اعتبر علماء الفلك فى السابق أن ظاهرة اصطدام الثقوب السوداء ببعضها تحدث تحت جنح الظلام، بالنظر إلى أن كلا الجسمين غير مرئيين، غير أنهم يعتقدون الآن أنهم قاموا بأول عمليات رصد بصرية لمثل هذا الاندماج، والذى تميز بخروج وهج عظيم من الضوء يعادل الضوء المنبعث من أكثر من ضوء الشمس بنحو تريليون مرة، أو يعادل ضوء تريليون شمس مثل شمسنا.
وارتبط التوهج بعملية اندماج للثقوب السوداء تم اكتشافها العام الماضى من خلال مرصد الأمواج الثقالية، ليجو، الذى التقط تموجات مرسلة عبر النسيج الكونى، بحسب ما أوردته صحيفة الجارديان البريطانية.
وتشير أحدث عمليات الرصد إلى أنه عندما تحدث هذه الدراما الكونية الكارثية فإنها تبعث بوهج عظيم من الضوء المتشكل من الغبار الكونى والسحب الغازية المحيطة بها، ما يجعل هذه الظاهرة مرئية أيضًا بالتلسكوبات البصرية التقليدية، حسب سكاى نيوز.
يقول ماثيو جراهام، أستاذ الأبحاث فى علم الفلك فى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا والمؤلف الرئيسى للدراسة: "كان هذا الثقب الأسود العملاق يتجشأ لسنوات سحبا غازية وغبارا كونيا قبل حدوث هذا التوهج العظيم الذى ظهر بشكل فجائى، مما يعنى أننا يمكن أن نستنتج أن هذا التوهج هو على الأرجح نتيجة اندماج للثقوب السوداء".
ولم يستبعد الباحثون تماما مصادر أخرى لخروج مثل هذا الوميض الهائل للضوء، لكن سافيك فورد، وهى مؤلفة مشاركة فى الدراسة وتعمل فى جامعة مدينة نيويورك، أكدت أن نافذة الشك ضيقة، وقالت "نحن متأكدون بنسبة 99.9 فى المئة".
وقال البروفسور ألبرتو فيكيو، مدير معهد علم الفلك للأمواج الثقالية فى جامعة برمنجهام، إن الخبراء سيعكفون على دراسة الملاحظات الأخيرة التى رصدها ليجو وكيف تتماشى مع تحليل مفصل لحدوث الظاهرة ذاتها، حيث من المقرر أن يتم نشر نتائج الدراسة فى الأشهر المقبلة".وأضاف: "إذا تطابقت الدراستان بشكل مستقل، فإن هذا سيكون حقا شيئا مذهلا إلى حد ما".
وجاءت هذه الملاحظات بعد أن قدمت فورد وزميلها بارى ماكيرنان دراسة نشرت نتائجها فى دورية "فيزيكال ريفيو لترز"، تؤكد تنبؤات نظرية بأن عملية اندماج الثقوب السوداء ستكون مرئية، على عكس التوقعات، إذا حدثت هذه العملية خلف ثقب أسود ثالث ضخم.وتعاونت فورد وماكيرنان مع جراهام، فى مرصد زويكى العابر(ZTF)، وهو تلسكوب مسح فضائى لاكتشاف الأحداث الساطعة، والذى اعتبرته فورد مثاليا لرصد مثل هذه الظاهرة.
وقام العلماء بتتبع البيانات الصادرة عن تلسكوب زويكى بحثا عن أى توهج ضوئى تزامن فى المكان والزمان مع الاصطدامات التى تم الكشف عنها من قبل العلماء فى مرصد ليجو، والذى عادة ما يصدر تنبيهات عامة فى كل مرة يتم فيها رصد هذه الظاهرة.وخلال عملية التتبع للبيانات برز حدث واحد وهو الاندماج المشار إليه باسم S190521g الذى رصده تلسكوب ليغو فى مايو من العام الماضي.وقال جراهام: "إنه بالتأكيد ليس بالشيء الذى كنا نتنبأ بحدوثه قبل ثلاث سنوات عندما بدأنا المسح".
ويشير تحليل أوثق إلى أن الاندماج قد حدث بالقرب من ثقب أسود هائل بعيد يسمى J1249+3449، بقطر يعادل مدار الأرض حول الشمس، حيث حامت هالة من النجوم والكتل الغازية والغبار الكونى حول ثقبين أسودين صغيرين يقعان بالقرب منه، ويبلغ حجم كل منهما حجم جزيرة وايت وبكتلة تعادل 150 مرة ككتلة الشمس.ووصفت فورد هذه الظاهرة بالقول: "إن هذه الظاهرة أشبه ما تكون كسرب من النحل الغاضب يحوم حول ملكة النحل فى مركز الخلية.
وتشكلت عملية الاندماج للثقبين الأسودين الصغيرين بشكل دوامة وتم إرسال الموجات الثقالية عبر الفضاء، واندفع الثقب الأسود المتشكل من عملية الاندماج فى الاتجاه المعاكس وينبعث من خارج مركز الاندماج الغبار الكونى والسحب الغازية إلى الفضاء المحيط.وقال ماكيرنان: "إن حركة خروج السحب الغازية من مركز اندماج الثقبين الأسودين وبسرعة رصاصة نارية هو الذى يخلق توهجا ساطعا مرئيا بالتلسكوبات".
وإذا ما تأكدت هذه الملاحظات الكونية، فقد تساعد على حل جدل محورى فى علم الفلك حول الثقوب السوداء: وهى أن هناك ثقوبا سوداء من الوزن الهائل أكثر بكثير مما يجب أن يكون فى النسيج الكوني.
أحد التفسيرات المحتملة هو أن الثقوب السوداء تتجمع معا مما يعنى حدوث عمليات الاندماج بشكل أكبر بينها، فالثقوب السوداء تتشكل من النجوم القديمة المنهارة، أما الثقوب السوداء الهائلة فتتشكل عندما تتم عملية اندماج بين الثقوب السوداء الصغيرة تدريجيا.
وهذا يفسر وجود الثقوب السوداء الهائلة جدا التى بلغت حجما كبيرا فى وقت يعتقد من الناحية النظرية أنه أطول من عمر الكون، فالثقوب السوداء عندما تتجمع معا فى مرات عدة تصبح أكبر وأكثر احتمالا لتفسير هذه الظاهرة الكونية.
يقول العالم فيكيو: "إذا كان لديك فرصة لتجمع الثقوب السوداء فى مكان واحد، فيمكنها أن تندمج مع بعضها وما السحب الغازية الهائلة إلا عبارة عن الغراء الذى يربط بين هذه الثقوب السوداء".غير أن هذه الظاهرة التى رصدها تلسكوب ليغو ليست قادرة بسهولة على وضع حل واضح لهذا اللغز المحير، لأن علم الفلك الموجى الثقالى غير قادر على تحديد مكان حدوث عملية الاندماج بالضبط فى الكون، ولكن إذا كان يمكن رؤية حدوث هذه الظاهرة باستخدام التلسكوبات التقليدية، فيمكن أن تكون الإجابة على هذا السؤال وشيكة.
قد يهمك أيضًا:
"ناسا" تُطلق اسم أوّل مهندسة أميركية سوداء على مقرها في واشنطن
"الأرض العظيمة" تدعم الحياة الغريبة والعلماء يدرسون إمكانية السكن هناك
أرسل تعليقك