دبي – صوت الإمارات
عندما فاز النجم الأميركي ليوناردو ديكابريو بجائزة أوسكار أفضل ممثل عن دوره في فيلم "The Revenant" أو العائد من الموت، أثار ذلك الفوز حفيظة الكثير من المراقبين في هوليوود، الذين طرحوا سؤالاً وجيهاً: هل التمثيل فن أم اختبار قدرة؟ فوز ديكابريو بالجائزة ليس سوى إقرار بذوبان الحدود بين الأداء وقوة التحمل، وبالتالي تصديق النزعة السارية في أوساط الممثلين بأن من يريد الحصول على أوسكار عليه الدخول في برنامج تحولي، أي يتحول من خلاله إلى مخلوق آخر جسدياً، سواء بزيادة أو إنقاص وزنه أو إدخال نفسه في تجارب بائسة ومعاناة.
من خلال هذه النزعة، التي أصبحت نظاماً شبه معتمد في عالم الأفلام، أصبح معيار الحكم على الأداء هو مدى تأثر الجمهور بالشكل الجديد للممثل أكثر من موهبته التمثيلية، وبحجم التعاسة والبؤس اللذين يخوضهما الممثل أكثر من قدراته، ومدى قدرة الممثل على أداء دور أولئك الذين يظهرون في برامج تلفزيون الواقع لفعل أشياء مجنونة، مثل أكل لحم نيئ أو التعرض للكمة قاسية في الوجه، كأنه يثبت رجولته أكثر من تقديم عرض تمثيلي صادق، يوظف فيه مشاعره للتأثير في الجمهور.
من ناحية أخرى، فإن الأدوار الفائزة بالأوسكار باتت محصورة ضمن ممثلين يؤدون أدواراً محدودة، فإما دور مريض عقلياً، أو يعاني مرضاً مزمناً (فيلم شاين)، أو دور مشلول (مولود في الرابع من يوليو، قدمي اليسرى، نظرية كل شيء)، أو دور مشوه (الرجل الفيل، المريض الإنجليزي)، أو يضع طبقة ثقيلة من "الميك آب" ليبدو شبيهاً بشخصية تاريخية مثلاً (لينكولن)، هذا ما يحدث اليوم، إن أراد ممثل الفوز بذلك التمثال الذهبي فعليه دفع الثمن جسدياً.
هناك تسمية أخرى لنزعة الأداء التحولي، هي "التمثيل كشكل من أشكال عقاب الذات"، وهو ما أداه ديكابريو في ملحمة النجاة والانتقام "العائد من الموت". الفيلم عن صياد حيوانات في القرن الـ19، يسعى للانتقام من زميل خانه وتركه ليموت في ظروف برية قاسية. أثناء تصوير الفيلم وردت تقارير إخبارية عديدة بأنه صور في تضاريس وعرة وفي ظروف جوية صعبة وقاسية، كأن صناع الفيلم يريدون تسويق فكرة معاناتهم إلى جانب الممثل كجزء من السيناريو.
ديكابريو يجتاز ويسبح في مياه ثلجية ثم يزحف في سهول جليدية جاراً خلفه قدمه المصابة، يأكل كبداً نيئة لثور، يمتص نخاع فقرات حيوان، كل ذلك في سبيل النجاة ولكن أيضاً في سبيل الفن. ذلك يعني أن فوز ديكابريو يعزز الصورة الخاطئة بأن هذا هو التمثيل الحقيقي.
لو رأينا المسألة من هذا المنظور فسنجد أن أداء ديكابريو عبارة عن إبراز رغبته في الفوز بالجائزة جسدياً (وكذلك إرضاء عشاقه الذين انتظروا فوزه بعد 22 عاماً من أول ترشح له عن فيلم What’s Eating Gilbert Grape?). لكن هل معنى ذلك أن ديكابريو مقتنع بهذه الفكرة السائدة في أوساط هوليوود، وبالتالي كيّف نمط تفكيره لمسايرتها وانتزاع أوسكار طال انتظاره؟
نعم يبدو ذلك صحيحاً، على الأقل لو نظرنا إلى المسألة من ناحية أن ترشيحه وفوزه كانا من طينة الترشيحات الأخرى في العقود الأخيرة، أي تلك التي تعكس إخلاص الممثل الكامل والتام لفن التمثيل، عن طريق المعاناة قبل وأثناء وبعد الإنتاج (مع اعتبار أن فقدان كريستيان بيل الشديد لوزنه باقتصار طعامه على قهوة وتفاح يومياً لأداء دوره في فيلم The Machinist عام 2004 لم يضعه ضمن ترشيحات الأوسكار). للعلم إن بيل هو الممثل الوحيد الذي انتقل من طور ضآلة الجسد في الفيلم المذكور آنفاً إلى ضخامته في فيلم "باتمان يبدأ" عام 2005، قبل العودة إلى الطور الطبيعي في "ذا برستيج" 2006، ثم العودة إلى الضخامة مجدداً في "باتمان فارس الظلام" عام 2008
أرسل تعليقك