الدوحة ـ عبدالغني يحيى
لم يكن انسحاب جماعة الإخوان من الجبهات في 2014 وتسليمهم المحافظات الشمالية على طبق من ذهب للحوثيين حدثًا عابرًا ولا مسألة لا تحتاج إلى إعادة نظر، ولكن ما حدث كان أمرًا جللًا، سبقه تخطيط محكم من قبل دولة قطر أدى إلى وصول الحوثيين إلى صنعاء اليمنية من خلال وساطات متلاحقة وزيارات متتالية قامت بها القيادة القطرية “أمير البلاد السابق ورئيس حكومته”، وحين فضل الإخوان عدم المواجهة، وقالوا لليمنيين "واجهوا مصيركم المحتوم"، فلم يكونوا موجودين في صنعاء، بل خاطبوا اليمنيين من الدوحة وإسطنبول.
وعندما انطلقت عاصفة الحزم، كانت قطر قد أتقنت حساباتها فيما يخص تمكين أطرافها وأذرعها في صفوف الشرعية والانقلاب، وحيثما رجحت الكفة ستحمي الأطراف بعضها بعضًا وكون جميع الذين وقفوا مع الشرعية من اليمنيين كانوا صفر اليدين، استطاعت جماعة الإخوان بفضل الدعم القطري أن تكسب ولاءات خاصة، واستطاعت إيجاد بيئة خصبة للاستماع لها والإنصات لقراراتها، حتى أصبح الشرفاء يصلون إلى مناصبهم في الشرعية ويفاجأون بوجودهم في بيئة لا تسمح لهم بالتنفس، فلا الشرعية تملك إعلامًا ولا هي تملك إمكانات للتنقل والتحرك، وبالمقابل، يمتلك المنتمون للتيار الإخواني كل الإمكانات فإما تكون معهم أو تخرج خارج دائرة الشرعية، وهذا ما حدث فعلاً مع خالد بحاح ووزير الخارجية السابق.
النفوذ العميق للإخوان المدعومين من قبل قطر لم يحقق أهداف الجماعة في الداخل فقط، بل استطاع إقناع صانع القرار الغربي بالتمهل، وعدم التحرك سياسيًا ضد الحوثيين، وفي مايو/أيار 2016 صنفت الولايات المتحدة الأميركية محافظ محافظة البيضاء اليمنية المنتمي لجماعة الإخوان “نايف القيسي” إرهابيًا وداعمًا ووسيطًا لتعزيز نفوذ تنظيم القاعدة، أثناء قتال التحالف مع القاعدة في عدن آنذاك، ومع ذلك وضعت الجماعة ثقلها كله في سلة إرهابي ينتمي لها على حساب الشرعية، وهذا هو الشكل الذي أرادت قطر عبر جماعة الإخوان إيصاله للعالم عن الشرعية ليتم خذلانها أملًا في عدم التعاطي معها، وبالتالي حل الأزمة اليمنية من دون الشرعية ودون التحالف، لتصبح البلاد كعكة يتقاسمها “الإصلاح” و”الحوثيون”.
هذا السيناريو لم يقف، بل تكرر مرات عدة، كان آخرها في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2016 عندما وضعت الخزانة الأميركية “الحسن أبكر” على قائمة الإرهاب، وهو قيادي بارز في جماعة الإخوان في اليمن “حزب الإصلاح”، حيث اتهمته الولايات المتحدة بعلاقته مع تنظيم القاعدة، وعملت الجماعة بشكل مباشر على شجب واستنكار التصنيف الأميركي، وكانوا يصرحون من مناصبهم في الشرعية بطريقة متعمدة، ليقال إن الشرعية نفسها طالما دافعت عن الإرهاب والإرهابيين، فيما عملت قطر على بناء دولة عميقة داخل الدولة الشرعية في اليمن، فمنحت الإخوان في الحكومة الشرعية تسهيلات خاصة وخدمات كبيرة، بدءاً بقائد الجناح العسكري للإخوان في اليمن علي محسن الأحمر، ومرورًا بقيادات حزب الإصلاح اليمني، ومن ضمن ذلك الدعم، أنها منحت ما يزيد على 60 وحدة سكنية لعناصر حزب الإصلاح “إخوان اليمن” في مجمع آل ثاني المنطقة 51 في حي الغرافة في الدوحة، وذلك بعد زيارة علي محسن الأحمر إلى الدوحة في 29 يونيو/حزيران 2016.
الجدير بالذكر أن المستشار الشخصي لعلي محسن الأحمر المدعوم من قبل قطر تم وضعه على لائحة عقوبات الخزانة الأميركية في 19 أيار الماضي وفق ما ذكرت صحيفة واشنطن بوست، ويعد هذا المستشار شيخًا قبليًا بارزًا “خالد بن علي العرادة العبيدي”، ومعروف عنه أنه ذراع الإخواني الأحمر الذي يقود الجناح العسكري للإخوان المدعومين من قطر، كما يتمتع قيادات الإخوان في اليمن برعاية كاملة من قبل قطر، استطاعوا من خلالها أن يؤثروا على الحكومة الشرعية، وأن يصبح لهم النفوذ الأكبر فيها، فقيادات الحزب يمتلكون بيوتًا وإقامات مفتوحة ودائمة في قطر، مثل رعاية قطر للناطق الرسمي باسم الحكومة، والذي ينتمي لمعسكر الإخوان السياسي، حتى أنه تم التنسيق لمنحهم جوازات قطرية وتركية ليسهل تحركهم وعملهم مثل عبدالوهاب الانسي، مـحمد اليدومي، مـحمد ناصر الحزمي، هزاع المسوري، عبدالله صعتر، عبدالمجيد الزنداني، مدحج الأحمر، أحمد القميري، نصر طه مصطفى، وعبدالغني الشميري، بالإضافة إلى ذلك، فإن قطر استضافت ابن المدعو طارق الفضلي المرتبط بالقاعدة في أبين جنوب اليمن، والذي يعتبر صهرًا لعلي محسن الأحمر، وقد قتلت القوات الأميركية أحد أبنائه قبل نحو شهرين في غارة جوية في شبوة، فمثلاً “شيخان الدبعي” العنصر النشط في جماعة الإخوان دولياً يعيش في قطر، ويوفرون له إمكانات وخدمات بالمستوى نفسه المقدم لخالد مشعل “حماس”، ويعد الدبعي أحد أعمدة جماعة الإخوان في اليمن “حزب الإصلاح اليمني” كان والده يعيش في منطقة الخساف، ويمتلك مجلسًا ضخمًا يجمع فيه الناس، ويسمى “مقيل الدبعي”، وقد اتهم الرجل بضلوعه في إدارة العمليات الإرهابية والأنشطة الخارجية السياسية للتنظيم والمسؤول عن إدارة “التنظيم الخاص السري”، وهو الشبكة المسؤولة عن الإعداد وتنفيذ عمليات الاغتيال والتفجيراتـ أما شيخان عبدالرحمن الدبعي فهو الأمين العام المساعد لحزب الإصلاح والمسؤول عن الارتباطات السياسية للتنظيم في اليمن، ورغم أن شيخان يعتبر من الشخصيات غير المعروفة، إلا أنه يعد من أهم العناصر على الإطلاق، ويعمل وفق اطر سرية واستخباراتية دولية ضمن أجندات تنظيم الإخوان، بحسب ما تناقلته مصادر مطلعة.
وقد أورد “المساء برس” أن شيخان الدبعي الموجود في قطر، يتولى مهام التنسيق والترتيب للجناح السري الخاص للتنظيم، وهو المسؤول عن تحريك الخلايا وتدريبها في مأرب والبيضاء، وغيرها من المناطق اليمنية، ويتنقل بين عد دول في المنطقة، وهو المسؤول عن حضور الاجتماعات الدورية للتنظيم الدولي كان آخرها اجتماعات “لاهور” و”تركيا”، كما ويشرف في الفترة الأخيرة على إدارة استثمارات كبيرة للإخوان المسلمين مسجلة بأسماء رجال أعمال بارزين، منهم حميد الأحمر ونجيب غانم وأحمد العيسي ورجال أعمال آخرون عبر مكتبين رئيسين في تركيا وبريطانيا.
مالياً، في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2016 قامت السلطات الأميركية والسلطات الإماراتية بوضع شركة "العمي للصرافة" على قائمة الإرهاب، ومعها مالكيها الذين تبين حسب التقارير أنهم من ممولي الإرهاب، حيث كانت هذه الشركة تدير التحويلات المالية لجماعة الإخوان، وعبرها يتم نقل ملايين الدولارات من قطر والى دول أخرى، ورغم امتعاض حزب الإصلاح من ذلك، ووصفهم القرارات الأميركية بالتعسفية، إلا أنهم دافعوا عن أدواتهم في صناعة وتمويل الإرهاب، وبعد ذلك، استخدموا شركات مالية وهمية لتمويل عملياتهم وخططهم ومواقفهم، مثل شركتي "الصقر" و"المها" القطريتين المسؤولتين حاليًا عن تمويل عناصر الجماعة وعملياتها في معظم مناطق اليمن، بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه شركة الاتحاد للصرافة.
وعلى صعيد الإعلام، دعمت قطر الإعلام الموالي لجماعة الإخوان في اليمن، وربما لاحظنا كثافة الإعلام الإخواني الموجه طيلة فترة الحرب على عكس الأطراف الأخرى داخل الشرعية، تعمدت قطر أن يكون إعلام الجماعة أقوى من أي إعلام آخر، قوة إعلامية استطاعت اختزال المفهوم الإعلامي للشرعية داخلها، وتملك جماعة الإخوان في اليمن “حزب الإصلاح”، ما يزيد على 90 وسيلة إعلامية تبث من عواصم مختلفة، أولاها الدوحة مرورًا بالمدن التركية التي تحتضن أكثر من قناة وانتهاء بالداخل الذي عانى ولا يزال يعاني جراء الإعلام الإخواني الذي عمل على خلط الأمور باستمرار، وبما يحقق مصالح الجماعة العليا، كما تكفلت قطر برواتب الإعلاميين وتسهيل حركتهم ودعم سفرياتهم وجولاتهم المكوكية في أوروبا وبعض الدول الأخرى، ومثالًا لا حصرًا نرى قناة "بلقيس" التي هاجمت بعض دول التحالف أكثر من مهاجمتهما للحوثيين، هي المملوكة لتوكل كرمان القيادية البارزة في المجاعة، والتي تبث من قطر، بالإضافة إلى أن قطر لم تتوانَ عن دعم وتمويل قنوات الجماعة الرسمية، مثل سهيل التي تبث من تركيا.
ويعد إعلام جماعة الإخوان في اليمن هو الإعلام الأكثر خطرًا، فهو من يعادي جهود التحالف، وبالوقت نفسه يتستر بالولاء للشرعية ومباركة جهود قوات التحالف، وبصورة غير مباشرة، تعمدت قطر من خلال الإعلام الذي تموله في اليمن، تشويه دول التحالف، هذا الإعلام المتغلغل في رأس هرم الشرعية، والذي أصبح بكل وضوح يمثل الإعلام الرسمي للشرعية أو على الأقل يملك النفوذ الأكبر فيه عمل، بتخطيط قطري واضح، على التفريق بين دول التحالف من جهة وعلى تشويه ورفض الدور الإماراتي العظيم من خلال تحريض قواعدهم الشعبية ضد دور التحالف، ومن خلال ناشطيهم على مواقع التواصل الاجتماعي، يدسون السم في العسل، فنجدهم يدللون على صدق ما يقولونه من خلال نشر أخبار غير صحيحة عن دور إماراتي معادٍ للأمة في دول عربية وأجنبية، هذه المعلومات ليس لها مصادر وبطبيعة الحال فإن أنصارهم يتلقونها على أنها معلومات سرية استطاعت صحفهم الحصول عليها، وبالتالي فهي دليل كافٍ لرفض دور هذه الدولة التي بذلت الغالي والنفيس من أجل سلامة اليمنيين وسلامة أراضيهم، ولا غرابة، فهكذا هو جزاء الإحسان عند من لا يملك من القيم والمروءة إلا اسمها.
أرسل تعليقك