شارلز بوكوفسكي يحطم النوع الأدبي بـأدب رخيص
آخر تحديث 20:55:31 بتوقيت أبوظبي
 صوت الإمارات -

شارلز بوكوفسكي يحطم النوع الأدبي بـ"أدب رخيص"

 صوت الإمارات -

 صوت الإمارات - شارلز بوكوفسكي يحطم النوع الأدبي بـ"أدب رخيص"

شارلز بوكوفسكي يحطم النوع الأدبي بـ"أدب رخيص"
دبي صوت الامارات

  مثل تشارلز بوكوفسكي (توفي عام 1994) واحدا من أهم الأصوات الغاضبة في المشهد الأدبي الأميركي، رغم عدم انتمائه لتلك الحركات الأدبية والثقافية المتمردة مثل "جيل البيت"، بل كان حالة تمرد خاصة ترتقي إلى مستوى ظاهرة هدامة للأدب الكلاسيكي. ظل هذا الكاتب يحقق نجوميته حتى وهو ميت بين الشباب الغاضبين في العالم، ولعل هناك علاقة بين تزامن تهاطل ترجماته عربيا هذه السنوات بما حدث في المنطقة من ثورات وإحباطات وانتكاسات، وكأن المشهد الثقافي العربي يلوذ بالترجمة للبحث عن صوت يمثل تلك الأحاسيس الغاضبة التي عادة ما نعرفها بعد الثورات في العالم، حالة من الانفلات الفني تهشم فيها التقاليد الفكرية والفنية لتبنى أشكالا جديدة تؤسس لرؤية ثقافية جديدة.  تُرجم لبوكوفسكي حتى الآن بعض الشعر وثلاث روايات "مكتب بريد" و"نساء" و"أدب رخيص" ومجموعتان قصصيتان "أجمل نساء المدينة" و"جنوب بلا شمال"، ومن الغريب أن مترجمي بوكوفسكي للعربية أغلبهم نساء وأبرزهن الفلسطينية ريم غنايم والسوريتان أماني لازار وإيمان حرز الله.  "أدب رخيص" هي آخر ما ظهر لبوكوفسكي عربيا بترجمة إيمان حرز الله وتقديم ومراجعة ريم غنايم عن دار الجمل.  الرواية المأزق ظل النقاد يجمعون على أن "أدب رخيص" هو أضعف روايات بوكوفسكي على الإطلاق. والحق أن المتأمل في المسار الإبداعي لبوكوفسكي يلاحظ بلا عناء أنها من آخر منشوراته، وهذا ما يجعلنا نتساءل عن مدى صدقية هذا الحكم على هذا العمل.  فقد أنصفت الكثير من الأعمال العالمية بعد قرون من ظهورها بعد أن وصفت بالرداءة في زمنها، ولنا على ذلك أمثلة لا تعد ولا تحصى، فالذائقة تتبدل والتقييمات تتغير وحركات الفن والأدب تكسب مشروعيتها من رؤية صانعيها. وهذا ما يدعو للتريث في قراءة عمل بوكوفسكي الذي يبدأ مخاتله منذ العنوان، فكيف لكاتب أن يصف كتابه بـ"الأدب الرخيص"؟  إن قراءة العمل السردي في ضوء ما يشي به العنوان وما تشي به تلك العتبة النصية يضيء لنا منهجا للقراءة. فالكاتب يهدي عمله بهذه العبارة "هذا العمل إهداء للكتابة السيئة"، ويمكن ترجمتها أيضا "هذا الكتاب مهدى للكتابة الرديئة"، وكلمة رديئة هنا لا يمكن أن نأخذها على محاملها التقليدية من كاتب غير تقليدي أسس لما تعرف بجمالية الرداءة في الكتابة، وهي شعرية الهتك.  ولا يقتصر الهتك هنا على المعاني، فثورة بوكوفسكي لا تستهدف الأخلاق التقليدية الأميركية، لكنها ثورة ضد المؤسسة الأدبية ذاتها من خلال ما يمكن تسميته "إحراج النوع" أي إكراه النوع الأدبي وتحويل وجهته، وهذا هو ما يمكن رصده في "أدب رخيص".  إحراج النوع تبدو الرواية من أدب التحرّي، وهو أدب تصنّفه المؤسسة النقدية بالمرتبة الثانية من الأدب وأحيانا تخرجه منه فيكتبه الكتّاب بأسماء مستعارة أحيانا كما فعل بول أستر قبل شهرته.  يأخذ بوكوفسكي هذا النوع قالبا ليكتب "أدب رخيص"، فبطلها محقق خاص يدعى نيكي بيلين الذي يذكر بميكي سيلين بطل روايات التحري الأميركية تتصل به امرأة تدعى السيدة موت لتطلب منه أن يأتي لها بالكاتب الفرنسي الشهير فردينالد سيلين (توفي 1961) وتدعي أنه بلغها أن شخصا يشبهه يتردد على مكتبة في كاليفورنيا، فالسيدة موت هي قابضة الأرواح ولا تذكر أنها أخذت معها سيلين.  ثم تتوالد الحبكات البوليسية من بعضها والمهمات التي تكلف بها السيدة موت التحري السيئ الحظ. هكذا نبدو أمام ما تسميه الناقدة ريم غنايم مترجمة بوكوفسكي بتهجير النص عن نموذجه التقليدي وإعادة صياغته وفق طبيعة المطبخ الأدبي للكاتب نفسه.  فنحن لسنا أمام رواية للتحري بالمفهوم التقليدي إنما أمام رواية بوكوفسكية تختبر أدب التحري كشكل من أشكال التجريب، وهذا تماما ما قام به الكاتب الأرجنتيني إرنستو ساباتو (1911-2011) في رواية "النفق"، وقد ولدت الرواية الحديثة في ظل هذه الفكرة وهي إعادة استعمال الشعبوي والسطحي لكتابة العميق والفلسفي.  وهكذا تنهض هذه الرواية في تفككها الظاهر مؤسسة لكتابة متمردة على الشكل بسخريتها اللاذعة لطرح أكثر القضايا عمقا: الموت والكتابة والحب والفن والجمال، وهنا يمكننا أن نفهم استدعاء سيلين محطم اللغة الأدبية الفرنسية.

emiratesvoice
emiratesvoice

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شارلز بوكوفسكي يحطم النوع الأدبي بـأدب رخيص شارلز بوكوفسكي يحطم النوع الأدبي بـأدب رخيص



GMT 02:36 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 صوت الإمارات - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 00:59 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 صوت الإمارات - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 09:15 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 19:12 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج السرطان السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 20:20 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 11:21 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 10:58 2012 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

"البرلمان الأوروبي" يمنع قطع زعانف سمك القرش في البحر

GMT 13:54 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

محمد بن راشد يهنئ المواطنين هاتفيًا بـ"اليوم الوطني"

GMT 15:55 2017 الخميس ,15 حزيران / يونيو

منزل غريب في نيوزيلندا يصلح للشخصيات الخيالية

GMT 19:23 2017 الأحد ,06 آب / أغسطس

خالد باوزير يعود إلى تدريبات الوحدة

GMT 12:20 2013 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

التليفزيون المصرى يعرض أول مسلسل صيني في الشرق الأوسط

GMT 21:50 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد للطيران تعلق رحلات أبوظبي " دالاس فورت وورث " في 2018

GMT 07:01 2017 الخميس ,07 أيلول / سبتمبر

شركة يابانية تكشف عن أسرع سيارة في العالم

GMT 22:12 2021 الأحد ,10 تشرين الأول / أكتوبر

وضعيات "يوغا" تقلل من تساقط الشعر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates