فتح موقف الاتحاد الأوروبي من الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة التي شهدتها تركيا الأحد الماضي، الباب أمام تساؤلات كثيرة بشأن العديد من الملفات التي يتعين على الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته الجديدة التعامل معها، لاسيما بالنسبة للسياسة الخارجية.
حالة جمود تام
واعتبر الاتحاد الأوروبي أن مفاوضات انضمام تركيا إلى صفوفه أصبحت في "حالة جمود تام" بعد إعلان نتائج الانتخابات التركية التي فاز بها أردوغان وحزبه، وأشار الاتحاد إلى أن أنقرة تبتعد أكثر فأكثر عن مبادئه وأن الاحتمالات ضئيلة للغاية بحدوث تغيير في هذا الوضع في المستقبل القريب، وقال وزراء الشؤون الأوروبية بدول الاتحاد الأوروبي في بيان عقب اجتماع لهم في لوكسمبورغ، أول من أمس، إن "مجلس الشؤون العامة للاتحاد يشير إلى أن تركيا تبتعد أكثر فأكثر عن الاتحاد الأوروبي، وإن مفاوضات انضمام تركيا وصلت فعليا إلى نقطة الجمود".
وردًا على البيان، وصفت أنقرة موقف الاتحاد الأوروبي بأنه يشكّل "نفاقا وعدم اتزان"، وقالت الخارجية التركية في بيان أمس (الأربعاء) إن القرارات التي اتخذها مجلس الشؤون العامة للاتحاد لا تمت إلى العدالة بصلة، إن تركيا لن تقبل أبدا بفرض شروط وإملاءات جديدة على مفاوضات انضمامها إلى عضوية الاتحاد، واعتبرت أن طرح شروط جديدة لتحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي بين أنقرة والاتحاد الأوروبي "لا يمكن فهمه مطلقا".
وتطبّق اتفاقية الاتحاد الجمركي الموقعة عام 1996 على المنتجات الصناعية حاليا دون المنتجات الزراعية التقليدية، وفي حال تم تحديث الاتفاقية، فإنها ستشمل المنتجات الزراعية والخدمية والصناعية وقطاع المشتريات العامة، وستحول دون تضرر تركيا من اتفاقات التجارة الحرة التي يبرمها الاتحاد الأوروبي مع الدول الأخرى.
تركيا في مرحلة صعبه
وفي نفس السياق علّق مجموعة من الخبراء والمحللين بشأن التوجهات التي يمكن أن تتبناها الحكومة الجديدة التي سيشكلها أردوغان فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وفي المقدمة منها المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي.
وتوقع الدكتور فاروق شان رئيس المركز التركي الأوروبي للدراسات، أن تواجه تركيا مرحلة صعبة، لاسيما فيما يتعلق بتشويه ملفات السياسة الخارجية، لافتا إلى أن العلاقات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي تزداد سوءا ولاسيما أيضا مع النمسا التي ستتولى رئاسة الدورة الجديدة للاتحاد اعتبارا من أول يوليو (تموز) المقبل، كما رأى أنه على تركيا أن تلتزم توجها بناء تجاه الاتحاد الأوروبي وأن تعمل من أجل تحسين علاقاتها مع دوله المؤثرة وفي مقدمتها ألمانيا التي تستأثر بنسبة 39 في المائة من اقتصاد الاتحاد، بالإضافة إلى فرنسا وإيطاليا.
سياسة "انتظر وراقب"
من جانبه، اعتبر الكاتب المتخصص في الشؤون الخارجية ساركان دميرتاش أن الاتحاد الأوروبي سيتبع سياسة "انتظر وراقب" تجاه تركيا في المرحلة المقبلة، لافتا إلى أن أول رد فعل من الاتحاد الأوروبي على نتائج الانتخابات التركية جاء من المفوض الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، ومفوّض شؤون التوسعة يوهانس هان في بيان مشترك، لم يشر إلى نتائج الانتخابات ولم يتضمن أي إشارة إلى تهنئة أردوغان، وأشار بدلا عن ذلك إلى التقييم المبدئي لمراقبي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الذي سلط الضوء على القيود المفروضة على حرية التجمع والتعبير، بما في ذلك في وسائل الإعلام، في ظل حالة الطوارئ المفروضة في البلاد.
وقال دميرتاش إنه ليس سرا أن الاتحاد الأوروبي يجد النظام الرئاسي الجديد في تركيا غير ديمقراطي ويعرب عن مخاوفه من أن يؤدي إلى حكم الفرد، ولهذا السبب لا تقوم بروكسل ولا الدول الأوروبية البارزة بتقييم هذه الحقبة الجديدة في تركيا باعتبارها بداية لفصل جديد في العلاقات مع أنقرة.
وأضاف أنه من المُرجّح أن يتبنى الاتحاد الأوروبي سياسة "انتظر وراقب" بشأن تركيا في الأشهر المقبلة لمعرفة الإجراءات التي ستتخذها الحكومة الجديدة لتصحيح أوجه القصور في الديمقراطية وسيادة القانون، لافتا إلى أن تصريحات أردوغان بشأن النظر في رفع الطوارئ عقب الانتخابات تعد رسالة إيجابية، لكن بالنسبة للكثير من الدبلوماسيين الأوروبيين ينبغي دعمها بإجراءات ملموسة مثل إطلاق سراح المعارضين المعتقلين وتوسيع نطاق الحريات.
ولفت دميرتاش إلى أن الاتحاد الأوروبي يعتقد أن تركيا هي التي ابتعدت عنه وبالتالي يجب أن تكون تركيا هي الدولة التي تتخذ الخطوة الأولى لتحقيق مصالحة محتملة، وبخلاف ذلك من المستبعد أن يتم استئناف مفاوضات الانضمام، ومن وجهة نظر الاتحاد فإن الكرة في ملعب تركيا إذا كانت تريد إعادة إطلاق عملية الانضمام، وهذا لا يمكن أن يتم إلا من خلال برنامج إصلاح ديمقراطي ملموس.
استمرار العداء
وطرح رئيس تحرير النسخة الإنجليزية من صحيفة "حريت" التركية اليومية مراد يتكين، عددا من الأسئلة بشأن ما إذا كان عداء تركيا مع حلفائها الغربيين، وبخاصة داخل حلف الناتو ومع الاتحاد الأوروبي سيستمر؟ وهل ستتخذ تركيا خطوات لتعزيز نوعية الديمقراطية، أم تواصل الانحدار بسبب حالة الطوارئ التي فرضت في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016؟ وهل سيؤدي شراء الصواريخ الروسية (إس - 400) إلى مشاكل أكثر خطورة في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة؟ قائلا إن هذه من بين أكثر الأسئلة التي تطرح فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، والتي من المرجح أن تكون على جدول أعمال أردوغان في المرحلة الجديدة.
ورأى أنه إذا قرر أردوغان أن يترك الخلافات وراءه وأن يبحث عن سياسات أكثر شمولًا في جميع المجالات، من الاقتصاد إلى السياسة الخارجية، ومن البرلمان إلى الشارع، فإن تلك الخطوات ستساعد على تحقيق أفضل السيناريوهات. ما قد يعني ذلك علاقات أفضل مع الاتحاد الأوروبي والحلفاء الغربيين، فبينما يحاول حماية المصالح الوطنية وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد والإصلاحات القضائية عليه أن يعمل على ضمان مزيد من الاستقلالية للمحاكم وإدخال تعديلات على قانون مكافحة الإرهاب وعلاقته بحالة الطوارئ، واتخاذ تدابير ذكية ضد الإرهاب، وضمان حرية التعبير والإعلام، وبعكس ذلك سيكون السيناريو الأسوأ هو المطروح.
وفي ملف آخر، لا يقل أهمية عن ملف العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وهو العلاقات مع الولايات المتحدة رأى الدكتور فاروق شان أن إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة لن يكون سهلا بسبب ملفات تسليم الداعية فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب التي وقعت في 15 يوليو (تموز) 2016، وملف محاكمة القس الأميركي أنردو برونسون في تركيا بتهمة دعم الإرهاب والمحاولة الانقلابية، فضلا عن صفقة صواريخ إس 400 مع روسيا، معتبرا أن النظام القضائي يقف عقبة قوية بالنسبة لملف تسليم غولن لمطالبته تركيا بتقديم أدلة قاطعة على تورط غولن في محاولة الانقلاب.
وأشار في هذا الصدد إلى أن تركيا مضطرة بسبب التوتر مع واشنطن إلى أن تبذل الكثير من الجهود من أجل الحصول على أسلحة دفعت ثمنها مقدما، في إشارة إلى مقاتلات "إف - 35" التي يرفض الكونغرس تسليمها لتركيا بسبب صفقة الصواريخ الروسية وملف القس الأميركي برونسون، واعتبر أنه إذا أرادت تركيا أن تواصل انفتاحها على روسيا والصين فإن ذلك يجب أن يكون من منظور تحقيق أكبر استفادة اقتصادية من وراء التوجه شرقا لتنويع دوائر مصالحها.
أرسل تعليقك