بقلم: ماتياس ريبيليوس - عضو مجلس إدارة سيمنس AG والرئيس التنفيذي لقطاع البنية التحتية الذكيةإنّ مهمة تحسين الحياة اليومية لملايين البشر هو أمر يتطلب بصيرة ثاقبة وخيال واسع وإدراك تام لشكل وأهداف هذه الغاية النبيلة. ولهذا لا يكفي التقدم التكنولوجي وحده لتحقيق هذا التقدم المرجو. ونقتبس هنا أحد أقوال الراحل ستيف جوبز والذي يُعد واحدًا من أعظم العقليات الملهمة في عصرنا، حين قال: "إنّ الذين يُصوِّر لهم جنونهم الجامح أنهم قادرون على تغيير العالم من حولهم، هم بالفعل من يتمكنون من القيام بذلك".
ولم تتوقف البشرية يومًا عن الحلم بالمدينة الفاضلة.... ذلك المكان الذي فيه كل شيء مثاليًا وكاملًا. إلا أنّ صورة المدينة الفاضلة تختلف من شخص لآخر، ولكن هناك عامل مشترك لتلك المدينة الفاضلة خلال عصرنا الحديث. ويتمثل هذا العامل في ضرورة وجود بيئة مستدامة ومدن تتصل مكوناتها بالشبكة العالمية، واستخدام كفء للموارد خاصة ونحن نواجه تحديات القرن الحادي والعشرين والمتمثلة في الانفجار السكاني العالمي والاحتباس الحراري وحركة التمدن المتسارعة.
إنّ المدن الذكية لم تُعد حلمًا فقط ولكنها أصبحت أمرًا قابلاً للتحقيق فعلياً. فالتقدم الهائل في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والجيل الخامس للاتصالات والحوسبة السحابية والبيانات الكبيرة وانترنت الأشياء، تعمل على تحقيق نوع من التوافق بين الحقيقة الفعلية التي نعيشها وتوقعات المستخدمين، ويتفق الخبراء مع ذلك بقولهم: ستصبح المدن ذكية بالفعل عندما يعتمد القطاعين العام والخاص على التكنولوجيا، وعندما يتعاونان معًا من أجل سلامة ورفاهية المواطنين، وتحقيق الاستدامة البيئية والرخاء المجتمعي.
ولهذا، يُعد معرض إكسبو 2020 دبي بلا جدال، أفضل مثال ونموذج عالمي حتى الآن لبيئة مدن المستقبل التي تتصل مكوناتها عبر الشبكة العالمية والمقامة لتحقيق غايات محددة. لقد جعلت سيمنس من هذا المعرض الأكبر من نوعه في العالم، نموذجًا عمليًا لمدن المستقبل الذكية. ويقام معرض إكسبو 2020 دبي على مساحة تعادل ضعف مساحة امارة موناكو، ويضم أكثر من 130 مبنى تتصل ببعضها البعض عبر التقنيات الحديثة. يعتمد المعرض بالكامل على أحدث الحلول التكنولوجية التي ستجعل منه المعرض الدولي الرقمي الأكبر من نوعه والأكثر استدامة وأماناً على مدار تاريخ المعارض العالمية الممتد لحوالي 170 عامًا.
ويُعد إكسبو 2020 دبي أول معرض في سلسلة معارض إكسبو العالمية الذي يقام في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا. ويعتمد ذكاء هذا المعرض على نظام تشغيل مايندسفير من سيمنس، وهو نظام تشغيل يعتمد على حلول الحوسبة السحابية، ويقوم بربط البيانات التي يتم جمعها من المصاعد ومكيّفات الهواء والإضاءة والأجهزة الأخرى مع بعضها، وتكوين علاقات حوسبية بينها من أجل الحصول على رؤية جديدة ومتكاملة لإعادة صياغة شكل الحياة في المدن خلال المستقبل.
صياغة مستقبل جديد
إنّ المنصات المنفصلة التي تدير الطاقة والمباني الذكية والبوابات والتجهيزات الأمنية وتعتمد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، تعمل مع بعضها بصورة متآزرة وبكل كفاءة، بما يتيح لمشغلي المباني القدرة على التحكم في الوظائف المختلفة مثل التبريد وجودة الهواء ودخول المباني والإنذار من الحريق بصورة لحظية اعتمادًا على تطبيق الكتروني واحد.
ولا تُعد هذه التكنولوجيا غاية في حد ذاتها، ولكنها تقوم بتجميع المعلومات من 210,000 نقطة بيانات و5,500 بوابة وأكثر من 15,000 كاميرا من أجل تحسين العمليات التشغيلية للوظائف المختلفة خلال إقامة المعرض، وتقليل الانبعاثات الكربونية وتقديم تجربة غير مسبوقة من الراحة والتأمين لملايين الزوار بكل سلاسة. وتعمل هذه التكنولوجيا على ترشيد استهلاك الطاقة عن طريق تحقيق التوازن بين أعلى وأدنى مستويات تدفق الطاقة المتجددة التي يعتمد عليها المعرض. بالإضافة لذلك، تعمل هذه التكنولوجيا على تحسين تخزين الطاقة في البطاريات وشحن المركبات الكهربائية.
يقام إكسبو 2020 تحت شعار "تواصل العقول وصنع المستقبل". ويتحدث هذا الشعار عن إمكانيات المدن الذكية: فتحول المدن التقليدية إلى مدن ذكية سيعمل على تغيير إدارة المدن والنقل والصحة والسلامة العامة، ستساهم في خلق مزايا وفرص اقتصادية عالمية تصل إلى 20 تريليون دولار حتى عام 2026، حسب توقعات عدد من المحللين.
ولهذا السبب يُتوقع أن يتضاعف حجم الاستثمارات الهادفة لجعل المدن أكثر ذكاءً من 100 مليار دولار عام 2021 لتصل إلى 250 مليار دولار بحلول عام 2030، حيث سيضخ القطاع الخاص أغلب هذه الاستثمارات في المباني الذكية وشبكات الطاقة الصغيرة، بالإضافة للاستثمارات الحكومية المتنوعة. وسيستفيد الجميع من ذلك، نظرًا للدور الذي تلعبه التكنولوجيا في جعل المدن سريعة النمو وأكثر مرونة.
من ناحية أخرى، يحتاج العالم الخالي من الانبعاثات الكربونية إلى مدن يمكنها دمج واعتماد المزيد من الطاقة المتجددة والتي يتم توليدها من ألواح الطاقة الشمسية على أسطح المباني، وتوربينات الرياح. إنّ هذا العالم يحتاج لمدن أكثر قدرة على إدارة حركة المرور وأكثر كفاءة في إدارة المياه والصرف الصحي... ومدن عالية الكفاءة وتتمتع بهواء نظيف.
أسعد مدينة في العالم
وتتمثل رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في جعل دولة الامارات العربية المتحدة واحدة من أفضل دول العالم. ان أفق إمارة دبي بالنسبة لكثيرين يجسد صورة لمدن المستقبل، وبالفعل قامت مبادرة حكومة دبي الذكية بالتحول الرقمي في إدارة المدينة وخدمة المواطنين بلمسة واحدة من خلال التطبيقات الذكية، مع التخلص من الأعمال الورقية التقليدية. ويتمثل الهدف الرئيسي من ذلك في: جعل دبي "أسعد مدينة في العالم".
لقد أتاح لنا الخيال العلمي رؤى عديدة لما يمكن أن يحدث في المستقبل. فالسعادة لا تعني دائمًا الضخامة والحجم الهائل. فأول مدينة ذكية في العالم وهي مدينة متروبوليس، ظهرت للنور منذ ما يقرب من مائة عام في برلين في عقل صانع الأفلام فريتز لانج وزوجته تيا فون هاربو. وقد كانت مدينة مشوهة تتناسب مع معطيات تلك الفترة الزمنية.
ولكن الرؤية الحديثة للمدينة الذكية مختلفة تمامًا عن ذلك التصور القديم. فالتكنولوجيا أصبحت ضرورة وليست رفاهية. وإذا كان التحول الرقمي هو المخ، فإنّ الاستدامة هي القلب. إنّ مدن المستقبل يجب أن تكون قادرة على التخلص من الانبعاثات الكربونية في العالم والمراكز الحضرية خلال المستقبل، وهو ما سيجعل مدننا أكثر كفاءة وأسرع استجابة واستعدادًا للتعامل مع التحديات المستقبلية التي ننتظرها والمتمثلة في الاستدامة والنمو السكاني وحركة التمدن السريعة، بالإضافة للمتغيرات والتحديات التي قد بشكل فجائي وغير متوقع.
ان ذكاء المدن ينقسم لمستويات ويعتمد على النوايا. لقد أطلق معهد سويسرا للتنمية الإدارية وجامعة سنغافورة للتكنولوجيا والتصميم مؤشر المدن الذكية عام 2019، وهو مؤشر يعتمد تصنيف الدول والمدن فيه على العديد من البيانات الاقتصادية والتكنولوجية وكذلك رؤى المواطنين. وفي العام الماضي، حصدت المراكز الأولى في المؤشر كل من سنغافورة وهلسنكي وزيورخ، وجاءت برلين في المركز الثامن والثلاثين ودبي في المركز الثالث والأربعين ومدريد في المركز الخامس والأربعين.
ومن المتوقع أن يتغير ترتيب الدول/المدن في هذا المؤشر العام القادم. فبعد انتهاء معرض اكسبو، سيتم استخدام البنية التحتية الذكية للمعرض في جنوب دبي لإقامة مجتمع جديد يضع البشر في بؤرة اهتمامه، وسيُطلق على هذه المدينة "المنطقة 2020". هذا المجتمع القائم على الابتكار والتكنولوجيا والذي يمثل مشروعًا متعدد الاستخدامات، سيتطور سريعًا خلال السنوات القادمة وستكون سيمنس مستأجر رئيسي في المنطقة.
إننا نسعى لجعل المدينة بأكملها مريحة وآمنة وتتمتع بالكفاءة عن طريق التركيز على تجربة البشر في المقام الأول. إنّ معرض إكسبو 2020 دبي هو مشروع متكامل لاستعراض ما يمكن أن تقدمه سيمنس ككيان عالمي، ونستعرض من خلاله نطاق تطبيق وقدرات وإمكانيات حلولنا التكنولوجية المتنوعة. إننا شركات مختلفة ولكن لها هدف واحد: جعل العالم مكان أفضل للحياة.
وبالرغم من ذلك فإنّ التحول الرقمي ليس هدفًا في حد ذاته ولكنه مجرد أداة. إنّ نوايانا هي ما سيصيغ مدن المستقبل الذكية بحيث تصبح كما نريدها: مستدامة ومتصلة ومزدهرة، وفيها مياه نظيفة ووسائل نقل آمنة وطاقة خضراء صديقة للبيئة من أجل راحة ورفاهية الجميع. باختصار: نريدها مدن رائعة. وكما قال ذات مرة الرئيس الأمريكي الراحل ابراهام لنكولن: " إنّ أكثر طريقة فعالة للتنبؤ بالمستقبل، هو صناعته".
قد يهمك ايضا
«كابا هاكا» يحيي شعار نيوزيلندا في «إكسبو 2020 دبي»
المكسيك تحتفي بنسائها الحرفيات في «إكسبو 2020 دبي».. واجهة جناح منسوجة يدويا
أرسل تعليقك