تلعب مجالس الأحياء الإماراتية دورا مهما في توطيد العلاقات الاجتماعية ما بين السكان، إضافة إلى ربط الجيل الجديد بجيل الآباء والأجداد عبر المناقشات والحوارات البناءة، كما تسهم في إيجاد الحلول عبر استضافة مسؤولي الجهات الحكومية، والوعاظ، والعلماء، وهو ما يؤدي إلى غرس القيم الإيجابية والخصال الحميدة في المجتمع.
ويرى مواطنون أنه من المهم تعميم تجربة مجالس الأحياء والضواحي لتشمل كل إمارات الدولة، خاصة مع الدور المتنامي لوسائل التواصل الاجتماعي، وتأثيرها السلبي على الناشئة، ووجود الفجوة ما بين الأجيال المختلفة، وقلة الوعي بأخلاقيات الحوار، وتبادل الآراء، والنقد البناء.
وأكد مواطنون أن المجالس تسهم في تبادل الأحاديث بشأن شؤون الحياة الاجتماعية، والعمل على تعزيز روح التسامح، والمحبة، والأخوة بين سكان المنطقة، لافتين إلى دورها في تربية الأجيال على المبادئ، والأخلاق الحميدة خاصة من قبل أصحاب الخبرة والحكمة.
وفي البداية قال راشد الحمودي: "مبادرة مجالس الضواحي الموجودة في إمارة الشارقة، تلعب دورا أساسيا يزيد أحيانا على دور بعض الدوائر الحكومية من خلال تقديم هذه المجالس للخدمات الاجتماعية المختلفة، وتواصل القائمين على المجالس بالشباب من الأحياء، وهذا الارتباط يسهم في التأثير الإيجابي عليهم، بما ينعكس على صورة الأحياء السكنية".
وأضاف: "تقوم بعض المجالس بالتكفل بأعراس أبناء المنطقة، إضافة إلى أنها تعد مكانا رئيسا لتلقي العزاء، كما تقام فيها الأنشطة المجتمعية المختلفة في مختلف شهور السنة تثقيفاً للشباب، ولترسيخ عدد من القيم، والمفاهيم المهمة، ولتزيد من ارتباط الأهالي ببعضهم".
وأشار الحمودي إلى أهمية الندوات التي يستضاف خلالها علماء من الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، لما لهذه الندوات من دور في توضيح سماحة الدين الإسلامي، وما يحتويه ديننا من دعوة للتعايش، وتقبل الآخر، كما أنها تعرف الحاضرين بالقصص الإسلامية الداعية للأخلاق الحميدة، وهو أمر نحتاجه مع بروز وسائل التواصل الاجتماعي، ووجود بعض البرامج الخالية من الأهداف، ولفت إلى أن استضافة المجالس لعدد من المحاضرين، أدى إلى وجود نشاط في الأحياء للمسارعة لاستضافة المسؤولين، إضافة إلى وجود الحراك الثقافي التنافسي ما بين الأحياء على تقديم الفائدة العلمية، ووضع البرامج المساهمة في ذلك، مشددا على أهمية تعميم الفكرة بحيث تشمل كافة إمارات الدولة.
من جهته، أكد علي الضنحاني أن مجالس الضواحي تلعب دورا رئيسيا في ترسيخ أواصر العلاقات الاجتماعية ما بين سكان الحي الواحد، كما تسهم في التواصل والتعارف، وهو ما يؤدي إلى تقوية الروابط الاجتماعية، وهو أمر نحتاجه خاصة في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي أدت إلى قطع الكثير من العلاقات، وقلة في التواصل، إضافة إلى الانعزال الاجتماعي.
وأضاف: "المجالس تعيدنا إلى موروث الآباء، والأجداد، حينما كان الجميع يتواجد ويتناقش في شتى المواضيع، بما يشبه الحوار الثقافي، الذي تعلم خلاله أبناؤنا مفاهيم منها تقبل رأي الآخر، والاستفادة من مختلف الخبرات، ومعرفة زوايا مغايرة للرأي الواحد، وهو ما لا نشاهده في وسائل التواصل الحديث التي تمتلئ بالمشاحنات والتعصب".
ولفت الضنحاني إلى أن حل مواجهة العوامل السلبية لوسائل التواصل يكمن في تشجيع الشباب القادرين على الخطابة، والتحدث أمام الجمهور، وإبراز أصحاب المواهب، وتسليط الضوء عليهم من خلال استضافتهم، والتواصل معهم عبر المجالس، ليكونوا قدوة لغيرهم من هذا الجيل، وحائط صد يقف أمام بعض السلوكيات السلبية من مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال عبدالعزيز النقبي: "مجالس الأحياء لها دور رئيس اليوم في تنمية خصال إيجابية منها الحوار الجاد، والنقاش البناء، والشعور بحس المسؤولية المجتمعية تجاه قضايا الأحياء، إضافة إلى أنها تشجع صغار السن على المبادرة، وطرح الأفكار وتنمي فيهم روح المشاركة الإيجابية في بناء مجتمع متجانس محافظ على مكتسباته عبر معالجة بعض الظواهر، والحديث عما يهم السكان".
وأضاف: "تحتاج المجالس إلى منابر إعلامية تسلط الضوء على المتحدثين بها، ومن المهم أن تشارك وسائل الإعلام بشتى أنواعها في رعاية هذه المجالس، وتقديمها للجمهور، بحيث لا تقتصر الفائدة فقط على سكان الحي، بل تشمل المشاهدين، والقراء، كما يمكن للإعلام أن يكون حلقة الوصل في التنسيق بين القائمين على المجالس المحلية، ومسؤولي الدوائر".
وأشار النقبي إلى أن الدور المتزايد للمجالس يؤكد الرغبة الكبيرة لدى الشباب لتلقي العلوم من المحاضرين، ومعرفة القضايا الراهنة، داعيا الجهات الحكومية لاستثمار هذه المحاضرات في قياس نسب الرضا على الخدمات، والمعاملات، إضافة إلى تنظيم الحملات الإعلامية عبرها، واستثمار هذا الاهتمام في تعزيز السلوكيات الإيجابية.
من ناحيته، أشاد علي المهري بما تقدمه المجالس من دور في تنمية الفكر، واستعراض المنجزات، والتعريف بالخدمات، لتصبح منصة من المنصات التي تربط ما بين المواطن من جهة، والدوائر المحلية من جهة أخرى، وتسهم في الإجابة عن الكثير من الأسئلة.
وأضاف: "في السابق كنا بحاجة إلى الذهاب للجهات الحكومية، ومقارها للإجابة عن الأسئلة حول خدمة بعينها، أو التواصل مع وسائل الإعلام للتعبير عن ملاحظة أو شكوى، لكن هذه المجالس أوفت باحتياجات المواطن من حيث المعرفة بأسلوب عمل فرق الجهات، وأدت لتنمية علاقة التكامل التي تجمع الطرفين، فالمواطن شريك رئيس في عملية التنمية الوطنية، وهذه الشراكة تفتح المجال لتلقي الملاحظات، وتوجيهها عبر المجالس".
وأوضح المهري أن قالب الحوار المتبادل ما بين السكان، ومسؤولي الجهات مباشرة، شكل من أشكال الشورى الذي تتميز به دولة الإمارات، فمن خلال هذه المجالس يتم الخروج بعدد من الخلاصات والتوصيات حول بعض الملاحظات، والعمل على حلها الفوري، بما ينعكس إيجابا على السكان، وفي هذا تسريع لآليات عمل هذه الجهات، وينمي آلية التواصل المباشر بينهم.
ولفت إلى أن حضوره أحد المجالس أسهم في معرفته لمحتوى أحد الكتب الثرية، والغنية بالمعلومات التاريخية، وهو أمر لم يكن سيحدث لولا وجود المؤلف، وبالتالي أصبحت المجالس أيضا منصة لعرض المؤلفات وآخر الإصدارات والأحداث، وفرصة لكل من يبحث عن التسويق، أو إيصال مشروعه بدون دفع مقابل مادي للإعلان.
من جهته، يرى محمد القايدي أن أهمية هذه المجالس تكمن في نوعية الحضور والشخصيات، التي بإمكانها أن تصل بصوت السكان إلى القائمين على الجهات، كما أنها تعزز مستويات التوعية الاجتماعية بالعديد من المواضيع ذات العلاقة بالصحة، أو السلامة المرورية، أو آخر المشاريع التي تعمل عليها الجهات في الوقت الحال، كما أن تنوع الخبرات يزيد من المخزون المعرفي لدى الحاضرين، مما يؤدي إلى رفد المجالس بالمعلومات القيمة، والسلوكيات الطيبة.
وأضاف: "أحيانا يسبب انشغال البعض في أعمالهم عدم تلقيهم للمعلومة من وسائل الإعلام، أو عدم الإجابة بشأن نقطة معينة تهم السكان، وبالتالي تكون المجالس فرصة لبحث المنجزات السابقة التي تمت في المناطق، وفرصة من جهة أخرى لبحث الرؤى المستقبلية، واستراتيجية المسؤولين في التعامل مع المتغيرات، ومنها الزيادة السكانية في الأحياء السكانية، وقضايا الطرق، والبيئة وغيرها".
وأوضح أن الأسلوب المبسط في الحوار ما بين مسؤولي الجهات، والمواطنين يسهم في تعريفهم بالخدمات، وطرق استخدامها، فأسلوب الخطاب الإعلامي المتكلف في المفردات أحيانا يؤدي إلى حدوث سوء فهم، أو عدم توضيح آلية معينة للاستخدام، فيكون التواصل المجتمعي بالمجالس هو الحل الأفضل، كما أن اتساع وقت الحوار في المجالس يفتح الفرصة لتلقي كافة الملاحظات، ومناقشة المواضيع باختلاف اتساعها.
وقال حمدان القحطاني: "تسهم المجالس المحلية في تناقل الخبرات المختلفة ما بين الحضور، ومشاركة التجارب بما يسهم إيجابا في تعزيز المعرفة العامة بعدد من المواضيع"، لافتا إلى أهمية تخصيص جدول زمني محدد للمجالس يتم خلاله استضافة المسؤولين.
وأضاف: "عدم دورية المحاضرات في مجالس الأحياء يعد أحد التحديات الرئيسة التي تواجه المجالس، فبعض المجالس تنظم المحاضرات بشكل أسبوعي، وبعضها الآخر شهريا، وبالتالي إيجاد الروزنامة الكفيلة بتحديد المحاضرات، واهتمامات الأهالي سيسهم في الآلية المنظمة لعمل المجالس".
ودعا القائمين على المجالس بضرورة تنوع استخدام مختلف وسائل الإعلام لتصل الفائدة لأكبر عدد ممكن من الحضور، وأن يتم نقل اللقاءات مع المسؤولين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى تعزيز الجانب الرياضي في هذه المجالس، والتوسع فيه من خلال الصالات الرياضية المجانية، والأنشطة الرياضية التنافسية التي تسهم في توجيه طاقات الشباب بشكل إيجابي.
واقترح القحطاني أن تشارك الجهات الإنسانية في المجالس بتخصيص منافذ للتبرع تمكن الزوار من المشاركة في الأعمال الخيرية، والتعريف بجهود هذه الجهات، ومبادراتها المستمرة، لما لذلك من دور في غرس القيم الإنسانية النبيلة، وتعزيزها في نفوس الزوار.
من ناحيته، أشاد علي حسن آل بشر بدور المجالس في التسهيل على الراغبين في الزواج، فعدد من المجالس كمجلس البطين، ومجلس المشرف في أبوظبي تحتضن بشكل دوري الأعراس الجماعية لأهالي المنطقة، وهذا مطلوب مع غلاء المهور وارتفاع الأسعار، فهذه المجالس ترسخ مفهوم التكافل الاجتماعي، وهو ما نحتاجه.
وأطلقت بلدية أبوظبي خلال وقت سابق مبادرة مجالس الأحياء السكنية، ويسعى النظام البلدي من خلال هذه الزيارات إلى رفع مستوى الشراكة المجتمعية الهادفة، ومد جسور التواصل مع المواطنين والاستماع إلى آرائهم، ومقترحاتهم وذلك بهدف تحسين جودة الحياة ورفع مستوى الخدمات على الصعد كافة، وإشراك المجتمع للوصول إلى المتطلبات الأساسية للسكان للارتقاء بمستوى المعيشة بشكل مستمر، وتوفير كل سبل الحياة الرغيدة.
وأشارت بلدية مدينة أبوظبي إلى أن المبادرة تهدف للاستماع إلى اقتراحات السكان، ومتطلباتهم، واحتياجاتهم، وتوعية السكان، وغرس قيم المحافظة على المظهر العام للمدينة، والابتعاد عن السلوكيات غير البناءة مثل إتلاف المرافق، والممتلكات، وتشجيع أفراد العائلات على المشاركة المجتمعية، وتعزيز الأدوار المجتمعية لهم، وأهمية زرع هذه القيمة في نفوس الأبناء، وذلك من خلال تنظيم عدد من اللقاءات وحضور المجالس في الأحياء السكنية، وتنظيم ورش العمل المتخصصة.
من جانبها، تعمل هيئة تنمية المجتمع في دبي على تفعيل دور مجالس الأحياء المقامة حاليا في عدد من الأحياء السكنية بدبي، والاستفادة منها لتحقيق التواصل المباشر مع الأهالي، والتعرف على آرائهم، والاستماع إلى ملاحظاتهم، ومطالبهم وإيجاد حلول لمشكلاتهم من خلال الهيئة وبالتنسيق مع الجهات الرسمية المعنية.
وتستفيد هيئة تنمية المجتمع من هذه المراكز في نشر الوعي وتثقيف أبناء المجتمع من خلال تنظيم محاضرات وجلسات دورية بهدف تحقيق أهداف التنمية وتعزيز الهوية الوطنية، وتحقيق التواصل بين أبناء الأحياء بمختلف أجيالهم.
وتتميز إمارة أبوظبي بوجود عدد متنوع من المجالس تنظم مختلف الفعاليات الثقافية، والدينية حول المواضيع ذات الفائدة المجتمعية، ويؤكد القائمون على هذه المجالس على أهميتها في مد جسور التواصل بين أبناء الحي وإقامة الفعاليات المتنوعة فيها من محاضرات ولقاءات تناقش أهم القضايا الاجتماعية التي تواجه أبناء الحي، وآليات حلها، حفاظاً على النسيج الاجتماعي بين كل أفراد المجتمع، داعين أبناء الإمارة إلى الحرص على التردد على المجالس التي يتم إنشاؤها في المناطق، لدورها في إحياء الموروث الشعبي، وترسيخ العادات والتقاليد، والمآثر النبيلة، والعظيمة للآباء، والأجداد في التعاون، والتكاتف بين أبناء المنطقة الواحدة.
أكد خالد عبدالرحمن أن المجالس لها دور فعال في تعميق أسس التلاحم والتواصل بين أبناء المناطق، مشيرا إلى أن ذلك يظهر جلياً في الحلقات التي تنظمها المجالس، مثل مجلس البطين بالتعاون مع المؤسسات الحكومية لتوعية، وشرح البرامج والمشاريع والخطط التي ترنو لها الحكومة الرشيدة، بالإضافة إلى أخذ مقترحات وآراء والنظر في احتياجات الأهالي.
جاء قرار إنشاء مجالس الأحياء، بناء على توجيهات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومتابعة الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة بهدف التواصل بين أبناء الحي، وإقامة الفعاليات المتنوعة فيها من محاضرات وإقامة حفلات الزواج والحفاظ على المجالس لدورها وأهميتها في المجتمع.
وذلك من خلال حرص القيادة الرشيدة في تخفيف الأعباء عن المواطنين، وتشجيعهم على التواصل المستمر من خلال هذه المجالس في الأحياء والمناطق في المناسبات وفي الأعياد، والحفاظ على موروث المجالس وتشجيع أبناء الوطن على التردد عليها، بما في ذلك الأطفال للتعرف إلى العادات والتقاليد ونقلها للأجيال المتلاحقة.
أرسل تعليقك