تعيد أعمال المصورة ومنتجة الأفلام الإماراتية الحائزة عدة جوائز، لمياء قرقاش، عقارب الساعة إلى الوراء وتنتقل عبر الزمن بهدف توثيق الفضاءات المنسية والمتجاهلة داخل مجتمع الإمارات والعثور على الجمال فيما قد يعتبر عادياً، وكان بعض من تلك الإنتاجات الفنية قد جال في معارض عدة ومهرجانات أفلام في أنحاء العالم، كما عُرضت سلسلة صور جديدة لها أخيراً في بينالي البندقية بجناح الإمارات.
وفي حوار مع مجلة «هاربرز بازار العربية»، تحدثت فيه عن بداياتها ومصادر إلهامها ومفهوم التغير الثقافي الذي تدور حوله مجمل إبداعاتها، أقرت قرقاش بأنها لم تكن تبدي اهتماماً بالكاميرا في الصغر، ولهذا لم يخطر على بالها يوماً أن تلك الوسيلة ستلعب دوراً محورياً في حياتها كفنانة.
ثم عثرت خلال حصة التصوير الفوتوغرافي التناظري المطلوبة ضمن المنهاج الجامعي «على نعمة وبهجة النظر من خلال عدسة الكاميرا وتطوير صورها في الغرفة المظلمة»، كان ذلك في أول فصل دراسي، ومن هناك بدأ صعودها الطبيعي في مجال التصوير، وأيقنت حينذاك «أن الكاميرا قدرها».
أما مصدر إلهامها، فأجابت: «بيتي القديم، ومنه بدأ كل شيء»، وأوضحت قرقاش أنها كانت قد عادت من الجامعة لقضاء عطلة الشتاء ولم تقرر بعد مشروع أطروحتها، فتوجهت لزيارة منزل أجدادها القديم لتناول طعام الغداء بصحبة الكاميرا، وتلك الزيارة هي التي «أثارت كل شيء حقاً» حسب وصفها.
وكانت أسرتها قد انتقلت من ذاك المجمع العائلي قبل بضع سنوات، وعندما رأته شعرت بالافتتان وكانت محظوظة بوجود الكاميرا معها في ذلك اليوم، وقد شدها الفضول لمعرفة كيف غيّر الوقت موطن طفولتها، وهذا الفضول فتح أمامها عالماً كاملاً كرست له نفسها على مدى 15 عاماً ويزيد.
وصفت قرقاش مثل تلك الأماكن بالقول، إن هناك الكثير من الجمال وسط ما يعتبر عادياً الآن، «الغائب والمتجاهل»، وهي أحبت أن تقدم نظرة ثاقبة لتلك المساحات الأكثر حميمية التي تتعارض مع الصورة التجارية التي تقدمها وسائل الإعلام عن منزلها.
وفي سلسلة الصور الفوتوغرافية التي ترصد فكرة الاغتراب بعنوان «الحضور»، وتلك الصور كانت موضوع أطروحتها، قالت قرقاش إن القصص كانت تتشكل في ذهنها كسلسلة من الصور بدلاً من سلسلة من النصوص.
فهي تعيش حياتها كمراقب من خلال ما تراه، وتعتبر أعمالها في تعارض مباشر مع مجتمع اليوم سريع الخطى، وهذا ما يعكسه أيضاً استخدامها للتصوير التناظري التقليدي.
وكان موضوع السلسلة يدور حول توثيق منازل الأسر الإماراتية في دبي والشارقة وعجمان عبر مراحل مختلفة من هجرها: المراحل الأولى وعملية الانتقال ثم الهجر الكامل، وتلك الأحياء التي قامت بتوثيقها، منها ما هو شبه مهجور، أو أحياء تشمل أسراً على وشك الانتقال، أو أماكن سيتم هدمها قريباً.
وقد أوضحت قرقاش أن تلك التصميمات الداخلية تمثل ثقافة فتية ظهرت بعد الطفرة النفطية منذ ما يقرب من 30 عاماً، وترى أنه مع الحاجة إلى سيطرة الحديث، فإن الانقراض الثقافي بات أمراً لا مفر منه، وأن هوية جديدة تتشكل الآن.
لكنها في بحثها عثرت على ميزات مختلفة في تلك المنازل والصروح، بعضها كان قد غادرها أصحابها منذ فترة قصيرة، وبعضها الآخر مهجوراً لفترة طويلة، مضيفة أن الاتجاه الحالي في التحديث أدى إلى تحويل البنية التحتية القديمة والثقافية إلى منتجعات شاطئية ومجمعات سكنية وحتى مراكز تسوق.
وكان مصدر افتنانها في العمل مفهوم الوقت الذي يختلف كثيراً، ففي حين منازل عائدة لمائة عام لا تزال تعتبر حديثة، فإن تلك المنازل اعتبرت قديمة جداً بعمر 25 عاماً، وكان ذلك الدافع القوي للقيام بهذا المشروع على مستوى أعمق.
أكدت أن عملها في توثيق المساحات هو تكريم حقيقي لمنزلها وبلدها ومدينتها، وتمثيل للمشاعر والتجارب البشرية التي نشأت عليها في نقيض للصور اللمّاعة التي تصورها وسائل الإعلام.
ولهذا هناك الكثير من الحميمية والإنسانية في العمل من دون وجود لبشر، وكان تكريس جهودها لهذا النوع من التوثيق ينبع من الذكريات واهتمامها الشديد بالسرد البشري، وعرض الأمور الدنيوية في ضوء جميل والسماح للمشاهد في الغوص في التفاصيل والسرد الموجود داخلها.
ومع ذلك، أكدت أن أياً كان بإمكانه أن يشعر بالوجود البشري العظيم في المساحات التي تلتقطها من دون رؤية أي بشري. فالتفاصيل في هذه المساحات، سواء أكانت أثاثاً أو تكويناً، يجري نسجها معاً لتصوير الإنسانية بشعور هائل من الحميمية.
وهي تجزم بإمكانية تقديم التغيير الثقافي والتعبير عنه في المساحات التي نعيش فيها، في كيفية تفاعل البشر الواحد مع الآخر، وكيف تبدو حياتنا في حركة مستمرة.
وبالإجمالي، ترى أن كل الأعمال التي وثقتها تندرج تحت موضوع واحد، هو مفهوم التغيير الثقافي في الفضاء، وكذلك التجربة الإنسانية. فسلسلة الصور «آثار» هي مجرد امتداد لدراساتها عن الفضاء التي تجريها من أكثر من 15 عاماً.
أما سلسلة صورها «فاميلال» التي عُرضت في بنيالي البندقية بجناح الإمارات، والتي تتضمن لمساتها الشخصية، فأشارت قرقاش إلى أنها وثّقت من خلالها الفنادق ذات الميزانية المحدودة وغرفها ومساحاتها، وأوجدت رابطاً بينها وبين ما هو غير مألوف من خلال دمج صور العائلة فيها، فقد كانت رغبتها في تقديمها بضوء جميل بعد أن طغت عليها المؤسسات اللامعة المقبولة تجارياً.
ولم تكن فكرتها مجرد توفير منصة لإظهار طابعها الإنساني، لكن أيضاً تجريدها من الملصقات وعرضها على أنها مساحات شخصية خاصة.
وفي رأيها، كل مساحة، سواء أكانت تجارية أو شخصية تثير إحساساً بالتجربة الإنسانية وكل مساحة ينبغي الاحتفاء بها.
اليوم، لا تزال قرقاش الأم التي تجد صعوبة في إنتاج أعمال جديدة باستمرار، تحمل كاميرتها معها على الدوام بحثاً عن اللحظات المناسبة والإلهام، وترى عملها المقبل حول تقديم منظور لتجاربها الشخصية والعثور على الجمال الآسر فيما يجري تجاهله وما يعتبر عادياً.
وقــــــــــــد يهمك أيــــــــــــــضًأ
باحثون يعثرون على أحافير سمكية عمرها في مصر وقدرتها على التأقلم مع بحار كانت تغلي
سفير الدولة و وزير الزراعة المصري يبحثان تعزيز التعاون بالمجال الزراعي
أرسل تعليقك