محمد أبو لحيّة نحات المصادفة الجمالية والفكرة الطارئة
آخر تحديث 17:08:00 بتوقيت أبوظبي
 صوت الإمارات -

محمد أبو لحيّة نحات المصادفة الجمالية والفكرة الطارئة

 صوت الإمارات -

 صوت الإمارات - محمد أبو لحيّة نحات المصادفة الجمالية والفكرة الطارئة

الفنان الإماراتي الراحل محمد عبدالله أبو لحيّة
دبى - صوت الامارات


أمضى الفنان الإماراتي الراحل محمد عبدالله أبو لحيّة (1953-2017)، حياته مغرداً خارج سرب أقرانه من التشكيليين، وذلك عندما تفرغ كلياً لفن النحت، وعكف على إنتاجه وتقديمه للناس، طوال سنيّ عمره التي انتهت منذ مدة ليست بعيدة.

مارس النحت بمواده وخاماته المختلفة، كالطين (الصلصال)، والحجر، والرخام، والبرونز، والبوليستر، والمعدن، والفخار، والخزف، لكنه بعد أن خبر هذه التقانات المختلفة، توقف عند تقنية تشكيل العمل النحتي بشكل مباشر، سواء بأغصان الأشجار، أو الحديد ومخلفات الصناعة (الخردة).

سمات وخصائص

الفطرة، العفويّة، الطفوليّة، التلقائيّة، البساطة، المصادفة: خصائص وسمات ومقومات أساسيّة، نهضت عليها تجربة النحات أبو لحيّة، مع ملاحظة حرصه على أن يُبقي في عمله بعض الإشارات القابلة للتأويل، ليُتيح للمتلقي إمكانية فهمها والتفاعل معها.

من جانب آخر، يتعمد تضمين تشكيله الفراغي رؤاه، أثناء قيامه ببنائه، لاعتقاده بأن المصادفة الجماليّة أهم بواعث ولادتها، وأحياناً تتداخل مع الفكرة الطارئة، أو القائمة.

ورغم صعوبة المواد المستخدمة في ترجمة وتجسيد هذه التداخلات بين (الفكرة) و(المصادفة) أو بين (الموضوع العام) و(المزاج الداخلي) يمضي النحات أبو لحية، بحماس، وسعادة، واندفاع ذاتي كبير، في عملية استنهاض تشكيلاته الفراغيّة الحاضنة لخبراته التشكيليّة المعبرة عما يعتمل في داخله من أحاسيس وهواجس وتطلعات.

يعتقد النحات أبو لحية بأن التكوينات الفراغيّة النحتيّة المُجسمة التي ينجزها، تُعبّر عن الفضاء الشاسع للفن الحاضن لأطياف ومدارس وأساليب مختلفة، وهو حريص على أن يُجرّب الاتجاهات والأساليب كافة.

أي لا يتعمد إقصاء اتجاه والتأكيد على آخر، وإنما يمنح كل اتجاه حقه من الاهتمام والتقدير والدراسة. والعمل الفني كما يراه، هو انعكاس لروح الفنان، وترجمة للتعاطي الحيوي بين ذاته والعالم، وبين الصوت والصدى، وبين كل ما يختزل الإيقاع السحري لماضي الفن ومستقبله أيضاً.

بمعنى آخر، يتماهى النحات محمد عبد الله أبو لحية، مع عمله الفني، بكل صدق وإخلاص، ويُشهر انتماءه إليه، بكثير من الاعتزاز، بغض النظر عن الصيغة الفنيّة النهائية التي انتهى إليها، والاتجاه الذي أخذه، ومهما كانت المعاني والدلالات والرموز التي يوحي بها، أو السويّة الفنيّة التي أخذها، مع الاستدراك والإشارة إلى أن الإنسان، بحالاته ووضعياته المختلفة، يُشكّل الموضوع الرئيس في تجربته النحتيّة التي صارت تشكل ملمحاً أساساً من ملامح حركة التشكيل الإماراتي المعاصر، بعد أن مضى على مساهمتها في هذه الحركة نحو أربعة عقود، كانت خلالها دائمة الحضور والفعل فيها؛ داخلياً وخارجياً.

أبرز أعماله

تُعتبر الأعمال التي نفذها النحات أبو لحية من مادة الحديد، أبرز ما أفرزته تجربته النحتيّة، سواء من حيث الكم أو النوع، فقد عُرف واشتهر من خلالها، وهي (وفق طريقة تشكيلها ومواد الحديد المستخدمة في تنفيذها) نوعان: الأول: (وهو الأهم كقيمة تشكيليّة فنيّة نحتيّة وتعبيريّة) نفذه من الحديد المبروم والصاج، حيث قام بوضع دراسة مسبقة (كروكي) للتشكيل الفراغي المطلوب، ثم بادر بقص القضبان الحديدية المبرومة، وقطع الصاج، وعالجها: لياً ولفاً وتسطيحاً وبرماً واستقامةً، حتى تأخذ الشكل أو الهيئة المطلوبة.

بعدها جمعها بوساطة اللحام الكهربائي، ووضعها فوق قاعدة من الخشب أو الحديد، لتأخذ حضورها التشكيلي والتعبيري في الفراغ، كعمل نحتي معاصر، يحمل دلالة مباشرة، لإنسان، أو حيوان، لكن بشيء من الاختزال والاختصار، ضمن سياق تكوين نحتي متحرك ومدروس كتلةً وفراغاً، تتأرجح سويته الفنيّة، من عمل لآخر، وهذه حالة طبيعية تنسحب على تجارب غالبية الفنانين. فقد يُوفق النحات في استنهاض تكوين فراغي مثالي ومتكامل القيمة الفنيّة والتعبيريّة الدلاليّة في بعض الأعمال، وقد يجافيه النجاح في تحقيق هذا التكوين، في أعمال أخرى.

الأمثلة كثيرة على تفوق أعمال هذا النوع في تجربة الفنان أبو لحية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر أعماله: (الموسيقى) و(القارئ) و(الحصان) و(البهلوان) و(رجل وطفل)... وغيرها.

والحقيقة إن أفضل وأهم أعمال هذه المجموعة المتميزة، هما عملاه (الموسيقى) و(القارئ)، حيث حقق الوضعيّة النحتيّة المتكاملة الخصائص والمقومات الفنيّة، بأقل ما يمكن من العناصر والمفردات، وفق رؤية فنيّة حداثيّة، تنم عن خبرة متراكمة، نهضت في الأساس على موهبة، وتجلت لحظتها الجماليّة التعبيريّة الصافيّة في هذا الاختزال الشكلي المعبّر والموحي، والحاضن في الوقت نفسه لقيم النحت في الارتكاز، والتوازن، والحركة، والتلخيص المدروس للعناصر المُشكّلة للتكوين الفراغي، ثم علاقة الكتلة النحتيّة بالفراغ المحيط به.

النوع الثاني: ويشمل الأعمال المنفذة من الحديد بطريقة القص والطرق والتشكيل المباشر بوساطة اللحام، أو تلك التي تنضوي تحت ما يُعرف بتدوير المخلفات الصناعيّة (الخردة) في الفن، حيث قام النحات أبو لحيّة، بالبحث عن عناصر صناعيّة مهملة، يمكنها أن تسعفه بالخروج بتكوين نحتي يقارب فيه هيئة إنسان أو حيوان، يمارس فعلاً ما (تجديف، قفز، انتظار، توازن) أو التعبير عن حالة وجدانيّة (حب، أمومة، شموخ، مواجهة).

في هذه الأعمال، استخدم النحات أبو لحية مفردات وعناصر مختلفة من الخردة، إلى جانب الحديد المبروم والصاج، الأمر الذي يتطلب منه دراسة العناصر الجاهزة بين يديه، وبالتالي الإضافات الضروريّة اللازمة لها، بحيث تؤدي في النهاية إلى المطلوب.

من ذلك قيامه باختزال الهيئة الإنسانيّة بصفيحة أو أسطوانة تمثل الصدر، أو الرأس، أو الأيدي والأرجل، حسب حجمها. وقد يجد في مشط الأرض، أو الرفش (الكريك) أو عجلة الدّراجة، أو جزء آخر منها، أو فأس، أو مطرقة، أو نابض... الخ، مدخلاً لعمل نحتي معبّر، إذا ما رُبط بعنصر آخر، قد يكون من الخردة المهملة إياها، أو قد يأخذه من قضيب أو صفيحة، ثم يُجمّع العناصر بعضها إلى بعض، بوساطة اللحام، ليحصل بعدها على العمل النحتي الفراغي المطلوب. وفي أحايين كثيرة، قد يربط عمله بمواد أخرى كالخشب، وهي خامة حنونة قادرة على التخفيف من برودة المعدن وصلابته.

تحمل أعمال هذه الفئة معالجتين اثنتين: الأولى اعتمد فيها أبو لحية الحركة البسيطة، والارتكاز القوي الراسخ، والحركة المتوازنة. كما في أعماله: المركب أو التجديف، والأمومة، والجامع، ووجوه نسائيّة شعبيّة، وحالة مواجهة.

وفي المعالجة الثانية، لجأ إلى البحث عن نقاط الارتكاز الحرجة التي يحققها مستعيناً بعناصر أخرى يُدخلها على المنحوتة (عجلة، أسطوانة) بعد أن يكون قد درسها بشكل جيد، كتوازن، وحركة، وفراغ محيط، بحيث تؤدي في النهاية، الحالة التعبيريّة المطلوبة منها، وبالصيغة الفنيّة المثلى، الأمر الذي يُؤكد أن العمل النحتي عند النحات محمد عبد الله أبو لحية، يخضع لدراسات مُسبقة ومُسهبة قبل أن يأخذ شكله الأخير، وهذه إحدى الخواص الرئيسة للتشكيل والتعبير بالمعادن ومخلفات الصناعة (الخردة).

رغم ذلك، حافظ عمله الفني على شيء من العفويّة والتلقائيّة التي من دونها، يبدو أي عمل فني جامداً وبارداً.

emiratesvoice
emiratesvoice

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محمد أبو لحيّة نحات المصادفة الجمالية والفكرة الطارئة محمد أبو لحيّة نحات المصادفة الجمالية والفكرة الطارئة



GMT 11:31 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 20:33 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 21:36 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 17:50 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 16:17 2018 الأربعاء ,02 أيار / مايو

خطوات تنظيف "خشب المطبخ" من الدهونوالأتربة

GMT 15:54 2015 الخميس ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 4 ألوان يمكن أن ترتديها في مكان العمل

GMT 14:13 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

وفاة البطل محمد سعد بعد تمثيل مصر في المسابقات الدولية

GMT 08:00 2012 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

وثائق ويكيليكس وأسرار الربيع العربي

GMT 16:20 2014 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"أبوظبي للسياحة" تطلق معرض "أبعاد مضيئة"

GMT 13:20 2015 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هطولا للأمطار الرعدية فى السعودية الجمعة

GMT 18:49 2016 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

لوحات ضوئية عكست حالات إنسانية ووجدانية في معرض أبو رمانة

GMT 01:53 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

Falcon Films تقدم فيلم "بالغلط" من بطولة زياد برجي

GMT 14:42 2017 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

تشيلسي كلينتون تتألق في معطف أنيق باللون الأسود

GMT 00:17 2022 الخميس ,15 أيلول / سبتمبر

إيران... لا خطة «ب»

GMT 09:44 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأكسسوارات المنزلية جواهر تثمّن المشهد الزخرفي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates