ضمن عروض مهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي، شاهد الجمهور يومي الجمعة والسبت عرضين اشتركا في ثيمة «الزواج» واختلفا في مقاربته.. الأول هو العرض المغربي «أمر» الذي تم عرضه «الجمعة»، والثاني هو «أعراس فلسطينية» وعرض «السبت».
جاءت مسرحية «أمر» لفرقة محترف الفنون المغربية، من تأليف أحمد السبياع وإخراج خالد الجنبي، في أسلوب كاريكاتيري بسيط، بدت خلاله المواجهة بين زوجين ارتبطا حديثاً، فكهة وعلى قدر كبير من الظرف.
صمم المخرج خشبته، عبر الإضاءة، بحيث تبدو مرة، في هيئة صالة منزلية، وفي مرة أخرى، أشبه بساحة للألعاب، يتناوب الزوجان في التسابق والتنافس عليها، كراً وفراً، عبر جملة من الاختبارات اللعبية، وقد جاء كل ذلك مستكملاً عنوان المسرحية: «أمرُ»، وهو في التعبير الدارج في ألعاب التسلية «باص».
يستعيد الزوجان كل تفصيلة من علاقتهما القصيرة التي انتهت إلى زواج ويضعاها تحت مجهر السخرية والهزء. فيتكلم الزوج (أيوب كرطيع) عن العطر الرخيص الذي كان يفوح من زوجته (رشيدة آيت بلعيد)، وعن لباسها واكسسوراتها، الدالة على فقرها وبؤسها.
الزوجة، بدورها، تواجه زوجها بتعاسته وقبح شكله، إلخ. وحين يستنفدا قاموسهما الشخصي من التعليقات السالبة، يتوجهان إلى ما نفهم أنه عبارة عن هدايا وصلتهما لمناسبة زواجهما، فيعمدان إلى تحريف عبارات التهاني والتمنيات، لتبدو ساخرة وهازئة.
لم يظهر، في وضوح، السبب وراء المجابهة بين الزوجين الحديثين، ولكننا نفهم أنهما عانيا بعد زواجهما مباشرة من التعليقات السلبية حول شكليهما، من الناس. للزوجة أنف طويل ولزوجها أنف ضخم، ولكن هذا الملمح في وجهيهما، الذي استحوذ على قدر أكبر من صراعهما فوق الخشبة، بدا ضئيلاً مقارنة بحقائق مثل أنهما التقيا مصادفة وقررا الزواج من دون تفكير أو علاقة سابقة!
على أن ما بدا لافتاً هو أن المخرج، مضى بأداء الممثلين، خصوصاً عبر تعبيراتهما الإشارية وتسابقهما الحركي الطفولي في الألعاب، فوق الخشبة وحتى بين الجمهور في الصالة، بحيث يبدو هذا التنازع اللفظي بينهما، على مستويين متداخلين، فهو جدي وحاد وهو أيضاً هزلي وسطحي، بل حتى زائف، ففي العمق كما يظهر في لوحة الختام، هما يحبان بعضهما البعض، ليس لأن أحدهما رأى في الآخر مثاله العاطفي، والتجسيد الحقيقي لصورة محبوبه، بل لأنهما بسيطان إلى حدّ أنه يمكن لكلمة واحدة، رقيقة وعذبة، أن تذهب وتأتي بهما، يساراً ويميناً.
أما عرض «أعراس آمنة» لفرقة ع الخشب الأردنية، تأليف الكاتب إبراهيم نصر الله وإخراج يحيى البشتاوي، فرغم مماثلته العرض المغربي في استلهامه لعلاقة بين زوجين إلا أن الأمر اختلف قليلاً هنا؛ إذ إن قصة الزوجين الفلسطينيين هي قصة عودة الزوج السجين (قام بالدور زيد خليل) لدى السلطات الإسرائيلية لمقابلة زوجته (نهى سمارة) التي كانت تحسبه ميتاً، بعد غياب استمر لعقدين.
المخرج يحيى البشتاوي، استعان بالإضاءة وخطوطها المتقاطعة والمتوازية تبعاً لحركة الممثلين فوق الخشبة، للتدليل على الحالة الوجدانية المشدودة للممثلين، ممرراً مضمون عرضه في وحدات أو لوحات مشهدية متراكبة، تبرز قساوة الحياة في ظل الاحتلال الإسرائيلي الذي لطالما روع الأهالي العزل وحرمهم أبسط مقومات الحياة.
بعكس ما يوحي عنوان المسرحية، يسود جو القلق والخوف في حياة آمنة، التي حرمت من زوجها كل تلك السنين. يستذكر الزوجان عرسهما لنعرف الصعوبات التي كان عليهما مجابهتها حتى يتم العرس، وعبر هذا الخيط تستعيد الزوجة جميع الأعراس الناقصة، أو التي لم تتم بسبب الاحتلال، أو لم تكتمل وتحولت جنائز، وتبكي شرطها الوجودي المعقد، وخساراتها الفادحة، يواسيها الزوج الذي يصر على أن تبقى الأفراح والأعراس فهذا أكثر ما يغيظ العدو.
في المشهد الأخير، يبدأ الزوج العائد قبل قليل من السجن، في الاستعداد لخروج جديد إلى صفوف المقاومة، في إشارة إلى أن إرادة الفلسطيني في التحرر لا تنكسر مهما طال السجن!
أرسل تعليقك