فيما حظيت المبادرة التي طرحها الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته بالدورة السبعين الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت شعار (الأمل والعمل من أجل غاية جديدة) باهتمام عالمي كبير، فإن هذه المبادرة تشكل إسهاما ثقافيا مصريا أصيلا، ومبدعا يعبر عن الرسالة الحضارية لمصر الخالدة.
وتتوالى تعليقات الصحف، ووسائل الإعلام، والنخب الثقافية المصرية، والعربية حول هذه المبادرة الجديدة متفقة على أن مفاهيمها تشكل مشروعا بناء، ومتكاملا تقدمه مصر للعالم لمواجهة تهديدات الإرهاب للعالم قاطبة بأفكار جديدة.
وتستهدف هذه المبادرة حماية الشباب من أفكار التطرف، وحشد قدراتهم، وتوظيف إمكاناتهم من أجل بناء المستقبل اللائق بهم ليعبر بذلك الرئيس السيسي عن إرادة مصرية ساعية لتحقيق التقدم، ودحر الإرهاب، وقناعة بأن الاحتكام للعقل كفيل بالتصدي للأفكار المغلوطة التي تروجها عناصر التطرف.
وكما أوضح الرئيس السيسي من منبر الأمم المتحدة، فإن هذه المبادرة يد تمدها مصر كأحد أوجه مساهمتها في التغلب على قوى التطرف عبر العمل الإيجابي، وطرح البدائل العملية، ومنح الأمل للشباب، واستثمار طاقاتهم في الجوانب المفيدة بل، وبث الأمل في المستقبل للجميع.
وجاءت هذه المبادرة في وقت تنادي بعض الأصوات الثقافية المصرية بضرورة إعادة صياغة الدور المصري وسط تأكيدات على أهمية تعظيم البعد الثقافي الذي يشكل درة التاج للرأسمال الرمزي، والتاريخي لمصر في قلب أمتها العربية، والعالم.
كما عبرت مبادرة (الأمل والعمل) عن إدراك لا ريب فيه لتحديات جسيمة مثل خطر الإرهاب بما تتطلبه من "لغة جديدة"، و"إبداعات ثقافية استراتيجية"، وأدوات مختلفة عن السائد، والتقليدي من أساليب الماضي وصولا لصياغة استجابة فاعلة لمخاطر أصحاب الرايات السوداء، والمجازر الشنعاء.
وتبشر المبادرة بثقافة قادرة على توليد "تحالف عالمي لمحاربة الإرهاب" له استراتيجيته الواضحة، وإرادته الحاسمة في مواجهة خطر بات بكل المقاييس يشكل خطرا وجوديا فيما لا يجوز لهذه الثقافة أن تغفل أو تتغافل عن أن الإرهاب ينشط في بيئة الجهل، والمرض، والفقر بقدر ما يغذيها، ويفاقم من وضعيتها المتخلفة بتشوهاتها العميقة.
ولئن قدمت المبادرة الجديدة إجابة لسؤال يتردد كثيرا بين المثقفين في مصر، والعالم العربي وسط تطورات إقليمية، وتحولات دولية مستمرة فحواه أين موقعنا، وموقع النظام العربي الإقليمي المنشود مما يحدث على المستوى الكلي في العالم؟ فإن هذه المبادرة تتناول أيضا في أحد مفاهيمها السؤال الكبير حول سبل التقدم، وأكدت على ضرورة أن تحشد الدول النامية عناصر قوتها، وأهمها الشباب، وأن تحظى بالدعم الدولي اللازم للخروج من الدائرة التي تبدو مغلقة جراء الأزمات، ونقص الموارد إلى مسار يفضي لواقع، ومستقبل أفضل.
والحق أن هذا السؤال الكبير تتمركز حوله طروحات، واجتهادات لمثقفين مصريين بحثا عن مستقبل أفضل لمصر.
وها هو الباحث الرائد السيد ياسين يتحدث عن "الدولة التنموية"، فيما يوضح هذا الباحث المرموق في جريدة (الأهرام) أنه قام ببناء مفاهيمه حول هذا الموضوع بعد تأمل عميق في السياسات، والمشروعات التنموية التي بادر بها الرئيس السيسي، وفي مقدمتها مشروع قناة السويس الجديدة، وإصلاح مليون، ونصف المليون فدان.
وأضاف إن الدولة بعد ثورة 30 يونيو تجددت، وركزت على التنمية القومية باعتبارها مهمتها الرئيسية، وأداتها في رفع مستوى حياة ملايين المصريين في ضوء اعتبارات العدالة الاجتماعية.
وإذ خلص ياسين للقول إلى أنه على عكس ما قد تتهم به "الدولة التنموية" بأنها "دولة سلطوية"، فإنها في الواقع إن تجددت كل الأطراف السياسية من أحزاب، ومؤسسات للمجتمع المدني، ونخب سياسية، وثقافية تصبح "دولة المشاركة الجماهيرية في مجال التنمية القومية"، فإن باحثا بارزا آخر هو نبيل عبد الفتاح يطرح السؤال: لماذا تقدموا، ولماذا تخلفنا؟.
ومعيدا للأذهان أن هذا السؤال طرح منذ مشروع محمد علي، وجرى تطويره على الصعيد الثقافي السياسي، والقانوني الحداثي مع حقبة الخديوي إسماعيل، رأى نبيل عبد الفتاح أنه منذ نهاية القرن التاسع عشر، وحتى النصف الأول من عقد السبعينيات من القرن العشرين ظل جوهر السؤال واحدا.
ولا ريب أن مثل هذه الطروحات الثقافية الجادة تسد إلى حد ما النقص الواضح في المعالجات التأصيلية للقضايا، والإشكاليات التي تواجه مصر، والعالم العربي، وصياغة رؤى كلية ثقافية، واجتماعية، وسياسية في إطار ما يصفه نبيل عبد الفتاح بالطموح إلى تنمية متسارعة، ومستدامة، واللحاق بالدوائر الأكثر تطورا في عالمنا.
وبقدر ما حمل الهتاف الخالد " تحيا مصر" منذ أكثر من عامين رسالة أمل في الثقافة السياسية المصرية، ورفض الشعب المصري للفاشية المتسترة بشعارات دينية، والاستسلام للتدهور العام، ولقوى الهيمنة، ومخططات تزييف الوعي، والتاريخ فإن هناك نجاحات تتوالى بشائرها على أرض الواقع لكل من يقرأ المشهد المصري بتجرد، وموضوعية فيما تواصل ثقافة ثورة 30 يونيو ترسيخ حضورها، وطرح أسئلتها التي تتطلب إجابات جادة، وأمينة في الواقع المصري، وأوجه الحياة اليومية للمصريين..
أرسل تعليقك