واشنطن - يوسف مكي
تحت عنوان "قطر تدفع ثمن ممارستها دورًا يفوق قدراتها"، كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية مقالاً تحليلياً يتناول تطورات العزلة التي تعاني منها الحكومة القطرية بفعل "سياساتها التخريبية والمزعزعة للاستقرار والداعمة للإرهاب". وقال كاتب المقال جوست هلترمان: إن "قطر سعت إلى استغلال عضلاتها المالية المستمدة من احتياطياتها الهائلة من الغاز لكي تحظى بمكانة دبلوماسية غير مستحقة بالقياس إلى حجمها". وأشار الكاتب، وهو مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، إلى أن السعودية التي ربطتها علاقات متأرجحة بقطر، طالما تسامحت مع السلوك المغرور للدوحة التي وصفها هلترمان بأنها كانت بالنسبة للرياض حليفاً مزعجاً جانحاً، ومراهقاً مزعجاً.
أما موقع "ذا ديلي بيست" الإخباري الأميركي، فقد اعتبر أن الاستثمارات القطرية في بريطانيا هي السبب وراء إحجام حكومة رئيسة الوزراء تيريزا ماي حتى الآن عن أن تحذو حذو الرئيس الأميركي دونالد ترامب في دعمه للدول المُقاطعة لحكومة الدوحة. ففي تحليلٍ حمل عنوان "مشكلة قطر التي تواجه المؤسسة الحاكمة في بريطانيا"، يقول الكاتب توم سايكس إنه لا يُتوقع أن تنضم حكومة ماي قريباً إلى موقف ترامب "الموافق بحماسة" على العزلة المفروضة حالياً على الحكومة القطرية، وذلك في ضوء عشق القطريين لإنفاق أموالهم في المملكة المتحدة أكثر من أي مكان آخر.
وينقل سايكس عن مدرب خيول ثري لم يكشف عن هويته قوله أفضل شيء بالنسبة للقطريين .. إنهم لا يعشقون سوى إنفاق المال، ولا يستطيعون التوقف عن ذلك. هم يريدون الإنفاق والإنفاق ثم الإنفاق . ويشير الكاتب إلى أن ترامب اتخذ موقفه الداعم للتدابير المُتخذة حيال الحكومة القطرية، رغم بيع إدارته مقاتلاتٍ للدوحة بقيمة 12 مليار دولار قبل أيام، وكذلك بالرغم من حقيقة تمركز أكثر من 10 آلاف جندي أميركي في قاعدة العديد العسكرية في قطر. ولكنه يقول إنه من المستبعد تماماً أن تمضي بريطانيا على هذا الطريق في موقف ليس مدفوعاً بأي ضرورات أخلاقية ملحة، وذلك في إشارة إلى أن له دوافع مادية محضة.
وحسب سايكس؛ فلطالما سعت النخبة في بريطانيا إلى أن تتدفق الأموال الأجنبية على البلاد. ويشير إلى أن ذلك كان غالباً ما يحدث في الأيام الخوالي عبر الاقتران بالوريثات الأميركيات الثريات. أما في السنوات الأخيرة فقد اختلف الأمر، وفقا للكاتب الذي يشير إلى أن النخبة البريطانية اتجهت على نحوٍ متزايد مؤخراً إلى الاستفادة من الثروات النفطية الكامنة في الشرق الأوسط عبر استغلال الهوايات والعادات المُكلفة لأبناء هذه المنطقة. ويعتبر أن النموذج الأكثر وضوحاً على النفوذ الأجنبي الذي جرى شراؤه بالمال في بريطانيا، هو ذاك الذي يتمثل في ما فعله الأثرياء القطريون في المؤسسة البريطانية. ويشير سايكس في هذا الصدد إلى أن القطريين هم أكبر ملاك العقارات في العاصمة البريطانية لندن، وبفارقٍ كبير عمن يلونهم في الترتيب، وهي عقارات تم شراؤها سواء عبر جهاز قطر للاستثمار، وهو صندوق ثروة سيادي تابع لقطر، أو من خلال شركات قابضة متنوعة مجهولة الهوية، أو بواسطة ثرواتٍ خاصة لأعضاء متنوعين من أسرة آل ثاني الثرية الحاكمة في الدوحة.
ويلفت المقال الانتباه إلى أن القطريين يمتلكون مساحاتٍ واسعة من عاصمة المملكة المتحدة، بما في ذلك متجر "هارودز" الذي يرتاده النخبة في المدينة بجانب مجمع "كاناري وارف"، الذي يشكل الحي التجاري الجديد في لندن. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن أثرياء قطر يمتلكون – كما يقول سايكس – موقع ثكنات قديمة للجيش البريطاني في منطقة تشيلسي الراقية في العاصمة، وكذلك القرية الأوليمبية في لندن، بجانب ناطحة السحاب الشهيرة "ذا شارد" التي تمثل أيقونة للمدينة. كما يرى الكاتب أن القطريين شقوا طريقهم بالمال إلى المجتمع البريطاني، ويشير في هذا الخصوص إلى شرائهم – مثلاً - لحق رعاية "سباق اسكوت" الملكي في بريطانيا.
من جانبها، حذرت صحيفة "ذا هاميلتون سبيكتاتور" الكندية من أن أزمة قطر قد تتفاقم. وتشير إلى أن من بين العوامل التي تزيد من تعقيدها القاعدة العسكرية التركية الموجودة على الأراضي القطرية. وفي زاوية الرأي في الصحيفة، أشار الكاتب جوين داير إلى الاتفاقية التي أُبرمت بين الدوحة وأنقرة قبل عامين، والتي سمحت بمرابطة نحو 100 جندي تركي في قاعدة في قطر، وهي القاعدة التي يشير الكاتب إلى أنها باتت الآن مهيأة لاستقبال ما يصل إلى خمسة آلاف من الجنود الأتراك، بعدما وافق البرلمان التركي على إرسال قوات إلى الأراضي القطرية بعد اندلاع الأزمة الأخيرة.
ويتساءل داير في مقاله عما إذا كان إرسال قوات تركية إلى قطر يعني أن أنقرة ستخوض حرباً ضد الرياض في نهاية المطاف؟ ورغم أنه يجيب على نفسه بالقول إن ذلك قد يبدو احتمالاً خيالياً للغاية، فإنه يستدرك بالإشارة إلى أن الأمور باتت ذات طابع معقد وعنيف للغاية في الشرق الأوسط. ولا يغفل داير هنا الإشارة إلى توافق قطر وتركيا في دعم الجماعات المتطرفة نفسها في سوريا، إذ يؤكد أن البلدين أغدقا الأموال والأسلحة على تنظيماتٍ تعتبرها الولايات المتحدة والسعودية جماعات إرهابية مثل تنظيم "داعش" الإرهابي، و"جبهة النصرة" جناح تنظيم "القاعدة" في سورية والتي غيرت اسمها منذ شهور إلى "جبهة فتح الشام".
أرسل تعليقك