسبوع الأسوأ بالنسبة للمؤشرات الرئيسية منذ أكثر من عامين، وقال بروسويلاس من شركة RSM "إنه تصويت بعدم الثقة فيما يشكل بوضوح مجموعة من السياسات التجارية غير المتسقة، إنهم يفتقدون فرصة كبيرة لأن هناك إجماع واسع من الحزبين في واشنطن على ضرورة القيام بشيء ما بشأن التجارة، وهناك إجماع نادر بين الدول التجارية الرئيسية بشأن السياسات التي يتعين على الصين ضبطها."
والدول التجارية الأخرى، بما في ذلك كندا والاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية، مستعدة لمواجهة الصين من خلال إجراءات متعددة الأطراف عبر منظمة التجارة العالمية، وأضاف بروسويلاس "هناك فرصة كبيرة لإعادة صياغة العلاقة الاقتصادية مع الصين، لكن يمكن للمرء أن يستخلص أن الإجراءات التي اتخذتها إدارتنا من جانب واحد والتي تظهر الضعف الاقتصادي ليست هي الطريق الذي يجب أن نسلكه".
وقال دينيس وايلدر، سياسي في عهد جورج بوش، إنه يعتقد أيضا أن الولايات المتحدة أضاعت فرصة من خلال اتخاذ إجراء أحادي الجانب، مضيفا "كان هناك باب مفتوح مع الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية واليابان لاتخاذ إجراءات التعريفات للألومنيوم والصلب، ولكن كان من الخطأ على الولايات المتحدة أن تستند إلى مخاوفنا بشأن الأمن القومي ومن ثم تجعل حلفائنا هم الأهداف الأساسية، وبالتالي، أصبح من الصعب جدا على هذه الدول أن تفكر في اتخاذ إجراء مشترك ".
وأوضح وايلدر أنه يعتقد أن القيادة الصينية تفهم أن الإجراءات التجارية اتخذتها إدارة مرتبطة إلى حد كبير بالمخاوف السياسية الداخلية الأميركية، مضيفًا "لا تريد بكين إثارة غضب الولايات المتحدة ومن ثم اتخاذ مزيد من الإجراءات".
أرسل تعليقك