أبوظبي – صوت الإمارات
تعتبر الحرب الكورية أول حرب تخوضها الولايات المتحدة الأميركية في العصر الحديث، أي حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. والصراع العسكري الأول في حقبة الحرب الباردة بين العملاقين آنذاك: الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. تلك الحرب لم تؤثر كثيراً في الاقتصاد الأميركي، وكان الهدف منها احتواء الشيوعية، التي كانت تتمدد في الشرق الآسيوي بعد هزيمة دول المحور.
ولم تعد هوليوود تصنع أفلاماً عن الحرب الكورية منذ الخمسينات أو الستينات، لكن نجد أن السينما الكورية الجنوبية حافلة بتلك الأفلام. الوضع في شبه الجزيرة الكورية يختلف، إذ لايزال التقسيم منذ نهاية تلك الحرب في صيف 1953، وذلك التقسيم لم يكتفِ بالأرض، بل شمل مجتمعاً وعائلات.
في الحقيقة، آخر مرة رأينا فيها فيلماً من هوليوود عن تلك الحرب كان عام 1982 بعنوان Incheon "إنشون"، الذي أخفق بشدة في شباك التذاكر، محققاً خمسة ملايين دولار، من ميزانية بلغت 45 مليوناً، وأدى لورانس أوليفيير دور الجنرال دوغلاس ماك آرثر.
وقد ظهرت في الفترة الأخيرة أفلام كورية جنوبية، تعكس دعاية سياسية لحكومة سيؤول، ومدى قوتها وقدرتها على الاعتماد على نفسها، دون الحاجة إلى واشنطن كان أبرزها فيلم "الخط الأمامي". لكن نحن هنا في الشرق الأوسط، أو حتى أولئك الذين في أوروبا أو أميركا، ليست لديهم أدنى فكرة عن أفكار المواطن الكوري، وعن الوضع السياسي لبلاده، وصراعها مع الشقيق الشمالي.
اليوم، نحن أمام فيلم جديد عن تلك الحرب، Operation Chromite أو "العملية كرومايت"، وهو فيلم يحمل سمات الأفلام الآسيوية القديمة، عندما كانت تستعين بخدمات ممثل عالمي، وفي هذا الفيلم هو ليام نيسن في دور الجنرال الأميركي دوغلاس ماك آرثر (تعتبر الحرب الكورية أحد أعظم إنجازات الجنرال ماك آرثر الاستراتيجية، عندما أنزل 75 ألف جندي أميركي، غيروا مجرى الحرب هناك). نيسن يعمل هنا إلى جانب مجموعة ممثلين كوريين مشهورين في بلادهم فقط، وغير معروفين لبقية دول العالم. المخرج جون لي، وكاتب السيناريو مان هي لي، يتعاونان للمرة الثانية على فيلم عن الموضوع نفسه، فقد عملا معاً في فيلم "71: في النار" عام 2010، عن طلاب جنود يحاولون حماية مدرسة خلال أيام الحرب الأولى. المفاجأة أن نيسن ليس مجرد وجه مشهور في الفيلم، ورغم قوة حضوره في الأفلام، فإنه لم يتمكن من التغطية على زملائه الكوريين في الفيلم. نرى الجنرال آرثر عام 1950، وهو يحضر لغزو بحري لمدينة إنشون البحرية غرب البلاد، بهدف منع تقدم جيش كوريا الشمالية. يحدث جدل بين الجنرال وقادته في غرفة الحرب حول آلية الغزو، إذ إن ميناء إنشون ملغم، والأمواج حوله هي الأسوأ في العالم. فيسأله أحدهم: "هل تدفع بتلك المغامرة من أجل أغراض سياسية؟ هل تنوي الترشح للانتخابات الرئاسية؟" (في الحقيقة ماك آرثر ترشح عام 1948، وخسر في الانتخابات التمهيدية)، إلا أن القصة الرئيسة ليست عن ماك آرثر، وقراره الاستراتيجي الذي لم يكن لينجح لولا فريقه على الأرض من الوطنيين الكوريين، والذي صنع هذا الفيلم من أجلهم.
ويقود الفريق الضابط جانغ (جنغ جي لي)، الذي تتطلب خطته التخفي في شكل ضابط كوري شمالي، فرقة مكونة من 15 شخصاً، تخترق قيادة الجيش الشمالي في إنشون للتحقق من الأوضاع فيها. يحتاج جانغ إلى معرفة مواقع الألغام، وتأمين الميناء ثم إشعال ضوء المنارة لإرشاد الأسطول الأميركي إلى مكان الغزو. يشتبه في أمر الفرقة قائد شمالي يسمى ليم جي جن (لي بيوم سو)، لكنه لا يستطيع إقناع رؤسائه بالأمر.
اعتمد صناع الفيلم كثيراً في الأداء على الميلودراما، وقد يكون ذلك مقبولاً في الدراما الكورية والآسيوية، ومفضلاً جداً في الدراما العربية. من ناحية التنفيذ، الفيلم يتبع قالب أفلام الأكشن المصنوعة في هوليوود بصورة مبهرة، ويحوي الفيلم لقطات كثيرة لتبادل إطلاق النار بين أعضاء الفرقة والجيش الكوري الشمالي، لكن الجميل فيه أنه لا يهدأ أبداً من بدايته إلى نهايته. الفيلم، بأكمله، عبارة عن مطاردة مثيرة بين الطرفين، فلا تكاد الفرقة تنفذ عملية أو تصل إلى مبتغاها حتى يتم كشفها، ويلي ذلك صراع دموي يفر منه الطرف الأول، ويعيد المحاولة بأسلوب آخر في موقف جديد. بكلمات أخرى إن مطاردة القط والفأر تلك هي العمود الفقري للفيلم.
مقابل تلك المطاردة الحابسة للأنفاس، والمنفذة بصورة احترافية وممتازة، تجعلنا نعيد النظر في حقيقة أن هوليوود هي الوحيدة القادرة على صنع أفضل لقطات الأكشن، أهمل صناع الفيلم جانباً مهماً في "العملية كرومايت" وهو جانب الشخصيات. فرغم أننا نعلم تماماً سياق الفيلم، ونتفهم دوافع الشخصيات من خلاله، إذ الدوافع ترتبط مباشرة في السياق، لكننا لا نعلم شيئاً عن تلك الشخصيات أو خلفياتها. ربما الشخصية الوحيدة، التي عرفنا شيئاً عنها، عندما طلب أحد أعضاء الفرقة الذهاب إلى السوق، لإلقاء نظرة على زوجته التي تبيع الخضراوات فيه، أجمل ما في اللقطة هو اكتفاء ذلك الرجل بالنظر إلى زوجته دون الذهاب لتوديعها، وتلك الحركة رغم ما تحمله من معانٍ عاطفية جميلة، إلا أنها ليست جديدة، بل هي استعارة واضحة من أفلام ملك الأكشن سابقاً جون وو.
أرسل تعليقك