تطرقت الجلسة الرابعة من جلسات المنتدى الاستراتيجي العربي إلى استشراف المستقبل السياسي للعالم العربي، واستضافت الجلسة رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الأمير تركي الفيصل، والبروفسور أستاذ العلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية في باريس غسان سلامة.
وذكّر الأمير تركي الفيصل بتعليق لوزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل والذي تطرق قبل وفاته إلى وضع العالم العربي ووصفه بأنه يشبه حالته الصحية، يحتاج إلى علاج في إشارة منه إلى تداعي هذا الوضع.
وأوضح أن التغيرات السياسية كبيرة ومن أهمها التدخل الروسي والذي توقع بأن يستمر في العام المقبل، وأضاف: "رغم تأكيد المسؤولين في سورية على ذلك، نرى أنه سيزيد تعقيد المشكلة ولا يسهم في حلها فالوضع سيستمر في تأزمه".
وتابع: "التطرف يشملنا جميعًا ودول العالم كلها مسؤولة عن وضع حد لهذا الأمر، ولكن الطريقة المتبعة في الغرب والآن في روسيا تتمثل بعلاج أعراض التطرف وليس مسبباته فمشكلة العراق وسورية موجودة في العواصم نفسها وهو ما أدى إلى نشوء داعش وغيرها وتمركزها ونشرها لوبائها علينا كلنا، فالقصف الجوي لن ينهي الأزمة، وأتمنى أن نسعى في العام المقبل إلى إصلاح الوضع في الدول المتداعية".
وأردف: "دول التحالف تقوم بواجبها تجاه إخوانها المظلومين في اليمن في وجه ما قامت به ميليشيات الحوثي وعلي عبد الله صالح من لصوصية في الاستيلاء على الدولة اليمنية وحقوق اليمنيين وستعمل عاصفة الحزم على إعادة الوضع إلى ما يجب أن يكون عليه".
وحول العراق قال الفيصل: "العراق لا يزال يعاني من تبعات تصرفات القيادات المتتالية بعد الغزو الأميركي الذي تسبب بتدمير البنية الأساسية للدولة وساهم فيما يشهده العراق من تفكك وتشرذم وحرب أهلية، وكذلك تصرفات حكومة المالكي التي استبعدت السنة العرب، حكومة عبادي أعلنت برنامجًا لتصحيح الوضع ونرجو لها التوفيق، وعلى أرض الواقع فإن الشيء الإيجابي هو الهبة الشعبية ضد الحكومة وفي العام المقبل سيكون أثرها واضح وستعيد مسار الحكومة العراقية كي تستوعب الجميع ليس فقط في مكافحة التطرف إنما في إنماء العراق ونرجو أن نسترجع العراق العربي الحر المسلم الذي يكون رصيدًا لنا بدل أن يكون عبئًا".
واستطرد: "عام 2016 سيشهد تعنتًا أكثر من قبل إيران بدلًا من التوافق مع جيرانها ودول العالم"، وأكد أنه يختلف مع القول أن لا بديل للاتفاق النووي سوى الحرب فلو أن الدول الخمس زائد واحد التي فاوضت إيران شملت دول المنطقة في المفاوضات بهدف التوصل إلى اتفاق يتبنى حظر أسلحة الدمار الشامل في المنطقة بأكملها لكانت البديل الأمثل واللبنة الأولى لاتفاقيات أكثر ثباتًا، وأكد على ضرورة أن يتناول أي اتفاق مسألة نزع أسلحة الدمار الشامل في المنطقة.
وأكد الفيصل أنه يجب على المنطقة بناء قدراتها في المجال النووي كي تكون قادرة على مواجهة ما سيحصل عند انتهاء مدة الاتفاقية بعد عشرة أعوام أو 15 عامًا، وأن إيران بالتأكيد تجهز نفسها لذلك.
وتطرق إلى تكوين تحالف إسلامي جديد قائلاً: "أحمد الله أنني عشت لأرى هذا اليوم الذي سيكون فيه مستقبل شبابنا وبناتنا محميًا في الدول الإسلامية وفي صدرها الأمة العربية وفي قلبها دول مجلس التعاون".
وأفاد غسان سلامة في مداخلته: "لو توقفنا عن ما هو حاصل اليوم لشعرنا بمسحة من التفاؤل ففي هذه اللحظة من المفروض أن يكون هناك وقف لإطلاق النار في اليمن ويتوجه وفد الحكومة والمعارضة للتفاوض، ويفترض بأن يكون كيري ولافروف يتحدثان عن إمكانية بدء التفاوض بين النظام والمعارضة في سورية، ومن الممكن أن يتوجه الطرفان في ليبيا إلى توقيع على اتفاق يتم العمل عليه منذ الخميس المقبل".
واستطرد: "في العراق اللحظة الراهنة تسمح بمسحة من التفاؤل ذلك أن الطرف الكردي في سورية تمكن من قطع الطريق بين الرقة والموصل، والجيش العراقي استعاد جزءا من الرمادي وتم تكوين تحالف إسلامي لمكافحة التطرف".
وأشار سلامة إلى أن العام المقبل سيتميز بواحد من أربعة عناصر حيث سيكون عام الانتصارات الممنوعة وعام النزاعات المجمدة وعام التسويات المزعجة وعام النزاعات المستجدة.
واسترسل: "هناك صعوبة وإلى حد ما استحالة بل ومنع للانتصارات العسكرية، فبالنظر إلى مناطق النزاعات نجد أن التفاؤل والتشاؤم بالانتصار لدى أطراف النزاع يختلف حتى من أسبوع لآخر، فمع تدخل روسيا تمكن النظام من السيطرة على عدد من المناطق بينما قبل أشهر كان النظام يعاني في سهل الغاب وإدلب، هناك نوع من الاتفاق الضمني لمنع أي انتصار عسكري واضح في أي من هذه الساحات لذلك اختار عنوان عام الانتصارات الممنوعة".
وتابع: "عام 2016 قد يكون عام التسويات المزعجة إذ ليست هناك أي تسوية مثالية فكل الأطراف يجب أن تقدم تنازلات وكل عناصر التسويات التي نراها مزعجة ومقدمًا مثالًا على التسويات، اليوم نتذكر 20 عامًا على اتفاق دايتون في البوسنة والنتيجة أن البوسنة بعد 20 عامًا لا تزال ضعيفة وتواجه العديد من المصاعب، التسويات بطبيعتها ليست أفضل الحلول، قد تكون في ليبيا تسوية مزعجة للجميع بحيث لن يتمكن أي طرف من تثبيت شرعيته والاستحواذ على الحكومة والشيء نفسه قد يحدث في سورية أو العراق أو اليمن".
وبيّن: "العام المقبل قد يكون عام النزاعات المستجدة غير القائمة اليوم ولكن قد نراها، وبدأنا نرى نزاعًا منذ فترة بين تركيا وروسيا تمثل في إسقاط الطائرة الروسية والأحداث في بحر إيجة ومضيق البوسفور وغيرها، هذا النزاع يمكن أن يمتد إلى كردستان العراق وإلى الحدود بين أرمينيا وأذربيجان وقد يمتد إلى آسيا الوسطى، هذا نزاع مستجد لا أرى له حلًا سريعًا وقد يستفحل قبل أن ينطفئ ولكن إمكانية حدوث حرب لا يريدها أحد نتيجة سلسلة من الأخطاء غير مستبعد، وأخيرًا نرى أن هناك توتر متزايد في وادي النيل حول سد النهضة نتمنى أن يبقى اقتصاديًا فقط ولا يتطور إلى أكثر من ذلك".
وأبرز: "العام المقبل قد يكون عام عجز متزايد للمنظمات الإقليمية في لعب دور مفيد، فهناك تعثر في تأثير جامعة الدول العربية على الأحداث وهذا ينطبق على أوروبا حيث هناك صعوبات في التفاهم الأوروبي حول التطرف والنازحين وحتى في حلف شمال الأطلسي حيث لم يتضامن مع تركيا كما كان متوقعًا مع دولة عضو فيه".
وأضاف: "العجز في عمل المنظمات الإقليمية قد يقابله زيادة في قدرة المنظمات الدولية حيث قد يكون للأمم المتحدة دور أكبر، سيتم اختيار أمين جديد للمنظمة الدولية خلال العام المقبل وهو ما يشكل مؤشرًا على جدية الدول في العمل مع بعضها لحل النزاعات فإذا اختيرت شخصية عادية لن يكون هناك رغبة قوية لدى الدول في أن يلعب مجلس الأمن والمنظمة الدولية دورًا مهمًا".
وحول مستقبل السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية بعد الانتخابات قال سلامة: "أوباما شكل بسياساته الانكفائية وسعيه إلى عدم التورط في الحروب بدل بدأها وعدم الاندفاع في التدخل لأن النتيجة كارثية كما حصل في العراق عند التدخل المباشر وفي ليبيا عند التدخل غير المباشر وعند عدم التدخل".
وأردف: "هناك من يرى هذه العقيدة أنها مع رحيل أوباما ستتحول إلى توجه تدخلي جديد وهناك رأي آخر يقول بتعمق هذا التيار الانكفائي في المجتمع الأميركي".
وفي إجابة على سؤال حول التطرف والتحالفات الدولية ضده قال تركي الفيصل إنه يتمنى أن يكون لهذه التحالفات تنسيق في تحديد أسباب المرض وليس عوارض المرض فإن لم يكن هناك إصلاح في دمشق سيبقى داعش وغيرها وتجد مجال لاستقطاب المتطوعين من جميع أنحاء العالم، وإن لم يكن هناك علاج للوضع في طرابلس ستستمر ليبيا في أزماتها.
وأوضح أن هناك توجهًا إلى إدارة الأزمات بدل إنهائها أو حسمها، وأضاف: "المثال الأكبر فلسطين الأزمة القائمة منذ أكثر من 70 عامًا ولا تزال قائمة بينما الحلول واضحة وهي حل الدولتين بالاتفاق على الحدود المشتركة ولكن ليس هناك إرادة سياسية فشخص مثل وزير خارجية أميركا يقضي نصف وقته من أول عامين في عمله في العمل على هذه القضية ويقوم بعشرات الرحلات إلى المنطقة دون نتيجة لأنه همه إدارة الموضوع بما يحفظ مصالح الإدارة الأميركية وليس حسمه".
وتابع: "ينطبق الوضع ذاته على سورية حيث نرى أنه يفرض على الشعب السوري أن يتفاوض مع من يقتله وكل الاجتماعات تسعى إلى إجلاس وفود من المعارضة مع ممثلي الأسد للتفاوض على مستقبل لا يحدد مصير الأسد أو غيره، ليس هناك إرادة سياسية لحسم الأزمات، فالأزمات يجب أن تحسم ولا أن تدار، فعلاج التطرف لا بد من وجود حسم يشمل الذهاب إلى المتطرفين في معاقلهم وتطهيرها وإن احتاج الأمر التضحية بالنفس، فنحن مستعدون لذلك وهو ما نقوم به في اليمن".
وحول ذات الموضوع تحدث غسان سلامة: "داعش ليس الخصم الأول لأي شخص يدعي أنه يحاربه، في معظم الأحيان هي الحجة التي تسمح للأطراف بالتدخل لمحاربة خصومها، فمنذ فتح قاعدة إنجرليك فإن أقلية من الطلعات الجوية تستهدف داعش والباقي يستهدف حزب العمال الكردستان وفي حالة روسيا كانت قلة ضئيلة من الضربات موجهة ضد داعش والباقي ضد المعارضة في سهل الغاب وإدلب ومناطق ليس لداعش وجود فيها، أما النظام السوري فأقل من 10% من ضرباته موجهة ضد داعش".
وبيّن سلامة قائلًا: "كل العالم ضد داعش على الورق ولكن الكل يستخدمه للتدخل في سورية والعراق لمحاربة خصومهم فهو ليس العدو الأول لأحد إنما العدو الثاني والثالث، ولو نظرنا إلى التحالفات فإن تحالف أميركا عمره عام وثلاثة أشهر وتحالف روسيا عمره بضعة شهور والتحالف الإسلامي الجديد عمره يوم، المسألة ليست في تعدد التحالفات إنما في وضع داعش في خانة العدو الأول".
واسترسل: "المعارك الحقيقية الأقوى مع داعش حصلت مع أكراد سورية وذلك لأن وضعهم متميز حيث تدعمهم أميركا وروسيا معًا وهو وضع استثنائي ولكن هناك حدود لقدرة انتشار العنصر الكردي في سورية، وفي العراق كانت هناك مشكلة أخرى هي تفضيل حشد طائفي ضد داعش يقوي التنظيم على الجيش العراقي الوطني فطريقة المحاربة قد تزيد الخصم قوة".
وحول إمكانية مشاركة الدول العربية في عمليات برية قال تركي الفيصل: "المشاركة العربية الأرضية يمكن أن تتم بالتنسيق مع الآخرين مثل أميركا أوروبا الدول العربية وتركيا وروسيا إن أرادت وهذا إن صدقت النوايا".
وصرّح الفيصل: "لدينا الرغبة والإصرار على محاربة داعش لأنه البذرة الفاسدة التي خرجت من قمقمنا فمسؤوليتنا محاربته والقضاء عليه ونحن صادقون في ذلك وإن أتى الآخرون للعمل معنا فيما نحن مقتنعون به فلا تكون محاربة داعش بالقصف بالقنابل والصواريخ أيًا كان نوعها بل يجب أن نعمل على الإبادة الفكرية".
وذكّر الفيصل بكلمة الملك عبد الله لشيوخ المملكة بضرورة محاربة فكر داعش، مردفًا: "نرى هذه التوجهات في جهود السعودية وجهود الأزهر وجهود دولة الإمارات بمواجهة الفكر المتطرف ولكن إن لم يتم إصلاح دمشق وبغداد فكل العلاج ناقص، وأكبر محفز لداعش تصرفات الرئيس بشار الأسد والحشد الشعبي الطائفي وهي ما ينمو عليه داعش ويستفيد منه، فلا علاج إلا في العواصم وبدلًا من إعطاء مسكنات للجرح يجب علاجه".
واختتم غسان سلامة بالحديث عن استمرار الطابع الإقليمي للنزاعات في المنطقة والتساؤل حول هل ستعود القوى العالمية للتدخل من جديد، وقال: "هناك فرق بين الرغبة والقدرة، فقد يكون لدى البعض رغبة ولكن القدرة محدودة، وقدم مثالًا عن الجيش البريطاني الذي لا يتجاوز قوامه 100 ألف عسكري أي ما يساوي ربع أحد جيوش المنطقة، فلا توجد لدى فرنسا أو بريطانيا قدرة على الدفع بجيوشها خصوصًا أن قسمًا منها ينتشر في العمليات الدولية وعمليات الأمم المتحدة وحتى للعمليات الداخلية، وليس لديها القدرة على إرسال القوات".
وأضاف: "في دول المنطقة الإقليمية هناك رغبة وقدرة فإيران لديها رغبة دون أي شك وهناك عقيدة تقول إنها محاصرة بأطراف معادية ولذلك يجب أن تكون في كل مكان وبالنسبة لها كلفة التدخل قليلة جدًا، لذلك ليس هناك علاقة بين الإفراج عن الأموال الإيرانية ومستوى التدخل لأن الأمر لم يكن أساسًا مكلفًا لإيران فما عليها سوى أن تؤهل وتدرب البعض الذين سيعملون إلى جانبها".
وأردف: "في حالة تركيا فهناك أحزاب تريد الانسحاب من الساحة الشرق الأوسطية ولكنها توغلت في سورية والعراق لدرجة أنها إن انسحبت سيكون ذلك انهزامًا، وفي اليمن سيستمر التحالف الإقليمي في تأثيره وسيستمر الاتجاه في أقلمة السياسية والأزمات".
أرسل تعليقك