اعلن علماء الخميس اول رصد مباشر لموجات الجاذبية في اختراق بارز في مجال الفيزياء يفتح نافذة جديدة على الكون والغازه.
واعلن عن هذا الاكتشاف في مؤتمر صحافي عقد في واشنطن وهو يؤكد ما تنبأ به البرت آينشتاين في نظرية النسبية العامة التي عرضها قبل قرن من الزمن.
وقال ديفيد ريتزي عالم الفيزياء من جامعة "كاليفورنيا إنستيتوت اوف تكنولوجي" (كالتيك) ومدير مرصد ليغو (ليزر انترفيروميتر غرافيتايشنل-ويف اوبزرفاتوري) الذي سمح بهذا الاكتشاف "لقد نجحنا في رصد موجات جاذبية". وقد اتت عملية الرصد في 14 ايلول/سبتمبر بعد جهود استمرت خمسين عاما.
واوضحت غابرييلا غونزاليس الناطقة باسم فريق ليغو واستاذة الفيزياء الفلكية في جامعة "لويزيانا ستايت يونيفيرستي"، "عملية الرصد هذه تبشر بحقبة جديدة هي علم فلك موجات الجاذبية التي باتت الان حقيقة".
واضاف كيب ثورن استاذ الفيزياء النظرية في كالتيك "مع هذا الاكتشاف تنطلق البشرية في سعي رائع لاستكشاف اماكن ابعد في الكون. ويشكل اصطدام بين ثقبين اسودين وموجات الجاذبية اول مثالين رائعين لنا عن هذه المغامرة الجديدة".
وقالت فرانس كوردوفا مديرة مؤسسة "ناشونال ساينس فاونديشن" التي تمول مختبر ليغو ان هذا الرصد "يشكل ولادة مجال جديد بالكامل في الفيزياء الفلكية مقارنة بالمرحلة التي وجه فيها غاليليو للمرة لاولى تلسكوبا الى السماء" في القرن السابع عشر.
ويعمل العلماء في مرصد ليغو بتعاون وثيق مع فرق باحثين من دول عدة اخرى من بينها فرنسا وايطاليا والمانيا.
وقبل مئة عام، توصل آينشتاين الى ان جاذبية المادة تؤدي الى تشوه في ما سماه "الزمكان" اي الكون بابعاده الاربعة، الطول والعرض والعمق والزمان.
وشبه آينشتاين هذا التشوه بذلك الذي تسببه قطعة حجرية تلقى في الماء، فتولد تموجات فيها، واثبت ان وجود الأجرام يؤدي الى تموجات يمكن التقاطها.
وتنجم موجات الجاذبية عن اضطرابات طفيفة يتعرض لها "الزمكان" تحت تأثير تحرك جسم ذي كتلة كبيرة وهي تنتشر بسرعة الضوء ولا يمكن لشيء ان يوقفها.
واعتبر عالم الفيزياء بونوا مورس من المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي ان هذا الاختراق "تاريخي ويثبت مباشرة توقعات نظرية النسبية العامة".
- "ثلاثة ثقوب" -
وفي اطار هذا الاكتشاف ، حدد علماء الفيزياء ان موجات الجاذبية التي رصدت في ايلول/سبتمبر تشكلت خلال الجزء الاخير من الثانية قبل انصهار ثقبين اسودين وهي اجسام كثيفة جدا لا تزال تشكل لغزا للعلماء.
وكان آينشتاين توقع احتمال حصول اصطدام بين اجسام كهذه الا ان هذه الظاهرة النادرة جدا لم تكن قد رصدت مباشرة بعد.
وتفيد نظرية النسبية ان ثقبين اسودين يدوران في فلك بعضهما البعض يفقدان من طاقتهما وينتجان موجات جاذبية. وقد رصدت هذه الموجات في 14 ايلول/سبتمبر 2015 عند الساعة 16,51 بتوقيت غرينتش بالتحديد على ما اوضح ديفيد ريتزي قائلا "لم يكن يسعني التصديق كان الامر رائعا".
وسمح تحليل البيانات بالقول ان الثقبين الاسودين انصهرا قبل 1,3 مليار سنة. وكانت كتلتهما 29 مرة و36 مرة اكبر من كتلة شمسنا فيما قطرهما 150 كيلومترا فقط.
وقد تأكدت عملية الرصد من خلال مقارنة اوقات وصول موجات الجاذبية هذه في المرصدين التابعين لليغو والبعيدين ثلاثة الاف كيلومتر الواحد عن الاخر (بفارق 7,1 اجزاء من الالف من الثانية) ودراسة خصائص المؤشرات.
وكان مصدر هذه الموجات في نصف السماء الجنوبي وكان لوجود عدد من اكبر من المراصد أن يسمح بتحديد ادق للمكان.
وقال عالم الفيزياء الفلكية ديفيد شومايكر المسؤول عن ليغو في جامعة "ام آي تي" "التطبيقات الاولى التي نراها هذا المجال تتعلق بالثقوب السوداء لانها لا تبث النور وما كنا لنراها لولا موجات الجاذبية" مشيرا الى ان العلماء لا يزالون يجهلون كيف ان الاجسام الموجودة في وسط كل المجرات تقريبا ، تنمو.
- استكشاف الكون -
واضاف شومايكر "يمكن لموجات الجاذبية تاليا ان تساعد في تفسير تشكل مجرات".
واكد تاك ستيبينز مدير مختبر فيزياء الجاذبية الفلكية في مركز غودار التابع لوكالة الفضاء الاميركية (ناسا) "الجاذبية هي القوة التي تتحكم بالكون ويسمح لنا التمكن من رؤية اشعاعاتها بمراقبة اكثر الظواهر قوة في الكون والاساسية منها التي كنا نعجز عن رصدها حتى الان".
وتسمح القدرة على رصد هذه الموجات التي تتنقل من دون اي اضطرابات على مدى مليارات السنوات بالعودة الى الجزء من الالف من الثانية الاول من الانفجار الكوني الكبير (بيغ بانغ).
واثار هذا الاكتشاف ردود فعل كثيرة في الاوساط العلمية العالمية.
وقال استاذ الفيزياء توم ماكليش من "رويال سوساييتي" في لندن وجامعة دورهام "يعود الاعلان المهم الاخير من هذا النوع الى العام 1888 عندما رصد هنريك هيرتز الموجات اللاسلكية التي تنبأ بها كليرك ماكسيل حول الكهرومنغطيسية العام 1865".
أرسل تعليقك