في كل عام تطرح الشركات أعداداً كبيرة من الهواتف الذكية، وتتبارى الشركات الكبرى في تزويد هواتفها بأحدث التقنيات.
وينتظر ملايين الأشخاص حول العالم وصول الهواتف الأحدث ليستبدلوا بها الهواتف التي في أيديهم، وفي بعض الأحيان لا يكون قد مضى على اقتنائهم لها أكثر من عام.
وخلال السنوات القليلة الماضية تصدرت الهواتف الذكية المراكز الأولى في الطلب العالمي على الهواتف المحمولة، لاسيما مع تنوع الفئات المعروضة منها لتُناسب القدرات الشرائية للمستخدمين على تنوعها وتفاوتها، حتى أن هناك سوقاً كبيرة للهواتف الذكية منخفضة الكلفة تلقى رواجاً كبيراً، خصوصاً في الدول النامية والاقتصادات الناشئة.
ومع ذلك، يستمر الطلب على الهواتف المحمولة البدائية أو الأساسية التي يعتمد عليها مستخدموها في إجراء المكالمات الهاتفية الصوتية وتبادل الرسائل النصية.
وقدّرت شركة «استراتيجي أنالتيكس» للأبحاث عدد الهواتف العادية التي تم بيعها، خلال العام الماضي، بنحو 44 مليون هاتف، ما يُمثل 2% من حجم الطلب العالمي.
وفي يناير الماضي اهتمت وسائل الإعلام بقرار الممثل البريطاني الشاب، إيدي ريدماين، قطع علاقته بهاتفه الذكي من طراز «آي فون»، والرجوع إلى هاتفه القديم الذي انقطعت العلاقات في ما بينهما قبل سنوات مضت.
وعلّق ريدماين على قراره بالقول: «لقد سئمت من ملازمته لي، حتى أنني في أحيان كثيرة لا أدري هل أنا الذي أمتلكه وأتحكم به، أم هو الذي يمتلكني ويتحكّم بي».
وقرر ريدماين، الذي حاز جائزة أوسكار لأفضل ممثل في عام 2014، بكامل إرادته الاستغناء عن الهاتف صاحب العلامة الأشهر في العالم، والذي يحتوي على أحدث التقنيات ويتيح لمستخدمه أحدث التطبيقات التي بتماس مع كل شؤون حياته، من ساعة استيقاظه وحتى نومه، بل وحتى أثناء نومه وفي أحلامه.
وترك ذلك ليعود إلى استخدام هاتف لا يختلف كثيراً عن أول هاتف محمول قدمته شركة «موتورولا» قبل نحو 45 عاماً.
ولا يُعد ريدماين وحيداً في هذا الاتجاه، إذ هناك ما يُشبه الرابطة أو الحركة التي تجمع الكثير من المقاطعين للهواتف الذكية.
وتخطط شركات كبرى للرجوع مرة أخرى إلى إنتاج الهواتف الأساسية، مثل «سوني» و«إل جي»، ولايزال لدى شركات، مثل «مايكروسوفت» و«سامسونغ»، خطوط إنتاج الهواتف المحمولة العادية يُوجه معظمها لأسواقٍ بعينها.
وورثت شركة «مايكروسوفت» الامبراطورية العظيمة لشركة «نوكيا» الفنلندية، وفيها مجموعة متنوعة من الهواتف الأساسية.
وقدمت الشركة، العام الماضي، طرازاً جديداً تحت اسم «نوكيا 215»، وهو هاتف قوي وسهل الاستخدام، ولا يتجاوز سعره 30 دولاراً، وتصمد بطاريته لأكثر من شهر في وضع الاستعداد.
في المقابل، يجد الكثير من مستخدمي الهواتف الذكية أنفسهم في حاجة إلى إعادة شحن هواتفهم مرة أو أكثر يومياً، فضلاً عن وقوعهم تحت ضغط الرغبة في تحديث هواتفهم الذكية بأخرى أحدث، خصوصاً أن الشركات لا تتوقف عن تقديم الطرز الجديدة والمتطورة كل عام، وتُحاصر المستخدمين بحملاتها التسويقية المكثفة.
وسعياً للهروب من مثل هذه الضغوط يتجه بعض المستخدمين إلى الهواتف المحمولة العادية التي لا تتوافر على الاتصال بالإنترنت في محاولة لفصل أنفسهم عن العالم الرقمي، أو لوضع حدود فاصلة بين عالمهم بشقّيه الواقعي والافتراضي.
ويصف أحدهم شعوره بعودته لاستخدام أحد هذه الهواتف قائلاً: «لقد شعرت براحة عظيمة عندما تحرر هاتفي من القدرة على تصفح البريد الإلكتروني، وتحديثات الحالة، والاطلاع على الإشعارات المختلفة أولاً بأول».
وهناك شريحة من المستخدمين تجمع في الوقت نفسه بين النوعين، فيستخدمون الهواتف الذكية الأحدث في حياتهم العملية، لكنهم يلجأون إلى الهاتف المحمول العادي حين يريدون الهروب من المحاصرة المستمرة للإنترنت وعالمه، والاستمتاع بلحظاتهم بدلاً من الانشغال المستمر بتسجيلها.
وفي كثيرٍ من الأحيان، يتحول استخدام الهواتف البدائية إلى ضرورة تفرضها الظروف التي تُحيط بالمستخدمين.
وتُعتبر الهواتف البدائية أكثر ملاءمة للأطفال، إذ إنها سهلة الاستخدام، وأكثر قدرة على التحمل، وتقيهم التشتت الناتج عن الهواتف الذكية بإمكاناتها الكثيرة، ولن تُشكل مشكلةً كبيرة إذا فُقدت منهم.
كما أن كبار السن الذين يعانون بعض أمراض الشيخوخة، مثل ضعف السمع والبصر، لا يحتاجون إلى هواتف تتصل سريعاً بشبكة الإنترنت قدر احتياجهم لهواتف يستخدمونها بسهولة ويسر.
وهناك فئة عريضة من المستخدمين في كثير من الدول النامية لا يتحملون ترف إعادة شحن هواتفهم مرة أو أكثر في اليوم، نظراً لمعاناة الكثير من المناطق حول العالم من نقص كبير في إمدادات الطاقة الكهربائية.
وظهرت مبادرة تُدعى «نو فون زيرو» NoPhone Zero طرحت هاتفاً غير مسبوق لا يحتوي أية أزرار أو مكونات إلكترونية، إنه مجرد بطاقة بلاستيكية صماء.
وقد يكون مجرد مزحة، لكن ربما يدفعنا للتفكر في طريقة تطويرنا للتكنولوجيا واستخدامنا لها، وما إذا كانت هذه هي الطريقة المثلى التي ستجعلنا بشراً أفضل لأنفسنا ولمن حولنا وللإنسانية كلها.
كما قد يدفعنا إلى تذكّر ما كانت عليه حياتنا قبل اقتحام الهواتف الذكية، وطرح أسئلة مثل: ما الأشياء التي تفتقدها في حياتك الحالية مع الهاتف الذكي، هل أنت على استعداد للاستغناء عن هاتفك الذكي لو وجدت أنه يقف حائلاً بينك وبين أشياء جميلة فقدتها، ولم تعد تجدها في حياتك الحالية؟
أرسل تعليقك