وراء كل آية من آيات القرآن حكاية عظيمة وجميلة، إذا عرفناها وتدبرناها ذقنا حلاوة وبلاغة وعظمة كتاب الله، الذي جاء معجزًا بما يتناسب مع كل زمان وعصر ومكان، والذي نشر الضياء والنور في الكون.
لماذا سورة الإنسان؟
ورد في أسباب نزول سورة الإنسان وأسباب نزول بعض آياتها حكايات كثيرة منها ما هو صحيح، ومنها ما هو ضعيف ومشكوك في صحته، وسنستعرض كل ما ورد فيها ونبين صحته، وقد سُميت هذه السورة بهذا الاسم لوجود غالبية أحوال الإنسان فيها، ففيها بداية النَشْأَةِ للإنسان والتَدَرُّجِ في الخليقة، وفيها ذكر لأحواله في الدنيا وفي الآخرة سواء في النعيم أو العذاب، وسُميت أيضًا بسورة " الدهر"، وسورة "هل أتى على الإنسان"، وسورة "الأمشاج" ، وسورة "والأبرار".
لهم الدنيا ولنا الآخرة
أخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: دخل عمر بن الخطاب على النبي "صلى الله عليه وسلم" وهو راقد على حصير من جريد، وقد أثر في جنبه فبكى عمر، فقال له: ما يبكيك؟ قال: ذكرت كسرى وملكه وهرمز وملكه وصاحب الحبشة وملكه وأنت رسول الله "صلى الله عليك وسلم" على حصير من جريد فقال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": أما ترضى أن لهم الدنيا ولنا الآخرة، فأنزل الله قوله تعالى:
" وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا" - الإنسان: 20
لو تعلمون ما أعلم..
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي ذر قال: قرأ رسول الله "صلى الله عليه وسلم" (هل أتى على الإِنسان حين من الدهر) حتى ختمها ثم قال: «إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء، وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا ملك واضع جبهته ساجدًا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجارون.
حكاية الأسرى
وقال السيوطي في أسباب النزول "لباب النقول" وأخرج ابن المنذر عن ابن جرير في قوله:
" وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا" – الإنسان 8، قال: لم يكن النبي "صلى الله عليه وسلم" يأسر أهل الإسلام، ولكنها نزلت في أسارى أهل الشرك وكانوا يأسرونهم في العذاب، فنزلت فيهم، فكان النبي "صلى الله عليه وسلم" يأمر بالصلاح إليهم.
وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال: لما صَدَرَ النبي "صلى الله عليه وسلم" بالأسارى عن بدر أنفق سبعة من المهاجرين على أسارى مشركي بدر منهم أبوبكر وعمر وعلي والزبير وعبدالرحمن وسعد وأبوعبيدة بن الجراح، فقالت الأنصار: قتلناهم في الله وفي رسوله وتوفونهم بالنفقة، فأنزل الله فيهم تسع عشرة آية من: "إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورًا" إلى قوله: "عينًا فيها تسمى سلسبيلًا ".
وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد في قوله: "ويطعمون الطعام على حبه"، قال: وهم يشتهونه، "إنما نطعمكم لوجه الله" الآية، قال: لم يقل القوم ذلك حين أطعموهم، ولكن علم الله من قلوبهم فأثنى عليه به ليرغب فيه راغب.
آية في أبي جهل
وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة، أنه بلغه أن أبا جهل قال: لئن رأيت محمدًا يصلي لأطأن عنقه فأنزل الله: "وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا" - الإنسان: 24
رحمة الله تنجينا
قال ابن كثير في تفسيره: قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير: حدثنا علي بن عبدالعزيز، حدثنا محمد بن عمار الموصلي، حدثنا عفيف بن سالم عن أيوب، عن عتبة، عن عطاء عن ابن عمر قال "أتى رجل من الحبشة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأله فقال له الرسول: سل واستفهم، فقال: يا رسول الله فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة، ثم قال أفرأيت إن آمنت بما آمنت به وعملت بما عملت به، إني لكائن معك في الجنة؟
فقال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": نعم، والذي نفسي بيده إنه ليضيء بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام، ثم قال "رسول الله صلى الله عليه وسلم": من قال "لا إله إلا الله" كان له بها عهد عند الله، ومن قال: "سبحان الله وبحمده" كتب له بها مائة ألف حسنة وأربعة وعشرين ألف حسنة.
فقال الرجل: كيف نهلك بعد هذا يا رسول الله؟
فقال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله فتقوم النعمة من نعم الله، فتكاد أن تستنفد ذلك كله إلا أن يتغمده الله برحمته، ونزلت هذه الآيات:
( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا {الإنسان: 1 ـ 3 } إلى قوله تعالى : وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا {الإنسان: 20 }).
فقال الحبشي: وإن عيني لتريان ما ترى عيناك في الجنة؟ فقال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": نعم، فاستبكى حتى فاضت نفسه. (سنده ضعيف)
رواية الحسن والحسين
وأما ما يروى عن ابن عباس أن الحسن والحسين مرضا فعادهما الرسول "صلى الله عليه وآله وسلم" في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام، فشفيا وما كان معهم شيء فاستقرض علي ثلاث أصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعاً واختبزته، فوضعوا الأرغفة بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل، وقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صيامًا، فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه (ثم) وقف عليهم أسير في الثالثة عند الغروب، ففعلوا مثل ذلك، فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، قال: «ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم» فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها، وغارت عيناها فساءه ذلك فنزل جبرائيل وقال: خذ يا محمد هنأك الله في أهل بيتك، فأقرأه السورة، وما يروى هذا ليس له سند صحيح، ولم نعرف أحدًا من أعلام المفسرين أورد أن هذه الآيات نزلت في علي وفاطمة وولديهما.
أرسل تعليقك