دبي ـ سعيد المهيري
من الصعب على أي دارس أن يحيط بالإنتاج الشعري الغزير النوعي الذي أنجزه ولا يزال حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. وتتأتى هذه الصعوبة من التحولات الكبرى في جسد القصيدة عنده ، فهو يتنقل من الوطنية إلى قصيدة الغزل العفيف العميق، التي نلحظ بعض تأثيراتها في قصيدته الجديدة "الرسام" التي نشرها على حسابه في موقع "انستغرام"، والتي يمكن أن نصفها بـ"قصيدة التفاصيل"، التي شكلت تياراً شعرياً واسعاً في القصيدة العربية في الوقت الراهن.
في القصيدة الجديدة للشيخ محمد بن راشد، نلاحظ جمال وروعة الاستهلال، وهو أجود ما قيل في شعر الغزل، بما يحمله من إحساس صادق وشعور فياض:
أجمعت ألوانها تمحي وترسم
ويصبح الواقع بريشتها خيال
ومثل هذه المعاني المتأججة في صور فنية مزدوجة المعنى في نعومة مفرداتها وحسن صياغتها ونبرتها الشعرية الرومانسية ونبل غرضها، وهي سمات تتسم بها التجربة الشعرية لسموه، وتنعكس في معظم نتاجاته الشعرية، التي تجسد اعتزازه بوطنه والفروسية وأجوائها من قيم الشجاعة والإقدام.
يتجلى هذا الإبداع الشعري في قصيدة "الرسام" عبر صور شعرية مبتكرة، وإيقاعات غنية تتخذ من المفارقة سبيلاً إلى تأكيد أهمية الموضوع الذي أقيمت عليه القصيدة بالكامل ،متدرجاً في القول بسرديات غاية في الجمال:
وهي عندي غيب بالفتنة ملثم
أجمل أهل الأرض في زين وجمال
إن أجمل ما يقدمه الشيخ محمد بن راشد من خلال هذين البيتين، حداثة شعرية وعذوبة خيال في فضاء شعري يتسع للتأويلات الجمالية المتعددة. وفي تقديري أن قصيدة "الرسام" تعد واحدة من القصائد الكبرى التي كتبها سموه، حيث نجد فيها تطويراً في بناء ونسج رمزية القصيدة التي توحد مستويات النص المتعددة من اللغة والصور الفنية ومزدوجات النص في مستوى المروي عنه صورة وشكلاً، وهو ما يبدو جلياً في قول سموه:
تنظر ف وجهي وأنا الصاحي وأحلم
وين يا حظي أنادي لك تعال
وإذا كان الشيخ محمد بن راشد قد بدا لنا مؤثراً في قصيدته من الاستهلال إلى البيت السادس في إعادة موضعة التقابل في البناء الشعري، فإنه في الواقع أوجد خصيصة أخرى تتمثل في الاختزال وتبسيط القول ، والتخفف من الاستعارات والتعبيرات البلاغية السائدة، كقول سموه:
هيه ترسمني ملامح واتكلم
وانا أرسمها بأشعاري محال
لونت قدامي بخافي ومعتم
وارسمت فوقي من أشواقي ظلال
القصيدة عند الشيخ محمد بن راشد قطعة ملهمة، يشيع فيها الإحساس الوطني والجمالي من خلال تعبيرات السهل الممتنع، فمن التمهيد الذي افتتحت به القصيدة الجديدة، ثم تلك الخاتمة الرائعة في وحدة موضوعية تجعل شعور الإقبال على الحياة لدى القارئ هو المسافة الحقيقية بينه وبين التعبير الشعري، وختم الشاعر بقوله:
وافترقنا وعاشت بقلبي المتيم
لوحة حية أسميها خيال
هنا قصد سموه برؤية شعرية مستشرفة أن يدرك القارئ وعلى مهل المعنى الضمني الذي تنطوي عليه قصيدة "الرسام" من معان تفتح أمامنا فضاء ونوافذ كي نصل إلى سقف الحلم والجمال في شعرية نصية استفادت بذكاء عال من تقنيات السرد وبلاغته. إنها قصيدة ذات بناء مدهش، تحمل إحساساً عالياً، وتأخذ مكانها اللائق بها في جملة الإبداعات الشعرية للشيخ محمد بن راشد حاكم دبي.
وفي ما يلي بعض أبيات قصيدة "الرسام":
أجــمـعـت ألــوانـهـا تــمـحـي وتــرســم
ويــصـبـح الــواقــع بـريـشـتـها خــيـال
وهــــي عــنـدي غــيـب بـالـفـتنه مـلـثـم
اجـمـل أهــل الأرض فـي زيـن وجـمال
تـنظر ف وجـهي وانـا الصاحي وأحلم
ويـــن يـــا حــظـي أنـــادي لــك تـعـال
هـــيــه تــرسـمـنـي مـــلامــح واتــكــلـم
وانــــا أرســمـهـا بــأشـعـاري مــحــال
لـــونــت قـــدامــي بــخــافـي ومــعــتـم
وارسـمـت فـوقـي مــن أشـواقي ظـلال
وافـتـرقـنـا وعــاشــت بـقـلـبـي الـمـتـيـم
لــــوحـــة حـــيـــه أســمــيـهـا خـــيـــال
أرسل تعليقك